دمشقيون يواجهون التضخم بأقسى أشكال التقشف المعيشي


تعلّم سكان دمشق، على مدار سنوات الحرب الطويلة الاعتماد على بدائل أرخص ثمناً من السلع والمواد الغذائية الغالية. لكن مع ارتفاع مستوى التضخم واستمرار تدني الواقع المعيشي، تمتنع نسبة كبيرة من السكان عن استخدام تلك البدائل بحثاً عن سلع جديدة أرخص منها، بحيث تناسب الانهيار المعيشي الجديد.

تشير ناديا، وهي سيدة مقيمة داخل دمشق، خلال حديث لـ "اقتصاد" إلى أن اعتماد أسرتها على لحم الدجاج خلال السنوات السابقة كان محدوداً، بسبب غلاء ثمنه. بينما كان البيض هو البديل المتاح عن اللحم بكافة أنواعه. 

لكن وفي ظل التدني المعيشي الراهن، لم يعد البيض متوفراً كما السابق على المائدة، وفقاً لناديا، التي تضيف أن البديل الجديد والأرخص عن البيض هو البرغل والعدس والحمص فهو يؤمن حاجة الجسم من البروتينات. ما يعني أن ناديا وأسرتها قد تحولت إلى نباتية (vegetarian).
 
لا يقتصر إيجاد البديل وفقاً لثمنه الأرخص، على الطعام، بل يشمل جميع الجوانب المعيشية والخدمية للسكان، مثل التدفئة، الملابس، الصحة، والتعليم. 

تعتمد ناريمان، وهي سيدة من دمشق، على سوق الملابس المستعملة (البالة) لكسوة أسرتها. ومع أن أولادها الكبار تعلموا قبل الثورة في مدراس خاصة، إلا أن إخوتهم الأصغر سناً والذين نشؤوا في العقد الماضي في ظل الحرب، دخلوا المدارس العامة لأن العائلة لم تعد تمتلك المال، كما في السابق، لدفع أقساط المدارس الخاصة.

 تقول ناريمان لـ "اقتصاد": "نعيش في تقشف في كل تفاصيل حياتنا. نبحث دائماً عن الأرخص. الدواء الأرخص. الطعام الأرخص. الملابس التي لا تكلف كثيراً من المال".

البحث عن البدائل لا يتوقف عند تغيير السلعة بأخرى أرخص ثمناً، بل يشمل أيضاً تجزئة السلعة ذاتها في حال كان ذلك متاحاً. لا تتذكر أسماء، وهي سيدة من دمشق، آخر مرة اشترت فيها دجاجة كاملة لكن "ذلك كان قبل سنوات" كما تؤكد لـ "اقتصاد".
 
فـ أسماء تعتمد على الأجزاء الرخيصة جداً من الدجاجة مثل الرقبة والقوانص. "يمكنني صنع يخنى لذيذة من القوانص. صينية البطاطا بالفروج تحولت إلى صينية رقاب مع البطاطا. وهكذا".
 
يلاحظ بحث "العيش في دمشق بعد عقد من الحرب" حدوث انخفاض كبير في استهلاك مادة البيض أحد المصادر الرخيصة للبروتينات الحيوانية، والتي كانت تعد البديل الأرخص عن لحم الدجاج،  لدى 49.5% من المستجيبين، حيث يعتبر البحث أن الانخفاض الكبير في استهلاكها ضمن مجتمع مدينة دمشق، خاصةً في ظلِّ انخفاض مستوى الإنتاج الزراعي من المحاصيل البقولية، يجعل هذا الأمر خطيراً على الصحة العامة للسكان وقد يكون أحد أسباب تفاقم أزمة الغذاء لدى كل الفئات العمرية وخاصةً الأطفال.

فيما يوضح البحث الصادر في حزيران/يونيو الفائت، عن مركز السياسات وبحوث العمليات، أن حجم التراجع في استهلاك الدجاج بين عامي 2018 و2020، أكبر من التراجع في استهلاك البيض. إذِ انخفض إجماليّ استهلاك مادة لحم الدجاج لدى 68.9% من السكان الذين شملتهم الدراسة الميدانية.

ترك تعليق

التعليق