المنطقة الآمنة في الجنوب السوري.. ما هي فرص إقامتها؟


الحديث عن إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري، ليس جديداً، فهو يعود إلى العام 2015، عندما بدأ خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" يتنامي في سوريا، وبدأت الأردن تعلن عن خشيتها من تسلل أفراد التنظيم إلى أراضيها، حيث أعلنت في حينها، وبعد قيام طائرات سلاح الجو الأردني باستهداف خلية للتنظيم في الجنوب السوري، بأنها سوف تبحث مع الدول الكبرى فكرة إنشاء منطقة عازلة وآمنة بعمق 20 كيلو متراً، لكنها اعترفت بصعوبة تمرير القرار في الأمم المتحدة، بسبب معارضة روسيا.

وفي عام 2016، تصاعد الحديث الأردني عن إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري، بعد أن قالت جهات مخابراتية، إن هناك تنسيقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل بشأن إنشاء مثل هذه المنطقة، بينما ظلت الشماعة الأردنية معلقة على إبعاد خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" عن حدودها.

في العام 2017، سربت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، اتفاقاً مبدئياً بين عمان وموسكو، يقضي بأن يحظى الجنوب السوري بما يشبه الإدارة المستقلة، بإشراف الدول الكبرى، لكن بشرط أن تكون إدارة معبر نصيب الحدودي بيد النظام. لكن الاتفاق فشل بسبب رفض فصائل الجيش الحر المسيطرة على الجنوب لهذا الأمر، والتي أصرت على أن تكون إدارة المعبر بيدها.

في ما بعد منتصف العام 2018، أعاد النظام السوري بسط سيطرته على كامل الجنوب السوري، ليتولى الجانب الروسي بعدها إدارة هذا الجنوب عسكرياً وأمنياً، وهو ما يشير إلى وجود اتفاق دولي على هذا الأمر، وبما يضمن أمن الحدود الأردنية.

ظلت الأوضاع على الحدود الأردنية السورية هادئة إلى ما قبل عدة أشهر، وبعد تورط موسكو في الحرب الأوكرانية، في شهر شباط من العام الحالي، حيث بدأت قبضتها على الجنوب السوري تضعف، لتحل محلها ميليشيات تابعة لإيران، والتي أخذت تزعج الأردن من خلال ما بات يعرف بـ "حرب المخدرات".

في هذه الأثناء، زادت الأردن من تحركاتها الدولية، والتي تمثلت بزيارة قام بها العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، إلى أمريكا، في شهر أيار الماضي، بالإضافة إلى التواصل مع أطراف دولية وعربية مؤثرة، مثيراً قضية أمن حدوده الشمالية مع سوريا، والتي باتت الميليشيات الإيرانية تسيطر عليها بشكل شبه كامل، بعد أن قامت بنشر عدد كبير من النقاط العسكرية على طول الحدود.

آخر ما تم تحريره بشأن المخاوف الأردنية تجاه تمدد إيران نحو حدوده، هو اقتراح أمريكي لتأسيس حلف عسكري عربي ــ إسرائيلي، على غرار حلف "الناتو"، لم يتم الكشف عن الكثير من تفاصيله وآلية عمله، بالإضافة إلى أن الأردن بدأ يزيد على هذا الاقتراح، من خلال طرح فكرة إنشاء منطقة آمنة بعمق 35 كيلو متر على طول حدوده مع سوريا، على أن تكون منطقة لها مزايا اقتصادية كاملة ومستقلة، تشرف عليها الأمم المتحدة، وقوات حلف "الناتو" العربية، التي سوف يتم تشكيلها.

الكثير من المراقبين يرون أن الأردن ترك وحيداً في مواجهة الخطر الإيراني الذي يقترب من حدوده، وأن ما يتم طرحه من فكرة تأسيس "ناتو" عربي، أو إقامة منطقة آمنة في الجنوب، ما هي إلا محاولة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لتخدير الأردن فقط، إلى حين أن تستكمل إيران سيطرتها على كامل الجنوب السوري، بينما من الصعوبة بمكان تحقيق مثل هذا "الناتو" أو حتى إقامة منطقة آمنة، بسبب معارضة روسيا بالمطلق لهذا الأمر، والتي لن تقف مكتوفة الأيدي.. على الأقل نكاية بأمريكا.

والبعض الآخر يرى أن الأردن يدفع اليوم ثمن موقفه المتذبذب من الثورة السورية، وأنه هو من لعب دوراً كبيراً في منع سقوط النظام السوري، عندما أوقف مد فصائل الجيش الحر بالسلاح، بدءاً من العام 2016.. بينما تقول مصادر أردنية مخابراتية، بأنها كانت تعمل بتوجيه من الدول الكبرى وبالذات أمريكا، وأن هذه الأخيرة هي من طلبت وقف تدفق السلاح إلى فصائل الثوار في الجنوب السوري، وإلى الفصائل العسكرية التي كانت تسيطر على ريف دمشق.

وعلى صعيد متصل، تشير تقارير إعلامية إلى أن النقاط العسكرية التي تشكلها إيران على طول الحدود مع الأردن، تقوم على مرأى من قاعدة التنف العسكرية الأمريكية، بل إن البعض يؤكد، أن هذه النقاط باتت على مقربة من هذه القاعدة ومحيطة بها، بينما لا تفعل أمريكا أي شيء لمنع إقامتها، ما يشير بحسب محللين، إلى أن ما يجري من تمدد إيراني في الجنوب، إنما يتم برضا أمريكي وغض طرف منه، لافتين في الوقت نفسه، إلى أنه يجب أن لا نستغرب أن تعلن أمريكا وبشكل مفاجئ إغلاق قاعدة التنف والرحيل عن الأراضي السورية، وترك الأردن لمصيره.

من هنا، يمكن القول، إن ما يتم ترويجه على الإعلام، عن عزم الأردن على إقامة منطقة آمنة في الجنوب السوري بعمق 35 كيلو متر، والحديث عن مزايا اقتصادية سوف تتمتع بها هذه المنطقة، وأن الأمر يجري بتنسيق مع دول كبرى، وموافقة إسرائيلية، ما هو إلا تعبير عن تخبط أردني واضح، وإحساس بأنه سوف يترك وحيداً في هذه المواجهة غير المتكافئة مع إيران.. لذلك يسعى لمقاومة الوجود الإيراني المتنامي على حدوده، بالأمنيات وبأفكار غير قابلة للتطبيق.. فلازالت السعودية حتى اليوم لم تحصل على ملكية تيران وصنافير، رغم التنازل المصري عنهما منذ العام 2018، بسبب عدم موافقة الأمم المتحدة لهذا التغيير الجغرافي، وكذلك عدم موافقة إسرائيل.. فهل يريد الأردن أن يوافق المجتمع الدولي على إنشاء منطقة عازلة في الجنوب وبهذه السهولة..؟!

ترك تعليق

التعليق