30% من المستثمرين السوريين الفارين لجؤوا إلى مصر وأسسوا مدينة صناعية

ترحيب شعبي وحكومي مصري بوجود السوريين 

خطان عاجلان لتشجيع الاستثمار السوري

جمعية الأعمال والاستثمار المصرية تتيح للسوريين الخدمات التي تقدمها لأعضائها

بذور قضية إشكالية تتعلّق بالعمالة السورية

استكمالاً لما بدأناه في الجزأين الأول والثاني من هذه السلسلة، نستعرض في الجزء الثالث والأخير آفاق الاستثمار السوري في مصر، وأبرز إجراءات الحكومة والقطاع الخاص المصري لاستيعاب الاستثمارات السورية، ومن ثم سنتطرق لمستقبل العمالة السورية في مصر في ضوء قانون العمل المصري المعمول به حالياً، وسنعرض قائمة ببعض أسماء الشركات ورجال الأعمال السوريين الذين انتقلوا –أو أنهم بصدد الانتقال- إلى مصر، وأخيراً سنشير إلى رد فعل النظام بدمشق حيال الحديث عن انتقال ما يقارب ثلث الاقتصاد السوري إلى الأراضي المصرية.

مدينة صناعية سورية ومنطقة حرة
في إطار سعي الحكومة المصرية لتشجيع الاستثمارات السورية على التوطن في مصر، التقى وزير الصناعة المصري حاتم صالح 40 شخصية من رجال الأعمال السوريين، وتمخض الاجتماع عن الاتفاق على فكرة إنشاء مدينة صناعية سورية بمدينة العاشر من رمضان، وذلك حسب تصريحات لرئيس جمعية الأعمال والاستثمار المصرية أحمد جلال الدين، حيث تم البحث في سبل إنشاء هذه المدينة والتسهيلات التي ستقدمها الوزارة وهيئة التنمية الصناعية.

كما اقترح وزير الصناعة المصري إقامة منطقة حرة لرجال الأعمال السوريين في مدينة القنطرة، لتوجيه إنتاجهم للتصدير؛ عطفاً على ريادتهم في ميدان الصناعات النسيجية.
وقد سجّلت الجهات الرسمية المصرية طلب عدد كبير من المستثمرين السوريين نقل شركاتهم من سوريا إلى مصر، كنتيجة أوليّة لعدة عوامل، أبرزها: استمرار تدهور الوضع الأمني في سوريا، انخفاض تكاليف المعيشة وتكلفة اليد العاملة في مصر مقارنة بمعظم دول الجوار لسوريا، وأخيراً، استشعار معظم المستثمرين السوريين بترحيب شعبي وحكومي مصري بوجودهم في مصر مقارنة بمواقف سياسية –وشعبية أحياناً- أساءت للسوريين داخل بعضٍ من دول الجوار لسوريا.

إجراءات حكومية مصرية لتشجيع الاستثمار السوري
واستكمالاً لما سبق، تم تشكيل لجنة في هيئة التنمية الصناعية المصرية لحل جميع المشكلات التي تواجه المستثمرين السوريين وتوفير كافة الأراضي المطلوبة، وتلقي طلبات المستثمرين السوريين والتنسيق معهم لإنشاء مشروعاتهم الصناعية وإزالة كافة العقبات التي تواجههم وتعريفهم بالفرص الاستثمارية المتاحة ومساعدتهم في التعامل مع الأجهزة الحكومية للحصول على الموافقات الرسمية المختلفة.

وتنظر وزارة الصناعة المصرية إلى المشروعات السورية الجديدة المخطط إقامتها في مصر على أنها مشروعات استثمارية طويلة الأجل وتشمل قطاعات عديدة منها النسيج والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية والصناعات الهندسية والمعدنية، لذلك أشار وزير الصناعة المصري إلى أن وزارته ستعمل على خطين عاجلين لتشجيع الاستثمار السوري: الأول مساعدة المستثمرين السوريين للدخول في شراكات مع نظرائهم المصريين، والثاني العمل على تأجير خطوط إنتاج قائمة خاصة وأن العديد من المستثمرين السوريين لديهم تعاقدات تصديرية للأسواق العربية والأوروبية وفي حاجة ماسة إلى سرعة البدء في عمليات الإنتاج لتلبية التزاماتهم بعقود التصدير.

