البنية التحتية السورية بين وصيتي الأسد ورامسفيلد

في أبرز توصيات دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق خلال الحرب على العراق، حث الجنود الأمريكيين على تجنب الإضرار بالبنية التحتية العراقية، ليس حباً في الشعب العراقي، بقدر ما هو تخطيط استراتيجي قائم على مبدأ استغلال كل ما شيّدته الدولة العراقية لمصلحة الحرب الأمريكية
ويروي الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل في كتابه (الإمبراطورية الحرب الأمريكية والإغارة على العراق، إن رامسفليد أوصى الجنود ألا يحطموا المنشآت التي قد يستفيد منها الجيش الأمريكي حين انتهاء الحرب، ومع ذلك فشلت الجيوش الأمريكية في الحفاظ على هذه المنشآت. وجاءت الحرب الأهلية العراقية لتكون الضربة القاضية لبنية الدولة العراقية التي بنيت على مدار أربعة عقود ماضية.


من أبرز ما عانى منه الشعب العراقي في فترة الاحتلال الأمريكي، هو نقص الخدمات وسوء البنية التحتية، فعاصمة الرشيد، باتت تعيش آنذاك على الشموع، والمياه لا تتوفر إلا في المناطق الخضراء، أما المستشفيات والمراكز الصحية فكان مصيرها نقص الخبرات والأدوات معاً.. ولا تتحدث عن الطرقات والشوارع والجسور التي كانت مصدر مباهاة للعراق .. إنها الحرب تأكل الأخضر واليابس. ومن هنا أصبح العراقيون يرددون مقولة "الله يرحم أيامك يا صدام".. فهل يريد السوريون بعد سقوط النظام الترحم على أيام الأسد.
لقد أفرزت الثورة السورية تحديات تاريخية أمام الشعب السوري، وستكون محنة المستقبل بعد سقوط النظام، إذ لم يعد في مدن القتال ( حلب –إدلب – درعا – دير الزور – ريف دمشق – حمص.. إلخ ) ما يمكن أن يطلق عليه بنية تحتية، أكثر من نصف سورية غارقة في الظلام، ومعظم المراكز الصحية لا تنفع حتى لحقن إبرة، أما الطرقات فقد تحولت إلى ملعب للدبابات، وكأن وصية الأسد للجيش " لا تتركوا بنية يمكن أن يستفاد منها الشعب إلا وتجهزوا عليها".


هنا يكمن التحدي والاختبار للثورة وللشعب السوري، الحفاظ على ممتلكات الدولة التي بناها الشعب بقوته اليومي على مدار العقود الماضية، إنها مهمة وطنية وحالة إسعافية للاقتصاد المقبل، الذي يحتاج إلى سوبر مان يحمل أكثر من 60 مليار دولار وفق أقل التقديرات
.


سيأتي يوم على سوريا بدون الأسد، لكن الخوف أن يكون هذا اليوم أكثر سواداً من أيام الأسد، فسوريا التي تصنف من أقل الدول المدانة في العالم، غرقت في وحول الدين على مستوى الدولة، وغرق اقتصادها المنضبط طوال السنين الماضية وهو يتجه إلى ملامح الاقتصاد الفاشل.. على الشعب السوري أن يدرك أنه بحاجة لكل حجر يهدمه النظام أم غير النظام، وكل سلك كهربائي يضيء حارة أو حياً.. وكل طريق "مسفلت" يعجل في وصولك إلى العمل أو البيت.. أيها السوريون إننا مقبلون على زمن الحاجة، فحافظوا على دولتكم.. لا تنتظروا مؤتمرات الإعمار .. فلبنان لم يتعمر بعد رغم مقولة "راجع راجع يتعمر راجع لبنان" .. هذه المؤتمرات ليست سوى رحلات في الجو.. وبيانات مليئة بالدولارات فقط
.

ترك تعليق

التعليق