سوريا مفيدة.. خالية من السوريين "المفيدين"


يقولون لك، أينما مشيت اليوم في شوارع المدن والأرياف السورية التي تخضع لسيطرة النظام، سوف تقرأ بكثرة لافتات مكتوب عليها، عقارات وأراض ومحال تجارية للبيع، والأكثر غرابة ظاهرة عرض القبور للبيع في دمشق، حيث يعتبر القبر في هذه المدينة ثروة تؤمن لصاحبها مبلغاً محترماً من المال.

عرض الممتلكات للبيع هو ردة فعل وانعكاس حقيقي لواقع الحال في سوريا اليوم.. فالحياة لم تعد تطاق في ظل واقع معيشي وأمني مرير، مع فقدان الأمل بالخلاص منه في المدى المنظور، بل إن كل الدلائل تشير إلى أن هذا الواقع سوف يظل مستمراً إلى ما لا نهاية، مادام رأس النظام السوري ممسكاً بتلابيب السلطة ويرفض التزحزح قيد أنملة عن سلوكه الذي ثار السوريون من أجل تغييره.

وهناك من يرى أن ما يحدث في سوريا ليس سببه نقص الموارد الكافية لتأمين احتياجات الناس المعاشية، وإنما يتقصد النظام السوري إذلال الشعب السوري على هذا النحو، وتحويله إلى شعب فقير لا يملك أي شيء، من أجل أن يدرك مدى النعمة التي كان يعيش فيها قبل الثورة عليه..

فلو أخذنا على سبيل المثال واقع المحروقات، فإن إيران تزوده يومياً بـ 100 ألف برميل من النفط، وهناك إنتاج محلي بمقدار 10 آلاف برميل يومياً، مع كميات يحصل عليها من "قسد" التي تسيطر على حقول الجزيرة، بمقدار أكثر من 30 ألف برميل يومياً.. أي أن المجموع يبلغ نحو 150 ألف برميل نفط يومياً.. وهي كمية يقول النظام إنها لا تكفي لتغطية حاجة السوق المحلية، وبالتالي يقوم بتوزيع المازوت والبنزين على السوريين بالقطارة.

لكن لو قارنا هذه الأرقام مع أرقام قبل العام 2011، ومجموع السكان، سوف نكتشف أن هذه الكمية تزيد كثيراً عن حاجة السوريين، بل وقادرة على تشغيل كافة محطات توليد الكهرباء، دون الحاجة سوى لساعات تقنين محدودة، لا تتجاوز الساعتين في اليوم، إلا أن ما يحدث هو العكس.

وبحسبة بسيطة، كان إنتاج سوريا من النفط قبل العام 2011، نحو 350 ألف برميل يومياً، مع 24 مليون متر مكعب من الغاز، وعدد السكان نحو 20 مليون نسمة.. كان الاستهلاك المحلي يقدر بـ 200 ألف برميل يومياً، ويصدر الباقي للخارج..

اليوم لو حسبنا عدد السكان الذين يعيشون تحت سيطرة النظام، فالبكاد يصل الرقم إلى 10 مليون نسمة، على اعتبار أن مناطق شمال غرب وشمال شرق سوريا كلها خارج سلطته، وتتكفل هي بنفسها بتأمين مواردها النفطية، وهي منطقة تحوي كتلة سكانية تصل إلى أكثر من 8 مليون نسمة، وهناك ما يعادل هذا الرقم ويزيد يعيشون خارج سوريا.. فكيف إذاً 150 ألف برميل نفط يومياً، لم تعد تكفي حاجة 10 مليون نسمة، وفي السابق كان 200 ألف برميل يومياً يغطي حاجة أكثر من 20 مليون نسمة..؟!

وما ينطبق على المحروقات يمكن سحبه على الكثير من الموارد التي بدأ النظام يعلن بأنها لم تعد كافية لتأمين احتياجات السكان، ومنها القمح على سبيل المثال، التي يقدم النظام أرقاماً غير حقيقية عن واقع الاستهلاك اليومي لها، من أجل تبرير تجويعه للسوريين.

خلاصة الحديث، إن النظام السوري يريد أن يؤدب السوريين ويجلعهم يرون نجوم الظهر كما يقول المثل، ومن ثم يدفع أكبر عدد منهم للهجرة من البلد، من أجل أن يصل إلى سوريا المفيدة التي سبق وتحدث عنها بشار الأسد.. وكان على الأغلب يقصد سوريا خالية من السوريين المفيدين.. أو بصورة أدق، يريد أن يحكم عبيداً وليس شعباً حراً وكريماً.

ترك تعليق

التعليق