مؤتمر مانحي الكويت: 1.5 مليار دولار لـ3.7 مليون لاجئ ونازح سوري

519 مليون دولار للداخل و870 مليون دولار للأردن ولبنان

226 دولاراً حصة النازح و1500 دولار لكل لاجئ في الأردن ولبنان

حصة اللاجئ في الأردن ولبنان سبعة أضعاف النازح في الداخل

المعارضة تحتج على توزيع التبرعات عبر منظمات مخلوف وأسماء الأسد

يمكن القول اليوم، بعد اختتام أعمال مؤتمر المانحين لمساعدة السوريين المتضررين داخل البلاد وفي دول الجوار، الذي انعقد في الكويت مؤخراً، أن الجزء السهل من العمل قد تحقق، فقد حصّلت الأمم المتحدة، الطرف الذي سيتسلم المبالغ المتبرع بها، ما يفوق 1.5 مليار دولار أمريكي"نظرياً"، وما يتجاوز 900 مليون دولار "عملياً"، معظمها من دول الخليج.

لكن، وبعيداً عن الجدل الدائر حول الأبعاد السياسية والمعنوية لفكرة مؤتمر المانحين في الكويت وحصيلته المالية، يبقى البعد الاقتصادي – الإنساني، وأثره الفعلي على مأساة السوريين المتضررين من الصراع المسلح الدائر في بلادهم، القضية الأكثر إثارة للجدل، والجانب الأكثر حاجة للتدقيق.

نظرياً...حصيلة نصيب الفرد السوري من التعهدات المعلنة

في آخر إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة، سجّلت الأخيرة تجاوز عدد اللاجئين السوريين في دول المنطقة 712 ألف فرد، مع توقعات بتجاوزهم عتبة المليون في حزيران / يونيو القادم.

كما سجّلت منسقة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة ثلاثة ملايين سوري نازح داخل الأراضي السورية، أكثر من مليونين منهم يحتاجون إلى مساعدات أساسية عاجلة.

وهكذا نجد أن حصيلة السوريين "المتضررين" من النزاع المسلح في بلادهم بصورة مباشرة، حسب تعبيرات الأمم المتحدة، تقارب 3.7 مليون سوري، فلو اعتمدنا هذا الرقم وأجرينا حسابات أوليّة –نظرية دون شك- حول حصيلة نصيب الفرد السوري "المتضرر" من المنح المالية المقدمة في المؤتمر المذكور –هذا إذا تم تحصيلها كاملة والتزمت جميع الأطراف بتعهداتها فيها- فإننا سنجد أن حصة الفرد السوري الواحد تقدّر بـ 405 دولارات تقريباً، وهو رقم قد يكون مناسباً إذا وصّف باعتباره تلبية عاجلة لحاجات أساسية أولية يفتقدها السوريون المتضررون جراء الأحداث في بلادهم، ولكنه لا يتجاوز تعبيراً عن مساعدة آنية لا تغطي حاجات الفرد السوري إلا لبضعة أشهر لا أكثر، ولا يُعتقد أنها قد تشكّل بالنسبة له رافعة مالية مُجدية لتجاوز مأساته بصورة نهائية.

لكن هل حقاً سيحصل الفرد السوري المتضرر على 405 دولار؟

خارطة التوزيعات الأولية

 طلب الرئيس اللبناني 370 مليون دولار كمساعدة عاجلة لبلاده لدعم ميزانيتها في معالجة أزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين فيها، فيما كان المسؤولون الأردنيون قد ألمحوا قبيل المؤتمر إلى حاجة بلادهم العاجلة إلى 500 مليون دولار لدعم جهود الدولة الأردنية في توسعة مخيمات اللاجئين السوريين وتوفير الحاجات الأساسية لهم، وكانت جهات رسمية تركية قد تحدثت عن تكلفة مالية تجاوزت 330 مليون دولار تكلفتها تركيا لإيواء اللاجئين السوريين.

وهكذا لو احتسبنا المبالغ والتكاليف التي أعلنتها بعض الدول التي تستضيف لاجئين سوريين نجد أن المبلغ يتجاوز 1.2 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن تركيا لم تطلب رسمياً مساعدات مالية بخصوص إيواء اللاجئين السوريين، كما أن مصر والعراق، البلدان اللذان يستضيفان أيضاً عدداً ملحوظاً من اللاجئين السوريين، لم يعلنا أية تكاليف مالية رسمية، لكن مسؤولين مصريين ألمحوا إلى تجاوز عدد اللاجئين السوريين في مصر 100 ألف رغم أن عدد المسجلين رسمياً في مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة يقدر بنحو 14 ألف مواطن سوري فقط.

ويبقى الأردن ولبنان البلدان اللذان طلبا بصورة مباشرة مساعدات مالية عاجلة، تقدّر بمجموعها بحوالي 870 مليون دولار، أي ما يقارب كامل المبلغ المجموع فعلياً حتى الآن من التعهدات المعلنة.