كما طلبت وزارة الصناعة المصرية من المستثمرين السوريين إعداد قائمة باحتياجات صغار المستثمرين منهم فيما يتعلق بالأراضي الصناعية اللازمة لإنشاء مصانعهم الصغيرة والمتوسطة.

الميزات التفضيلية للاستثمار في مصر
وفي سياق ما سبق، حاولت الجهات الرسمية المصرية بالتعاون مع رجال أعمال مصريين التسويق للميزات التفضيلية للاستثمار في مصر في حضرة رجال أعمال سوريين، من أبرز تلك المميزات: الحوافز الاستثمارية والموقع المتميز، والسوق الاستهلاكي الضخم ، والدعم المتوفر للطاقة، والعديد من الاتفاقات التجارية مع مختلف التكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، مما يخلق بيئة مناسبة للاستثمار وتمنح مميزات تنافسية للمنتجات التي سيتم تصديرها من مصر للأسواق الخارجية.

رجال أعمال مصريين يسعون لجذب نظرائهم السوريين
وتسعى جمعية الأعمال والاستثمار المصرية كما يبدو إلى جذب رجال الأعمال السوريين للشراكة مع نظرائهم من المصريين، إذ تعمل الجمعية، كما ذكر رئيسها، على التنسيق مع الوزارات المصرية المعنية لتوفير جميع التسهيلات للمستثمرين السوريين والمساعدة على جذب رؤوس الأموال في عدد من الصناعات، لاسيما النسيجية والغذائية.

وأكدت الجمعية أنها ستتيح للمستثمرين السوريين كل الخدمات التي تقدمها لأعضائها، خصوصاً في ما يتعلق بالتمويل من المؤسسات المصارف.

أبرز طلبات المستثمرين السوريين
ومن جانبهم أكد المستثمرون السوريون أن هناك رغبة لدى عدد كبير منهم لنقل مصانعهم وإقامة مشروعات جديدة لهم داخل السوق المصرية خلال الفترة المقبلة, مطالبين بأهمية توفير الأراضي اللازمة لإقامة مصانعهم في أسرع وقت ممكن حتى لا يفقدوا الأسواق التصديرية لمنتجاتهم، كما طالب المستثمرون السوريون الحكومة المصرية بضرورة دراسة تخفيض الجمارك على الماكينات والآلات الخاصة بمصانعهم التي سيتم نقلها من سوريا إلى مصر وذلك في إطار مساندة الحكومة المصرية لهذه المصانع.

قائمة بمستثمرين سوريين في مصر...وأبرز متطلباتهم
وكان موقع "البورصة" المصري الالكتروني قد حصل على قائمة تضم 37 مستثمراً سورياً يرغبون في نقل استثماراتهم إلى مصر نتيجة الأحداث الاستثنائية التي تشهدها سورية.

وحدد المستثمرون الذين يعمل معظمهم بقطاع الغزل والنسيج المساحات التي يرغبون فيها لإقامة مصانعهم بما يتجاوز 800 ألف متر مربع بالمنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان بغرض إنشاء مجتمع صناعي سوري بالمدينة.

ومن قائمة الشركات السورية التي طلبت الاستثمار في مصر: الشركة الحديثة للغزل والسورية للغزل والنسيج وايجى قطن والعربية للغزل والنسيج وسيسيك والشامة للغزل والنسيج والسورية للأجهزة المنزلية والشامية للبلاستيك ومواد التجميل وشركة فور إم تكس.

