الليرة التركية والاقتصاد السوري.. أثر محدود أم كبير؟


في العام 2019، بدأ النظام السوري بشن حملة كبيرة على الأسواق، بحجة محاربة التهريب، لكن فيما بعد اتضح أن هذه الحملة تهدف لمحاربة البضائع التركية فقط، بعد بيانات أشارت إلى أنه يدخل إلى سوريا بضائع تركية بقيمة أكثر من مليار دولار سنوياً.

الضجة الأخرى التي أثارها موضوع البضائع التركية، هو السؤال عن كيفية دخولها إلى السوق السورية، في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين، توتراً شديداً، وتوقفاً لكافة التعاملات التجارية.. وهو ما دفع النظام، ليس لمصادرة هذه البضائع من الأسواق فحسب، بل وإلى معاقبة مقتنيها من التجار، بالسجن لسنوات، مع تغريمهم بأموال طائلة، أسهمت إلى حد كبير بتوقف دخول البضائع التركية إلى مناطق النظام، أو تراجع تواجدها بالأسواق إلى الحدود الدنيا، وفق تأكيدات مسؤولي النظام.

وعلى العكس تماماً، تشكل البضائع التركية العمود الفقري لاقتصاد المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، بما في ذلك الليرة التركية، التي أصبحت منذ العام 2020، العملة الرئيسية التي يتعامل بها السكان هناك، ويتقاضون أجورهم بها.
 
ويقول سكان محليون في شمال غربي سوريا، بأن تراجع سعر صرف الليرة التركية في الآونة الأخيرة، أدى إلى تدهور حياة الكثير من الأسر المعيشية، وأصبح أكثر من 70 بالمئة غير قادرين على تأمين حاجياتهم الأساسية من الأكل والشرب، بسبب التضخم، بينما تشهد الأسواق غياب شبه كامل للرقابة، التي يمكن أن تردع التجار عن التحكم بالأسعار والتلاعب بها، بحجة تذبذب سعر صرف الليرة التركية بين ساعة وأخرى.
 
ويشير "علي المحمد" من سكان محافظة إدلب، وهو متزوج ولديه أربعة أطفال، أنه قبل أن تتعرض الليرة التركية للانهيار الأخير، وعندما كانت تراوح بين 8 إلى 9 ليرات مقابل الدولار، كان يتقاضى 600 ليرة تركية راتباً شهرياً، ويقوم بأعمال إضافية تدر عليه مبلغاً مماثلاً، تكفي إلى حد كبير في تغطية نفقات أسرته.

ويضيف المحمد لـ "اقتصاد" أن دخله ارتفع إلى نحو 2000 ليرة تركية، ومع ذلك لم يعد قادراً على تأمين متطلبات أسرته من الغذاء وباقي مفردات الحياة الأساسية، مشيراً إلى أن الأسعار تتغير بين لحظة وأخرى، بحجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية المستمر. 

ويتابع المحمد، أنه حتى عندما يتحسن سعر صرف الليرة التركية فإن التجار لا يخفضون الأسعار كما يجب، بسبب ضعف الرقابة على الأسواق، وعدم وجود قوانين رادعة وسلطات قادرة على تنفيذ هذه القوانين، على حد قوله.
 
بدوره أكد الصحفي السوري المقيم في الشمال السوري "حسن الأسعد"، مسألة ضعف الرقابة على الأسواق من جانب الجهات المعنية، مشيراً إلى أن أغلب المحلات التجارية، أغلقت أبوابها في اليوم التالي، بعد انخفاض سعر صرف الليرة التركية، من أكثر من 17 ليرة أمام الدولار إلى أقل من 12 ليرة، دون أن يحاسبها أحد.

وأضاف الأسعد لـ "اقتصاد" أن قرار التعامل بالليرة التركية في الشمال السوري لم يكن قراراً خاطئاً، كما يحاول البعض أن يقول اليوم، وإنما ضعف الإدارة هو من يتحمل المسؤولية الأكبر في ضبط الأوضاع الاقتصادية، مشيراً على وجه الخصوص إلى ضرورة وجود آليات تدرس نسبة العجز بين التضخم ومستوى الدخل ومحاولة ردمه بطرق صحيحة، بالإضافة إلى التدخل في الأسواق وإيجاد طريقة تسعير للمواد يلتزم بها الجميع، بينما على أرض الواقع، فإن الأمر متروك للفوضى وجشع التجار واستغلالهم، بحسب قوله.

من جهته، اعترف وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة السورية المؤقتة، الدكتور عبد الحكيم المصري، بعدم وجود رقابة على الأسعار في مناطق الشمال السوري المحرر، وإنما الرقابة على المواصفات والنوعية وبعض المخالفات كالاحتكار.

وأشار المصري في حديث خاص مع "اقتصاد" إلى صعوبة تحديد أسعار السلع، بسبب ارتفاعها المستمر، بالإضافة إلى أن الأسعار محررة وخاضعة للمنافسة، لكنه قال إن المواطن يستطيع تقديم شكوى إلى دوائر التموين المنتشرة في كافة مناطق شمال غربي سوريا، في حال كان هناك احتكار لسلعة معينة ، أو مخالفة من نوع ما، وهي مخولة باتخاذ كافة الإجراءات لمعالجة هذا الأمر.
 
وأضاف المصري أن الحكومة المؤقتة تقوم بمراقبة أسعار بعض المواد، التي تتدخل في تأمينها، كالخبز المدعوم على سبيل المثال، لافتاً إلى أنه تم تسعير الـ 600 غرام بليرة تركية واحدة، ولا يستطيع أي مخبز يتلقى الدعم أن يخالف هذه التسعيرة.

وأشار الوزير إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مناطق شمال غربي سوريا، ليست مرتبطة بقرار التعامل بالليرة التركية بدلاً من السورية، وإنما بالدخل المنخفض، منوهاً بأن الليرة السورية ليست أحسن حالاً، فهي الأخرى غير مستقرة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد نظام اقتصادي يحميها بالشكل الذي يحافظ على استقرارها بشكل دائم.
 
ولفت المصري، إلى أن المواد التي تدخل إلى مناطق شمال غربي سوريا، يتم استيرادها بالدولار، وسواء كان التعامل بالليرة التركية أو الليرة السورية، فإن التسعير سوف يكون وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق.

ترك تعليق

التعليق