أفصحت عن خسائر تتخطى 6.3 مليارات دولار... وزارة النفط تطبق شعار "كلنا شركاء"!

ربما لا تنطبق عبارة على واقع قطاع الطاقة في سوريا أكثر من عبارة "السر المعلن"، فـ"المعلن" هو المعاين والمعروف لدى سواد السوريين من شح خطير أطبق على مختلف أنواع الطاقة (كهرباء،غاز، ديزل...) مجتمعة، وأما "السر" فهو حجم الخسائر الحقيقية التي أصابت وتصيب هذا القطاع، وانعكاسات هذه الخسائر على تدهور مجمل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، وهو "سر" لا تستطيع أي جهة أن تدعي الإحاطة بكامل أبعاده، حتى ولو كانت تمتلك قدرا مهماً من الإحصاءات والأرقام، كما هو حال وزارة النفط والثروة المعدنية.

وتشير آخر تقديرات وزارة النفط السورية إلى خسائر تخطت 6.3 مليارات دولار خلال ما مضى من عمر الأزمة، نجم القدر الأعظم منها عن تعطل أو تأخر إنتاج النفط، فيما بقي حجم الأضرار التي لحقت بالمباني والآليات والخطوط متواضعا نوعا ما، حيث لم يتجاوز 133 مليون دولار، دون أن تبين الوزارة ما إذا كانت الخسائر المفصح عنها مؤخرا تتضمن الـ4 مليارات دولار، التي قالت سوريا إنها لحقت بقطاعها النفطي جراء العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة منذ أيلول/ سبتمبر 2011، كما صرح بذلك وزير النفط السابق سفيان علاو، قبل سبعة أشهر تقريبا.

ويأتي هذا الإفصاح الأخير، في ظل نقص حاد يكتنف سوق المشتقات النفطية، لاسيما المازوت (الديزل)، حيث لا حديث يسبق جملة "عبيت مازوت"، لاسيما في المناطق الساخنة بأحداثها الباردة بأجوائها، فيما كادت مفردة الغاز تغيب عن قاموس معظم السوريين. 

وليست الكهرباء أفضل حالا، حيث تعاني عجزا يقدر بـ4 آلاف ميغاواط يوميا، هي الفارق بين إجمالي الطاقة المولدة (5500 ميغاواط) والحاجة الفعلية (9500 ميغاواط)، بحسب ما عرضته صحيفة رسمية سورية.
وأصبحت 3 آلاف ميغاواط خارج الخدمة منذ نحو عام، وهو ما تعزوه وزارة الكهرباء السورية إلى نقص في كميات الفيول والغاز اللازمة لتشغيل عنفات التوليد؛ عطفا على تعذر نقل المادتين من مناطق الانتاج إلى محطات التوليد.

وتعيش عموم المحافظات السورية حالة من التقنين العبثي، ففضلا عن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، فإن الانقطاع عشوائي وغير محكوم بأي برنامج في كثير من المناطق، ناهيك عن مدن وبلدات وأحياء هجرها التيار منذ أشهر أو أسابيع.

إن الأرقام التي تم استعراض بعضها أعلاه، تكشف أن قطاع الطاقة في سوريا وبالأخص إنتاج النفط، أصيب بخسائر ربما تعد الأكثر كارثية في تاريخ الدول المنتجة، قياسا إلى القدرة الإنتاجية المتواضعة نوعا ما، وإلى تحول النفط من رافد لواردات الخزينة إلى عبء ثقيل على مصروفاتها، في وقت من أحلك أوقات البلاد.
وتزداد سوداوية المشهد، إذا علمنا أن أرقام الخسائر تبقى تقديرية، باعتراف وزارة النفط نفسها، وأن رقم الأضرار بالذات قابل للتضخم؛ حيث إن هناك مناطق ما تزال تنتظر ورود تقارير حصر الضرر الذي لحق بها، كما إن تقييمها بـ133 مليون دولار، فيه مجانبة للواقع، حيث تم التقييم على أساس كلفة تلك المواد والآليات وقت شرائها، لا بالأسعار الرائجة حاليا.

لعقود مضت، بقي النفط في سوريا -بإنتاجه وعائداته- أشبه بشبكة ألغاز، بل بحقل ألغام، يمنع الاقتراب منه بتاتا، ولم تعرف الشفافية إليه طريقا، إلا عندما قررت السلطات قبل سنوات أن تدندن على وتر تراجع الإنتاج، لتبرر قطع الدعم عن المحروقات ورفع أسعاره، كما يردد مراقبون ومهتمون، وهم يتساءلون باستهجان عن تلك الشفافية التي هبطت على وزارة النفط فجأة؛ لتطرح ملف الخسائر والأضرار على الملأ، كما فعلت مؤخرا عبر جريدة "الثورة" الحكومية، وكأن الوزارة ومن وراءها يريدون إقناع السوريين بتطبيق شعار "كلنا شركاء".. ولكن في الخسارة والهم فقط!

ترك تعليق

التعليق