وطلب المستثمر السوري محمد بدوى الحصول على 100 ألف متر مربع لنقل مصنعه إلى مصر بينما طلب نحو 9 مستثمرين تخصيص 40 ألف متر مربع لكل منهم وهم نائل دليل وعلاء أحمد وأحمد دليل ومحمد دليل ومحمد جمال وعلاء الدين دايرى وعبد القادر خلف وباسم محمد وتامر محمد، بينما طلب رجلا الأعمال سليمان الفهد ومحمد التراجى الحصول على 25 ألف متر ومحمد عجب نحو 15 ألف متر مربع.
فيما طلب 6 رجال أعمال تخصيص مساحات بمتوسط 10 آلاف متر مربع وهم مصطفى معلخى وظهر الدين عبدالغفار ومحمد ناصر ومحمد عبد المعطى ومهند الاسطنبولي وسامر عنابي، بينما طلب عبد الكريم محمد السعيد الحصول على نحو 5 آلاف متر.

وطلب 17 مستثمراً تخصيص مساحات بواقع ألف متر مربع لكل منهم وهم: عبد العزيز راجى وطاهر المصرى وأحمد محمد على وعادل التراجى ومحمد التراجى وعبد الباسط التراجى ومحمد مراشو ومحمد عمار وعمر مروان وأحمد الصباح ويوسف بكار ومحمد عونى ومحمد غزل ومحمد جحا يوسف وزمل فيوم الخطيب وأحمد صباغ وفادى غنون.

هل هي استثمارات مؤقتة؟
وحول بعض التخوفات في مصر من أن تكون تلك الاستثمارات السورية مؤقتة لحين استقرار الأوضاع في سوريا، يذهب وزير الصناعة المصري إلى أن مصر تعد موقع ارتكاز للاستثمارات العربية في الشرق الأوسط، وأن مصر تسعى دائماً لتلبية رغبة أي مستثمر عربي يرغب في إقامة أعماله في هذا البلد، ويعتقد وزير الصناعة المصري أنه إذا استطاع المستثمر السوري أن يوفر لنفسه قاعدة صلبة تنمو من خلالها أعماله، فإنه لن يغادر مصر، من دون أن يعيقه ذلك أيضاً عن مزاولة نشاطه في بلده مجدداً عندما تستقيم الأوضاع ويستتب الأمن والهدوء.
وفي نفس الإطار يعتقد رئيس مجلس إدارة "جمعية الأعمال والاستثمار الدولى ايبيا" المصرية، أحمد جلال، أن الاستثمارات السورية طويلة الأجل وليست وقتية وستعمل على نقل تكنولوجيا جديدة تساعد على نهضة صناعة الغزل والنسيج في مصر.

العمالة السورية في مصر...قضية شائكة تتطلب المعالجة
أما حول ما يُشاع عن مخاوف بعض المصريين من أن يقتنص السوريون اللاجئون إلى بلادهم فرص العمل القليلة المتاحة في البلاد، في ظل بطالة مرتفعة في أوساط الشباب المصري، أوضح رئيس جمعية الأعمال المصرية أن قانون العمالة الأجنبية الجديد يدحض جميع المخاوف بشأن استيراد عمال سوريين أو أجانب للعمل بالمصانع في مصر. 

لكن بعض التقارير الإعلامية كشفت عن شكاوى، وإن كانت ما تزال محدودة، أبداها بعض الشباب المصري من أن الشباب السوري اللاجئ إلى مصر يقبل بفرص عمل بأجور منخفضة وبأوقات عمل أطول مقارنة بنظيره المصري، مما يلحق الضرر بالشباب المصري الذي يتجاوز عدد العاطلين عن العمل منه أكثر من 3 ملايين بنسبة 12% من إجمالي قوة العمل في البلاد.

ما سبق يوضّح وجود بذور قضية إشكالية تحتاج إلى المعالجة عبر الاتفاق بين المستثمرين السوريين والحكومة المصرية على نسب العمالة السورية المسموح بها في مشاريع السوريين هنا، بصورة لا تضرّ بالسوريين، ولا بالمصريين أيضاً، قدر المستطاع.

