الليرة السورية على أعتاب عام جديد


خالفت الليرة السورية كل التوقعات المرسومة لها حتى نهاية العام الجاري، بعد أن سجلت هبوطاً هو الأكبر والأصعب في تاريخها، عندما فقدت خلال شهر واحد، وهو كانون الأول الجاري، أكثر من 25 بالمئة من قيمتها، من نحو 5700 ليرة إلى أكثر من 7 آلاف ليرة للدولار الواحد، ضمن سلسلة هبوط دراماتيكي، كان سعر صرف الليرة خلالها يتغير بين ساعة وأخرى.

وإذا كان البعض يحاول أن يعزو الهبوط العام لليرة السورية خلال العام 2022، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 شباط الماضي، إلا أن البعض يرى أن ما أصاب الليرة بعد تلك الحرب، لم يكن ناتجاً عنها بالذات، وإنما بسبب تعافي الدولار الذي سجل ارتفاعات كبيرة على حساب جميع العملات ومنها الليرة السورية، وذلك بعد أن قام المركزي الأمريكي برفع سعر الفائدة على الودائع عدة مرات، خلال محاولته محاربة تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي.

وبالعودة إلى تلك الحرب، فقد كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، تحت حاجز الـ 4 آلاف ليرة، وحتى بعد كسرها لهذا الحاجز، ظلت حتى مطلع شهر تشرين الأول دون رقم الـ 5 آلاف ليرة، ثم قطعت هذا المستوى بعد منتصف الشهر ذاته، لتمضي شهر تشرين الثاني كله ضمن مستوى يراوح بين 5300 ليرة إلى 5700 ليرة.

الكثيرون يعزون أسباب الهبوط المدوي لليرة السورية خلال شهر كانون الأول، إلى انكشاف الاقتصاد السوري على أزمات خانقة، لم يعد بوسع النظام إخفائها، والتي تمثلت بأزمة تأمين المحروقات، بالإضافة إلى اعترافه بعدم وجود عملة صعبة كافية لتأمين مستوردات البلد من المواد الأساسية، وهو ما تسبب بهالة هلع عام، أدت إلى قيام الكثير من أصحاب المدخرات والتجار الخائفين، بتحويل ليراتهم إلى عملات صعبة أو إلى ذهب، والنتيجة كانت أن الليرة السورية بدأ يتغير سعرها بالساعات، ضمن سياسة العرض والطلب، التي تفوقت فيها الثانية على الأولى.

أمام هذا الواقع، يبدو للمراقب أنه من الصعب التنبؤ بمستقبل الليرة السورية مع مطلع العام الجديد، لأن البلد تعيش حالة فوضى كبيرة، مع غياب أركان الحكومة عن ساحة التطمينات، كما جرت العادة، وانسحابهم إلى مستوى إدارة الأزمة في حدودها الدنيا، وسط ارتفاع كبير للأسعار وغياب أبسط متطلبات الحياة المعاشية.

لكن من جهة ثانية يمكن القول إن الاقتصاد السوري في الفترة الراهنة، يسيطر عليه اقتصاد التهريب والسوق السوداء، حيث يؤكد الكثير من السوريين وفي جميع المحافظات تقريباً، أنه على الرغم من أن المحروقات غير متوفرة في محطات الوقود، لكنك تستطيع أن تشتري آلاف الليترات من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وبمنتهى السهولة.. وما ينطبق على المحروقات، ينسحب على كافة المواد المفقودة أو المقننة كما يسميها النظام.

هذا الأمر يشير إلى أن السوق السوداء هي التي تستنزف الاقتصاد السوري اليوم، وتتسبب بانهيار الليرة السورية، وذلك نظراً لحاجة المهربين للدولار على حساب الليرة، من أجل الاستمرار في تغذية الأسواق وتحقيق الأرباح الكبيرة.

إذاً، نحن أمام اقتصاد غير مسيطر عليه من قبل الدولة، أو بالأحرى لا تستطيع السيطرة عليه نتيجة عجزها على كافة المستويات، وهو ما يعني أن مستقبل الليرة خلال العام القادم، سوف يستمر بنفس المستوى من السوء، وصولاً إلى انهيارها المدوي، وبشكل يشبه ما حصل للعملة اللبنانية.

البعض من المراقبين، يحاول أن يقرأ المتغيرات السياسية، على صعيد التقارب التركي مع النظام، على أنه قد يعود بالفائدة على الاقتصاد السوري، ويؤدي إلى تعافيه خلال العام القادم، غير أن هذه القراءة تتجاهل بأن الاقتصاد التركي بحد ذاته يعاني من الكثير من الأزمات والأمراض، وبالتالي في حال حدوث أي انفراجة في العلاقات بين البلدين، فلن تكون الفائدة كبيرة على المستوى الاقتصادي، ولن تؤدي إلى التغيرات المرجوة من قبل جمهور النظام.

هناك قاعدة اقتصادية تقول: إن المرض الاقتصادي أكثر ما يظهر في العملة، وتعافيه أول ما يظهر من خلال البنوك، فإذا كانت هذه الأخيرة بخير فإن الاقتصاد بخير.. ومن خلال تطبيق هذه القاعدة على سوريا، فسوف نعرف كم أن اقتصادها مريض، وكم أنه ليس بخير..!

ترك تعليق

التعليق