ما الذي يحدث في جمارك النظام..؟


أخبار كثيرة تم تداولها خلال الأيام الماضية، على وسائل إعلام النظام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتحدث عن تحويل المديرية العامة للجمارك إلى هيئة عامة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء بدل وزارة المالية، وأثر ذلك التغيير على طبيعة عمل هذه المؤسسة، من حيث مهامها وصلاحياتها، وأخيراً مصير الكادر العامل فيها، والذي يبلغ آلاف الموظفين.

والثابت حتى الآن من كل هذه الأخبار، أن النظام بصدد إصدار قانون جديد للجمارك، يقضي بالفعل بتحويل المديرية العامة للجمارك إلى هيئة عامة مستقلة مالياً، ويبدو أن هناك نزاع على صلاحياتها.. هل يقتصر عملها على الحدود البرية والبحرية، أم أنه يحق لها الدخول إلى المدن والأرياف والتجول في شوارعها..؟

أما بخصوص ما يتم الحديث عنه، عن تحويل آلاف الضباط العاملين في الجمارك إلى ملاك وزارة الدفاع، بدل وزارة المالية، فهو عبارة عن اقتراح متضمن في القانون الجديد، ولم يتم إقراره بشكل نهائي، بسبب الاعتراض عليه من قبل العديد من اللجان المسؤولة عن تقييم القانون، على اعتبار أن شروط وظروف الخدمة المدنية تختلف عن الخدمة العسكرية..

لكن ما لم يتم مناقشته باستفاضة في هذه الأخبار، هو سبب هذا الانقلاب في عمل الجمارك ودوافعه، فضلاً عن توقيته الذي يتزامن مع أحاديث كثيرة عن نية النظام محاربة الفساد والتهريب، الذي يتسبب بدمار الاقتصاد الوطني، ويؤدي إلى حالة الفلتان الموجودة حالياً في الأسواق.. فهل تحويل الجمارك إلى هيئة عامة، يفي بالغرض الذي يعلن عنه النظام، أم أنه تقنين للفساد وتجميعه بيد حفنة قليلة من المتنفذين، بحسب ما يرى العديد من المراقبين..؟

لا شك أن تحويل الجمارك إلى هيئة عامة، سوف يحولها إلى مؤسسة اقتصادية همها الربح بالدرجة الأولى، وتقديم عوائد مادية للخزينة العامة للدولة، لكن ذلك سوف يكون بكل تأكيد على حساب صلاحياتها.. ومن يقرأ مواد القانون المقترحة، سوف يجد أن الجمارك بصيغتها الجديدة، سوف ينحسر عملها في المراكز الحدودية فقط، بينما يحق لها إنشاء أسواق حرة في المنطقة الحدودية التي تريد، في إشارة إلى قدرتها على بيع الممنوعات التي تقبض عليها، وتقاسم جزء من أرباحها مع الموظفين، أو حتى استيراد بضائع وبيعها ضمن هذه الأسواق.

الأمر الآخر الذي لفت انتباه المراقبين، هو الجهة التي ستحل مكان الجمارك في ملاحقة المهربات في الأسواق أو على الطرقات العامة التي تقصد المدن والأرياف.. فهذه النقطة غير واضحة في القانون وتحيل الأمر لوزارة التجارة الداخلية، ومديرية حماية المستهلك، التي تستطيع التعامل مع هذه المهربات على أنها مواد ضارة بصحة المستهلك، كونها لا تتضمن إذن دخول نظامي، ومخالفة للمواصفات، وبالتالي يمكن مصادرتها وتنظيم الضبوط التموينية بحقها، ومخالفة أصحابها..

غير أن وزارة التجارة الداخلية، أعلنت سلفاً أنها غير قادرة على القيام بهذه المهمة، وهي خارج حدود إمكانياتها البشرية، فضلاً عن أن الأمر خارج نطاق صلاحياتها، والأمر يقتضي تغيير قانون حماية المستهلك أولاً..

وهنا يرى البعض، أن الجهة التي سوف تحل مكان الجمارك في مراقبة الطرق العامة والأسواق، هي الفرقة الرابعة التي تتبع لشقيق رئيس النظام السوري، ماهر الأسد.. فهي بحسب قولهم، تقوم بهذا الدور حالياً من خلال حواجزها الكثيرة المنتشرة على الطرقات وفي مداخل المدن، وتعمل على فرض الإتاوات على عمليات نقل البضائع بين المحافظات السورية، بينما بعد سحب الجمارك من هذه المهمة، فسوف تصبح الساحة خالية أمامها، ودون منافس من أي جهة حكومية.

أي أن النظام لا يريد مكافحة التهريب أو محاربة الفساد، وإنما ضبط عوائده وحصرها بيد فئة قليلة تابعة له، وبما يزيد من العوائد المالية التي يحصل عليها..

باختصار: ما يحدث في الجمارك، وفقاً للعديد من المتابعين، هو المزيد من السرقة للشعب السوري، وإحكام السيطرة على رقبته، والإمعان في إفقاره وإذلاله..

ترك تعليق

التعليق