موسم "هجيج" السوريين من تركيا


قبل نحو عام، وفي مثل هذه الأيام بالضبط، كنت في زيارة إلى تركيا، ولاحظت بأم عيني بداية تدهور العلاقة بين المهاجرين السوريين وأنصارهم الأتراك، وذلك بفعل تزايد خطاب المعارضة التركية العنصري، وما يقابله من ردود أفعال للسوريين، الذين انطلت عليهم لعبة المهاجرين، فظنوا أنفسهم وكأنهم في بلدهم أو أعز..

في الحقيقة، السوريون في تركيا ليس لديهم إحساس أنهم يعيشون في بلد أجنبي وغريب، وهو أيضاً شعور ينتاب كل سوري يزور تركيا قادماً من خارجها.. فإلى هذا الحد البلد أليفة، وعلى الفور سوف تجد فيها ما يشبهك ويشبه محيطك الذي نشأت فيه وتعودت عليه، وسرعان ما ستسكنك منذ اللحظات الأولى..

عندما زرت مدينة غازي عنتاب، قلت للكثيرين أشعر وكأنني في مدينة حلب.. كانت أصوات المنادين في البازارات والباعة الجوالين في الشوارع، هي ذاتها في حلب لكن بلغة أخرى.. حتى الأعراس الشعبية وطريقة الغناء والرقص والطعام والأسواق وكل شيء تقريباً.. وكأن المدينة انقسمت إلى نصفين بلغتين مختلفتين.

كان هذا التشابه الذي سيقع عليه السوريون في المدن التي اختاروا الإقامة فيها بتركيا، أحد أسباب إحساسهم بالاستقرار الدائم.. فالكثير منهم بدأ يعلن أنه حتى لو استقرت الأوضاع في سوريا، فلن يعود إليها.. وللأمانة فإن الفرق شاسع، بين سوريا حتى قبل العام 2011، وبين تركيا.. فلا وجه للمقارنة هنا بين دولة أمنية مخابراتية ينهشها الفساد والتسلط، وبين دولة قطعت أشواطاً واسعة في تحديث أنظمتها الإدارية والحكومية والصحية والاقتصادية والخدمية.. أقلها في تركيا، لن يقول لك أحد: "ما بتعرف مع مين عم بتحكي ولاك..؟".

لكن كل ذلك، انقلب فجأة إلى جحيم منذ منتصف العام الماضي تقريباً، بالتزامن مع تراجع الوضع الاقتصادي في البلد، بفعل انهيار سعر صرف الليرة التركية، بالإضافة إلى قرب الانتخابات الرئاسية، التي لم تجد أحزاب المعارضة من ورقة تستخدمها ضد الحزب الحاكم فيها، سوى ورقة اللاجئين السوريين.. فتحول الاستقرار إلى قلق دائم..

أصعب ما يمكن أن يواجهه أي مجتمع لاجئ في دولة أخرى، هو العنصرية المصحوبة بالعنف المادي.. والمجتمع السوري أساساً غادر بلده بفعل العنف.. لذلك هي وصفة مجربة إذا ما أردت أن تدفع مجتمعاً لكي يهاجر بأي ثمن وتحت أي ظرف.. عندها لا تعود تشعر بأن البيت بيتك ولا البلد بلدك، حتى لو كانا كذلك بالفعل..

في العام الماضي عندما زرت تركيا، قلت لأحد الأصدقاء هناك: أخشى على السوريين من "الزعران" الأتراك، فقد يتم استخدامهم لدفع السوريين إلى مغادرة البلد.. بالأمس اتصل بي ذات الصديق ليذكرني بمقولتي تلك ويخبرني بأن خشيتي تحولت إلى واقع.. لكنه أبدى استغرابه أن يكون لدى الأتراك كل هذا العدد من الزعران، والأهم أنهم باتوا يتواجدون في كل مكان، المدارس والجامعات والمؤسسات الصحية والخدمية والأسواق وغيرها..!

ترك تعليق

التعليق