اقتصاديات.. الجري خلف أجهزة الـ جي بي إس


من يتابع إعلام النظام، يعتقد أن وضع اقتصاد البلد كله مرهون بنجاح خطة تركيب أجهزة الـ جي بي إس على وسائط النقل، حيث يومياً هناك أخبار تتحدث عن إلقاء القبض على أحد السرافيس، الذي قام بتركيب أربعة أو خمسة أجهزة على مركبته، تعود لآخرين، من أجل الاستفادة من حصتهم من المحروقات الموزعة على البطاقة الذكية، عبر بيعها في السوق السوداء، وتحقيق أرباح من خلالها، تفوق تلك التي يمكن أن يحصل عليها فيما لو عمل صاحب المركبة طوال اليوم في نقل الركاب على الخط المخصص له.

التفاؤل قاد إحدى وسائل الإعلام الرسمية، لحساب كمية الوفر في المحروقات التي سوف تعود بالفائدة على خزينة الدولة، بعد الانتهاء من تركيب أجهزة الـ جي بي إس على السرافيس في جميع المحافظات، إذ قدرتها هذه الوسيلة بأكثر من 700 مليار ليرة سنوياً، وهو مبلغ يعادل أقل من 135 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء في الفترة الحالية.

من وجهة نظر الصحيفة ذاتها أن هذا المبلغ يستحق الجري خلف السرافيس وملاحقة فسادها، لأنه مبلغ يشكل عائداً مهماً لخزينة الدولة، وهو يفوق قيمة أي نشاط اقتصادي يمكن أن تقوم به الدولة وتسعى من خلاله لتحقيق أرباح.

وعلى جانب آخر، لا يمكن إغفال أن إلزام أصحاب السرافيس بتركيب أجهزة الـ جي بي إس على مركباتهم، وعلى نفقتهم الخاصة، أضر كثيراً بعمل هؤلاء وتسبب بخسائر كبيرة لهم، أبرزها في قيم مركباتهم التي انخفضت إلى نحو النصف، إذ أكدت العديد من المصادر أن ثمن السرفيس اليوم انخفض إلى نحو 60 مليون ليرة بعد أن وصل في الفترة الماضية إلى أكثر من 110 مليون ليرة، ناهيك عن أجور النقل المنخفضة قياساً بتكاليف التشغيل والتي لم تعد تتناسب مع الواقع الجديد، المتمثل بتزويدهم بالمحروقات وفقاً للمسافات التي يقطعونها على خطوطهم الرسمية التي يعملون عليها.

لنتخيل الأمر من منظور آخر، إذا أراد صاحب السرفيس اليوم تحريك مركبته خارج الخط الذي يعمل عليه، حتى لو اضطر لإسعاف أحد أفراد العائلة إلى المستشفى، فهو مضطر لدفع ثمن المحروقات وفقاً لأسعار السوق السوداء.. أي أكثر من 6 آلاف ليرة للتر، فيما يبلغ سعره على البطاقة الذكية 500 ليرة فقط، وبالسعر الحر 2500 ليرة، لكنه غير متوفر باستمرار، بالإضافة إلى أن الكميات التي يمكن أن يحصل عليها بهذا السعر، محدودة جداً..

هذا يشير إلى أحد احتمالين، إما أن أصحاب هذه السرافيس سوف يتوقفون عن العمل في الفترة القادمة ويبيعون مركباتهم ويبحثون عن مهنة أخرى، أو أن يعمد النظام لرفع تعرفة الركوب، بنسبة كبيرة تفوق النصف، وفي هذه الحالة فإن المتضرر الأكبر سوف يكون المواطن، والذي سوف يدفع ثمن هذا النزاع بين أصحاب السرافيس والدولة، باعتباره الحلقة الأضعف..

ومما لاشك فيه أن النظام غير مهيأ حالياً للاحتمال الأول، لأنه لا يملك البدائل لتغطية الخطوط، وبالتالي فقد يلجأ إلى الاحتمال الثاني.. وهو ما كشف عنه أحد المسؤولين، بأن هناك دراسة بالفعل لرفع تعرفة الركوب بنحو 50 بالمئة، قد تظهر للعلن قريباً، فيما أكدت بعض المصادر الإعلامية أن الدراسة تشمل أيضاً رفع أسعار المازوت المخصص للسرافيس إلى أكثر من 1000 ليرة للتر.

ترك تعليق

التعليق