لكن في المقابل، فإن الأمم المتحدة أشارت إلى أنها ستخصّص مبلغ 519 مليون دولار من الأموال للمناطق الأكثر تأثراً بالنزاع في الداخل السوري.

وهكذا يمكن رسم خارطة توزيع أولية للتعهدات المالية المعلنة في مؤتمر الكويت، فبإهمال تركيا والعراق ومصر، نجد أن 519 مليون دولار ستخصّص للداخل السوري، و870 مليون دولار لكل من لبنان والأردن، أي 1.389 مليار دولار.

حصيلة نصيب الفرد السوري من التعهدات المعلنة حسب مكان التوزيع

إذاً، فقد أعلنت الأمم المتحدة أنها ستخصص مساعدة عاجلة تقدّر بـ 519 مليون دولار للداخل السوري، وحسب أرقام المنظمة الدولية فإن هناك 2.3 مليون نازح داخل الأراضي السورية بحاجة لمساعدات عاجلة، مما يعني أن نصيب الفرد السوري "المتضرر" في الداخل السوري من المنح المعلنة في مؤتمر الكويت يقدّر تقريباً بـ 226 دولاراً للفرد، نظرياً، وهو رقم مقبول لتغطية حاجات أولية في حال أُحسن توزيع المساعدات، وهي قضية أخرى مثيرة للجدل، سنناقشها في حيز لاحق من مادتنا.

لننتقل إلى نصيب الفرد السوري من هذه المنح في كل من لبنان والأردن:

ففي لبنان الذي طلب رئيسه 370 مليون دولار عاجلة، يقدّر عدد اللاجئين السوريين والفلسطينيين من سوريا، حسب مفوضية شؤون اللاجئين، بأكثر من 226 ألف سوري (وفلسطيني من سوريا)، تكون حصة الفرد منها –نظرياً- حوالي 1638 دولار.

أما الأردن الذي طلب حوالي 500 مليون دولار، يقدّر عدد اللاجئين السوريين فيه، حسب المصادر الرسمية الأردنية، ما يتجاوز 317 ألف لاجئ، يقدّر نصيب الفرد منهم –نظرياً- بـ 1578 دولار تقريباً.

وهنا يمكن أن نلاحظ الفارق الهائل بين تكلفة حاجات اللاجئ السوري في لبنان والأردن، حسبما تطلب حكومتا هاتين الدولتين، وبين تكلفة حاجات النازح السوري في الداخل، حيث تقدر الأولى بـ 7 أضعاف الثانية، وهو أمر يثير الكثير من الجدل حول حقيقة ما يصل، أو قد يصل، إلى اللاجئين السوريين في دول الجوار العربي، وخاصة لبنان والأردن، وفيما إذا كانت حكومتا هاتين الدولتين تستخدمان قضية اللاجئين السوريين للتكسب المادي.

آلية توزيع المنح

وهي واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في هذا الخصوص، فكيف ستوزع المنح المالية المعلنة؟

تعتبر الأمم المتحدة الطرف الرئيس المكلف بإدارة هذه المنح المالية وتسليمها للمعنيين عبر منظماتها

وكانت المعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني السوري قد اعترضت على آليات عمل منظمات الأمم المتحدة في هذا الشأن، متهمة هذه المنظمات بأنها تسلّم معظم المساعدات المقدمة للاجئين السوريين إلى جهات ومنظمات تعمل لصالح النظام في دمشق، مما يؤدي إلى وصول معظم هذه المساعدات إلى مناطق وديمغرافيا موالية للنظام، وهي الأقل تضرراً في سوريا من جراء الأحداث، على حساب المناطق الأكثر تضرراً، والتي في معظمها خارجة عن سيطرة النظام، وعلى الأغلب تخضع لفصائل وقوى ثائرة.

منسقة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، فاليري آموس، دافعت من جهتها عن أداء منظمات الأمم المتحدة، ونفت استئثار المناطق التابعة لسيطرة النظام السوري على السواد الأعظم من المساعدات، مؤكدة أنّ هذه الأخيرة توزع بإنصاف بين المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات، وتلك التي تسيطر عليها المعارضة.

وقد سجّلت المعارضة السورية تقديم النظام أسماء لمنظمات وهمية يدّعي أنّها إنسانية لتتولى مهمة توزيع المساعدات، مؤكدة أنّ إحدى هذه المنظمات يملكها رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد، وأخرى، باسم زوجته أسماء الأسد.

وتعمل المعارضة على تصويب مسار المساعدات بهدف إيصالها إلى أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وهذا ما تركّز عليه اجتماع بين وفد من وحدة تنسيق الدعم الإنساني ومن الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة وبين مدير مكتب الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية، جون كينغ، للبحث في الموضوع الإغاثي، حيث تم التباحث في مسألة إيصال المساعدات إلى اللاجئين السوريين في مختلف المناطق وعدم حصرها بيد النظام السوري والمنظمات التابعة له، لا سيمّا أنّ هذه المساعدات يتم إدخالها فقط عن طريق دمشق، الأمر الذي يجعل توزيعها مقتصراً على مناطق محددة لا تتجاوز نسبة الـ10% من النازحين والعائلات، من دون أن تصل إلى المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الجيش الحر، لذا طالبت المعارضة باتخاذ قرار لفتح الحدود وإيصالها عبر الدول إلى كل المناطق.