وفي سياق ذلك، نذكر أن قانون العمل المعمول به حالياً في مصر ينص على ألا يزيد عدد الأجانب العاملين في البلاد على نسبة 10% من قوة العمل المصرية، وتقدّر الأخيرة بما يقارب 30 مليون، بمعنى أن حوالي 3 ملايين فرصة عمل متاحة لغير المصريين، وهو رقم يسمح بصورة مريحة للغاية في استيعاب العمالة السورية الوافدة إلى مصر بما لا يضرّ بالطرف الآخر.

ويرد في نصوص القانون المذكور أنه في حالة رغبة أي منشأة في استقدام عمالة أجنبية عليها التقدم بطلب مبرر لوزارة القوى العاملة المصرية، يتم دراسته وبحثه جيداً، كما يشترط القانون المصري ألا تزيد نسبة العمالة الأجنبية في أي منشأة على 5%.

وتقرّ التقارير الرسمية المصرية، والكثير من الإعلامية أيضاً، بتراخي الجهات المعنية المصرية في ضبط قضية العمالة الأجنبية في البلاد عموماً، لكن ذلك لا ينفي احتمال اتجاه السلطات الرسمية المعنية إلى التشدد في هذه القضية بصورة مفاجئة تحت ضغط جهات شعبية أو نقابية أو غير رسمية مصرية، الأمر الذي يُوجب كما أشرنا آنفاً تنسيق هذه القضية بالتوافق بين الجهات الرسمية المعنية في مصر، وبين المستثمرين السوريين، بحيث يتم استيعاب العمالة السورية الوافدة إلى مصر، والتي تشكّل بالأرقام الأولية في حدودها القصوى حالياً ما لا يتجاوز 60 ألف، مما يعني أن استيعابها في سوق تحتمل عمالة تفوق 25 مليون نسمة ليس بالأمر الصعب.

10 مليار ات دولار...تستفز النظام بدمشق
وكانت معلومة نقلها موقع شهير عن جمعية الأعمال والاستثمار الدولي في مصر، عن مفاوضات مع 25 رجل أعمال من سوريا لضخ استثمارات بنحو 10 مليارات دولار في السوق المصرية خلال أيام، في قطاع الصناعات النسيجية، قد أثارت جدلاً، واستفزت مسؤولين في النظام بدمشق، واضطرت شخصيات سورية في مجال الأعمال إلى نفيها، مع الإشارة إلى أن أي مصدر مصري آخر لم يؤكد هذه المعلومة، لكنها رغم ذلك اضطرت مسؤولين في النظام السوري للقيام بخطوات وإجراءات لتشجيع عودة المستثمرين السوريين الفارين من البلاد.

وفي الختام
بعد أن استعرضنا واقع الاستثمار السوري في مصر، وآفاقه، وأبرز طلبات المستثمرين السوريين المستعجلة هناك، لا بد من الإقرار بأن الوضع السياسي المضطرب نسبياً في مصر يشكّل واحداً من عوامل لجم الحراك الاستثماري السوري باتجاه هذا البلد، ذلك أنه لو قارنا تكلفة الاستثمار ومردوده في مصر بتكلفة الاستثمار ومردوده في أي بلد مجاور لسوريا، سواء كان تركيا أو العراق أو لبنان أو الأردن، أو حتى دول الخليج، وخاصة الإمارات، وهي الدول التي توزعت عليها معظم الاستثمارات السورية الفارة من البلاد، فإن تكلفة الاستثمار ومردوده في مصر هي الأمثل، فالتكلفة هي الأقل، نظراً لاتساع السوق وانخفاض تكلفة اليد العاملة ومستوى المعيشة، والمردود هو الأعلى نظراً لانخفاض التكلفة مقارنة بالدول المذكورة.

لكن الحالة السياسية المضطربة في مصر، والمخاوف من تحولها إلى اضطرابات أمنية تهدد الاستقرار بصورة خطرة، لا بد أنها تجعل جزءاً من المستثمرين السوريين يتريثون في حراكهم باتجاه مصر، ولولا ذلك، فإنا –على الأغلب- كنا سنشهد تحول الغالبية العظمى من المستثمرين السوريين إلى مصر وليس فقط 30% حسب التقديرات المتداولة.

ترك تعليق

التعليق