إنفاق مضاعف مقابل تراجع الموارد .. والنتيجة الاقتصاد السوري على "الهيكل"

دخل الاقتصاد السوري في حالة عجزٍ محقق، نتيجة الإنفاق المتعاظم مقابل تراجع موارد الخزينة، ما ينذر بكارثةٍ ستدفع ثمنها البلاد لسنواتٍ قادمة، ويشير خبراءاقتصاديون إلى أن "النظام يريد تسليم البلاد على الهيكل"، للدلالة على حجم الدمار الاقتصادي.

ورغم أنه من الصعوبة بمكان الوصول لأرقامٍ دقيقة حول واقع العجز الذي وصل إليه الاقتصاد السوري، لما يحتاجه الأمر من بحثٍ وتدقيق، إلا أن تقدير الواقع وفقاً لبعض الأرقام المتاحة يمكن البناء عليه، للبدء فعلاً بدق نواقيس الخطر يرى المراقبون أنه لا بد منها، في ظل السياسات الاقتصادية المدمرة التي تمارسها السلطة في البلاد.

لصالح الآلة العسكرية
ولعل أبرز جوانب الإنفاق التي تخرج من الخزينة مليارات الدولارات، هي تلك المتعلقة بالإنفاق العسكري، والتي حددها تقرير مركز بحوث السياسات السوري، بأنها تشكل ما يقارب 7 % من الناج المحلي أي حوالي 3.5 مليار دولار، ورغم أن أحد الخبراء المحليين والذي فضل عدم ذكر اسمه اعتبر الر قم متواضعاَ، بالنسبة لما نشهده يومياً من انتشار للآلة العسكرية، إلا أن ما أشار إليه التقرير يمكن البناء عليه مع جملةٍ من الأرقام الأخرى لمعرفة واقع العجز في الاقتصاد السوري.

وكان ملفتاً في شق الإنفاق خلال العامين الفائتين الموازنة العامة للدولة حيث كسرت موازنة العام 2012 رقماً قياسياً كونها بلغت 1326 مليار ليرة سورية مقابل 835 مليار ليرة سورية عام 2011 بزيادة تصل إلى 491 مليار ليرة، في حين تم رفع موازنة عام 2013 لتصل إلى 1383 مليار ليرة، والمؤمن من مواردها هو فقط 634 مليار ليرة، وفق تصريح وزير المالية في حكومة النظام محمد الجليلاتي، ليكون نصف الموازنة معلقاً دون تغطية مالية، ما يعني عجزاً تم تمويله بالعجز من الاستدانة الخارجية أو الداخلية أو عبر طباعة العملة.

خسائر تجارية
ولا يمكن الحديث عن العجز في الاقتصاد السوري دون التعريج على عجز الميزان التجاري الذي بلغ في فترات الاستقرار ونشاط الصادرات ما يقارب 3 مليار دولار حيث كانت الصادرات بحدود 9 مليار دولار بينما الواردات هي 12 مليار دولار، يتم تعويضها من خلال الميزان النفطي الذي كان يحقق تقريباً نفس الرقم كموارد للخزينة، ويعتبر الخبير الاقتصادي في تصريحه لـ"اقتصاد" أن المشهد اليوم هو أسوأ بسبب تراجع الصادرات، بعد خسارتها الأسواق الرئيسية المستقبلة للمنتجات السورية وهي أوروبا والدول العربية على وجه التحديد، واستبدالها بالدول الشرقية التي أخذت تصدر لسوريا ولا تستورد منها، فهذه الدول لا مصلحة اقتصادية لها ببضائعنا باستثناء إيران التي تأخذ حاجتها من زيت الزيتون والبيض والبنزين والدجاج، وبالتالي العجز في الميزان التجاري فاق أرقام أيام الاستقرار.وفق الخبير الاقتصادي.

وفي مقابل زيادة الإنفاق، برز غياب الموارد حيث توقفت إيرادات النفط، وتراجعت الحركة التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، وتضاعف التهرب الضريبي، ما أثر سلباً على ميزان المدفوعات الذي لم يخرج رقم رسمي يحدد واقعه منذ العام 2010 حيث تمتنع الجهات المعنية الرسمية عن نشر أي رقم يتعلق به أو بحركة الاستيراد والتصدير، ما يوحي بواقعٍ سلبي للأرقام، ليكسر أحد الأرقام غير الرسمية مشيئة المعنيين، ليقول مركز بحوث الدراسات: إن عجز ميزان المدفوعات بلغ 16 مليار دولار، تم اقتطاعها من احتياطي القطع الأجنبي، ليرى خبير آخر أن عجز ميزان المدفوعات وفقاً لهذا الرقم يبلغ 29 % من إجمالي الناتج المحلي، وهو قريب للواقع في ظل جملة التراجعات التي يعيشها الاقتصاد، لكن الخبير الذي لم يشأ ذكر اسمه أوضح تحفظه على أن يكون تم تغطيتها من احتياطي القطع الأجنبي، الذي يغطي بالنسبة للنظام السوري أولوياته العسكرية، مرجحاً أن تتم تغطية العجز المرتبط بالموازنة العامة عبر طباعة العملة، كونها بالليرة السورية. 

وماخفي كان أعظم
وتأكيداً على إرادة النظام السوري "بتسليم البلاد على الهيكل"، يشير الخبير الاقتصادي أنه إلى جانب كل العجوزات واستنزاف الموارد، فإن ما زاد في الطنبور نغماً التوجه إلى الاستدانة الخارجية، التي ما خفي منها كان أعظم مما أعلن، فقرض الخمسة مليارات دولار الذي تمخض عن المباحثات السورية الإيرانية، يشكل ما يقارب 9 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبقي دون إعلانٍ عن شروطه أوفوائده. 

والمشكلة التي بدأ يحذر منها الخبراء وصول الدين العام في البلاد إلى أكثر من 35 % من الناتج المحلي "وفق معايير صندوق النقد الدولي"، فهذه النسبة ستشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، كون الدين الخارجي والداخلي يترافق مع شلل قدرة المؤسسات على الاستثمار وتوقف عجلة التنمية، ويعتقد الخبراء أننا إلى الآن لا نرى في الواقع إلا قمة جبل الجليد العائم.

ترك تعليق

التعليق