تقرير: 6.8 مليار دورلا خسائر سوريا جراء "العقوبات"..وتخبط الحكومة فاقم الأوضاع

العقوبات الاقتصادية ساهمت في زيادة عجز الميزان التجاري 

تناقض في قرارات الحكومة وغياب الشفافية والمحاسبة 

82% انخفاض في الصادرات لتركيا و 93%لأوربا و52% للدول العربية


نشر المركز السوري لبحوث السياسات تقريرا بحثيا بعنوان "الأزمة السورية الجذور والآثار الاقتصادية 
والاجتماعية"، وخلص بالأرقام إلى أن الشعب السوري هو من تضرر من العقوبات المفروضة على البلد، وبذات الوقت حمل حكومة النظام مسؤولية تفاقم الأوضاع بسبب الفشل في إدارة الأزمة وتخبط وتناقض قراراتها.

الأشدّ فقراً.. أشدّ تأثراً
جاء بالتقرير أن الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية للعقوبات التي فرضت على سوريا تحملها الشعب السوري وساهمت بالتأثير سلباً على نوعية حياته، حيث يظهر التقرير أن 28.3% (6.8 مليار دولار) من إجمالي الخسائر في الناتج المحلي خلال الأزمة، على الأقل كانت بسبب العقوبات والجزء الرئيسي من هذه الخسائر والقابل للقياس كان في قطاع النفط (3.9مليار دولار) بينما تحملت قطاعات النقل والصناعات التحويلية والتمويل بقية الخسائر.

وباستخدام منهجية المحاكاة على المستوى الجزئي، يقدر التقرير زيادة الفقراء بـ877 ألف شخص من إجمالي الزيادة في الفقراء نتيجة العقوبات.

أما في قطاع التجارة الخارجية فقد تم تقدير أثر العقوبات على الصادرات السورية بانخفاض في الصادرات للدول العربية بـ 52% وللاتحاد الاوربي بـ93% ولتركيا بـ 82%، وبالتالي ساهمت العقوبات في زيادة عجز الميزان التجاري وتدهور قيمة الليرة السورية.

يضاف إلى ذلك صعوبات استيراد السلع والخدمات الأساسية والتي منعت من قبل العديد من الدول بسبب العقوبات، مما أثر على المستوى المعيشي للأفراد وخاصة النساء والأطفال مع تأثير الحظر على استيراد مشتقات الطاقة، والأدوية الرئيسية بما فيها اللقاحات، وقطع غيار الطائرات المدنية وغيرها.

وقد قدر التقرير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية نتيجة للعقوبات بـ 200%، وباستخدام نموذج المدخلات والمخرجات لمحاكاة اثر هذا الارتفاع في الأسعار، خلص النموذج إلى أن الأثر يتمثل في انخفاض نمو الناتج بـ 6% والاستهلاك الخاص بـ 10.7% ويؤثر على الإنفاق الحقيقي للأفراد بشكل غير متناسب. 

ويقع الأثر الأكبر على الشرائح الأكثر فقراُ، إذ أن الشريحة الأفقر تخسر 14.8% من إنفاقها والشريحة الأغنى 8.3% منه. وأثر هذا على الارتفاع في الأسعار بشكل واضح على السلع الرئيسية وأضعف الأمن الغذائي خاصة للأسر الفقيرة والهشة.

أداء حكومي فاقم الأزمة
أما على صعيد أداء الحكومة يشير التقرير إلى أن الحكومة افتقدت إلى استراتيجية استجابة وطنية فعالة للأزمة، ولم تتعامل بفاعلية مع آثار الأزمة خاصة في مناطق النزاع، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية الحكومية لمستقبل سوريا بما في ذلك غياب استراتيجية اقتصادية اجتماعية متكاملة، وأخذت اغلب هذه السياسات صفة ردات الفعل.

إضافة إلى ذلك، لم تستطع الحكومة من إعادة الثقة المفقودة مع المواطنين وذلك بسب التناقض بين القرارات المتخذة، وضعف الالتزام بها، إلى جانب غياب الشفافية والمحاسبة عن اغلب المؤسسات.

ويسوق التقرير مثال، حيث قامت الحكومة خلال الأزمة بتخفيض الاستثمار الحكومي الأمر الذي ينعكس سلباً على معدلات النمو الاقتصادي والقدرة على خلق فرص عمل جديدة، كما قيد انخفاض العائدات الحكومية القدرة على التوسع في الإنفاق كمقاربة لمواجهة الضعف في النشاط الاقتصادي الناتج عن الأزمة، وفضلت الحكومة اتخاذ قرارات، اعتبرتها مطلوبة شعبياً، كزيادة أجور القطاع العام والتوظيف الحكومي وذلك بدلا من زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي.