بعد سياسي لآلية توزيع المنح

ويثير المعارضون السوريون بعداً سياسياً بقالب اقتصادي لآلية توزيع المنح، التي يتهمون الأمم المتحدة بتجييرها لصالح منظمات تعمل في خدمة النظام، إذ تؤدي هذه المساعدات والمنح إلى دعم الليرة السورية التي تمثّل واجهة معنوية لاقتصاد النظام، حسب قراءات المعارضين السوريين، وتضخ الدماء في شرايين اقتصاد النظام مما يعزّز قدراته على الصمود.

ولو حاولنا ترجمة هذه القراءة بالأرقام، فإن الأمم المتحدة التي أكدت أنها توزع المساعدات بصورة منصفة بين المناطق الخاضعة للنظام وتلك الخاضعة للمعارضة، لو قدّمت لمنظمات تعمل لصالح النظام فقط 100 مليون دولار من أصل 519 مليون التي تعتزم تقديمها للداخل السوري، فإن ذلك يعني تقريباً في حال تحويل هذا المبلغ إلى الليرة السورية زيادة الطلب على هذه الأخيرة بما يتجاوز 9 مليارات ليرة سورية، وهي عملية تعزّز دون شك من القوة الشرائية لليرة السورية.

أفكار لتعزيز نصيب الفرد الحقيقي من المنح

يمكن في خضم ما سبق البحث عن جملة توصيات تعزّز النصيب الحقيقي للفرد السوري "المتضرر"، من هذه المنح المالية:

1- تقديم المساعدات للداخل السوري على شكل مساعدات عينية بعيداً عن السيولة المالية.

2- التنسيق مع الجهات المعنية في النظام وقوى المعارضة كي يسمح الطرفان لموظفي الأمم المتحدة أن يتولوا بأنفسهم توزيع هذه المساعدات في لجان، ووفق خارطة معدّة مسبقاً تراعي التوازن والإنصاف في توزيع هذه المساعدات.

3- أن تعمل المنظمة الدولية على الاتفاق مع دول الجوار السوري لفتح حدودها أمام المساعدات العابرة إلى الداخل السوري بحيث لا ينحصر عبورها عبر العاصمة دمشق، وعبر قنوات النظام فيها.

4- عدم السماح لأية منظمات أو جمعيات تعمل تحت يافطة النظام أو في مناطق سيطرته، بالتدخل في آلية توزيع المنح وحصرها باللجان الأممية.

5- تشكيل لجان مالية متخصصة من موظفي الأمم المتحدة أو لجان مستقلة مكلفة من المنظمة الدولية، تتولى تدقيق مصروفات الحكومتين اللبنانية والأردنية على شؤون اللاجئين في بلديهما.

6- تكليف موظفين من الأمم المتحدة للقيام بجولات إحصائية لتحديد عدد دقيق للاجئين السوريين، خاصة في الأردن.

وفي الختام

لا بد من الإقرار بأهمية هذه الخطوة –مؤتمر المانحين في الكويت- ومقدار إلحاحها لتلبية حاجات أساسية عاجلة للاجئين السوريين في دول الجوار وللنازحين في الداخل السوري، والذين باتوا يعانون من ظروف إنسانية مأساوية.

 لكن في المقابل لا بد، لتفعيل جدوى هذه الخطوة، من التزام الدول والأطراف المتعهدة بتنفيذ تعهداتها المالية للوصول فعلاً إلى مبلغ 1.5 مليار دولار المعلن، والتزام الأمم المتحدة ومنظماتها الحرص والحيطة في آليات توزيع هذه المساعدات والمنح كي تؤدي الغرض منها قدر المستطاع.

مع الإشارة في النهاية إلى أن النصيب الحقيقي للفرد السوري "المتضرر" من هذه المنح سيتضاءل تدريجياً في الأسابيع والأشهر القادمة بسبب تفاقم حالات اللجوء إلى خارج الأراضي السورية، حيث سجّلت الأمم المتحدة زيادة عدد اللاجئين السوريين في الأسابيع الستة الماضية فقط بحوالي 200 ألف لاجئ، مما يعني، في حال استمرار الوتيرة الحالية من اللجوء، أن عدد اللاجئين السوريين حتى حزيران / يونيو القادم سيتجاوز بكثير عتبة توقعات المنظمة الدولية -مليون لاجئ- ربما إلى الضعف أي حوالي 2 مليون لاجئ سوري في دول الجوار، مما يعني انخفاض نصيب الفرد السوري من هذه المنح،في دول الجوار، إلى أقل من الثلث.

ترك تعليق

التعليق