ويخلص التقرير إلى أن بعض السياسات والقرارات المتناقضة التي اتخذتها الحكومة أثرت سلبا على بيئة الأعمال وزادت حالة الارتياب في أوساط رجال الأعمال الأمر الذي ساهم في نقل استثمارات الكثير منهم إلى الخارج ، مما أضعف قدرة القطاع الخاص بشكل كبير على خلق فرص عمل ودفع بمعدلات البطالة إلى الارتفاع.

وفي هذا المجال يشار ألى أن عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها مروة الايتوني كشفت لصحيفة رسمية أن 70% من رجال الأعمال أصبحوا خارج البلاد، ووصفت ذلك ب"شيء مرعب للاقتصاد السوري".

ومن ناحية الخدمات الصحية والتعليمية يوضح التقرير أن الحكومة لم تستطع تخفيف الآثار السلبية للأزمة على هذين القطاعين وخاصة في مناطق النزاع، كما أن ضعف التنسيق بين المديريات المحلية أدى إلى عدم القدرة على تجاوز الروتين المؤسساتي الذي زاد من تفاقم الأزمة.

فلم يحصل كل من اللاجئين والنازحين على الدعم المناسب من قبل الحكومة لتجاوز أزمتهم، كما أن عدم وضوح وفعالية استراتيجية التخفيف من الفقر وعدم عدالة التوزيع ساهم في زيادة حدة الفقر إلى جانب الزيادة الكبيرة في عدد الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.

جردة للعقوبات بعد الثورة
جدير ذكره أن عدد كبير من العقوبات أروبية وأمريكية وعربية فرضت على سوريا بعد اندلاع الثورة منتصف آذار /مارس 2011.العقوبات الأوربية –الشريك الأكبر لسوريا- شملت حظراً للسفر وتجميداً للأصول على أكثر من 20 فرداً من كبار المسؤولين، و40 شركة ومصرف سوريا المركزي.

وفي عام 2012 حظر الاتحاد الأوربي مستوردات النفط الخام من سوريا، وفي شهر شباط / فبراير وسّع العقوبات لتشمل حظر الاتجار بالذهب، والمعادن الثمينة، والماس مع كيانات سورية ومصرف سوريا المركزي.

أما العقوبات الأمريكية، فإن تركنا ما تم فرضه عام 2003 بموجب قانون "محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان" والذي حظر معظم الصادرات الأمريكية إلى سوريا، والعقوبات المفروضة على أشخاص وكيانات سورية من دخول إلى النظام المالي للولايات المتحدة بسبب الارتباط بالقاعدة والطالبان وأسامة بن لادن والمشاركة في نشر أسلحة الدمار الشامل وزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان، والعقوبات المفروضة على المصرف التجاري السوري عام 2006. 

فإن العقوبات الأمريكية بعد اندلاع الثورة منتصف آذار 2011 شملت كبار المسؤولين ورجال الأعمال، كما شملت مؤسسة الإسكان العسكري والمصرف العقاري والحكومة السورية والشركة السورية للنفط والشركة السورية للغاز والمؤسسة العامة للنفط وسيترول والمصرف التجاري السوري والمصرف التابع له في لبنان -المصرف التجاري السوري اللبناني- وشركة سيرتيل المشغل الرئيسي للهاتف الخليوي.

وعقوبات تحت اسم "قانون حرية سوريا" وفرض عقوبات على تطوير المواد النفطية في سوريا، وإنتاج المنتجات النفطية واستكشافها، وعقوبات تحرم الشركات التي تقوم بنشاطات تجارية في قطاع الطاقة السورية من الوصول إلى المؤسسات المالية الأمريكية. 

وقانون صادر عن مجلس الشيوخ بعنوان" قانون المساءلة عن حقوق الإنسان" فرض عقوبات على الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات معينة لحقوق الإنسان، أو شاركوا في ارتكابها، كما أن القانون يحظر عقود المشتريات مع الأشخاص الذين يصدرون تكنولوجيا حساسة إلى سوريا.

أما العقوبات العربية فشملت تجميد الأصول والحظر على الاستثمارات وضمنها قطع العلاقات مع مصرف سوريا المركزي وإيقاف تمويل من الحكومات العربية للمشاريع في سوريا، وحظر سفر المسؤولين السوريين إلى الدول العربية.

وتجميد الأصول المرتبطة بالحكومة السورية، كما دعت الجامعة العربية المصارف المركزية العربية إلى مراقبة التحويلات باستثناء التحويلات المالية الخارجية من السوريين، وصوتت الجامعة على فرض حظر على الرحلات التجارية بين سوريا والدول الأعضاء.

ترك تعليق

التعليق