الحوار المسموح والحوار المحرّم
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – اقتصاد --
- 23 تشرين الثاني 2024 --
- 0 تعليقات
قبل نحو أسبوع، أطلقت وزارة
التجارة الداخلية التابعة للنظام، ما أسمته بـ "الحوار المفتوح" لمناقشة
تعديل قانون حماية المستهلك، الصادر عام 2021، وقالت إن الهدف منه الوصول إلى صيغة
ترضي جميع الأطراف، المنتج والتاجر والمستهلك.
وبالفعل، بدأت مديريات
التجارة الداخلية في المحافظات، بعقد جلسات حوارية، دعت إليها فعاليات تجارية وأهلية
وحكومية، مع تغطية إعلامية واسعة، حاولت وسائل الإعلام أن تقول فيها بأن الحوارات
تجري في جو ديمقراطي وسقف مفتوح من النقاش بين كل أطراف العملية الإنتاجية.
السؤال الذي يطرح نفسه بحسب
مراقبين: هل يستحق تعديل قانون كل هذه الجلسات وكل هذه الحوارات..؟ ثم من جهة
ثانية، لماذا يفتح النظام الحوار لمناقشة تعديل قانون حماية المستهلك، بينما لا
يفتحه في مناقشة الكثير من القوانين والقضايا، وخصوصاً تلك التي تمس حياة السوريين
السياسية والاقتصادية والخدمية بشكل فعلي وعلى الصعيد المستقبلي..؟
في الإجابة على السؤال
الأول، كتب العديد من المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الأمر ليس بحاجة
لأي حوار، يستنزف مقدرات الدولة والمجتمع لعدة أشهر، لأن المشكلة في بلدنا لم تكن
في يوم من الأيام بالقانون، وإنما بتطبيق القانون، وبالذات من يشرفون على هذا
التطبيق ويقومون به.
وكتب أحد المعلقين: "ضبط
السوق لا يتم بالحوار والاجتماعات، وإنما يتم عندما تتحلى الكوادر بالصدق والأمانة
والأخلاق وتقوم بعملها دون تمييز أو تحيز، ابتداء من المراقب وأنت طالع.. ويكون
فيه شي اسمو روح القانون لإيجاد مخرج قانوني لأصحاب البسطات".
أما في الإجابة على الشق
الثاني من السؤال، فهنا "مربط الفرس" كما يقول المثل، لأنه يذكرنا
بجلسات الحوار الوطني التي أجراها النظام في مطلع العام 2011، عقب انطلاق أحداث
الثورة السورية، والتي جرى فيها مناقشة قضايا على درجة عالية من الحساسية والأهمية،
وصلت إلى حد المطالبة بتغيير رئيس الجمهورية، وفتح الحريات وتطبيق الديمقراطية..
ويومها كتبت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية "مانشيتاً" عريضاً على
صفحتها الأولى، كعنوان لإحدى جلسات الحوار: "لا رئاسة مدى الحياة".. لكن
لم يلبث النظام أن أغلق الحوار في تلك الجلسات بعد أن وصلت إلى هذا السقف،
واستبدلها بالدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات.
على ما يبدو أن الرسالة
التي يريد النظام إيصالها للمجتمع السوري، أن المواضيع التي يحق النقاش فيها بكل
حرية وديمقراطية، هي أسعار البطاطا والبندورة والخيار فقط، بينما لا يحق لهم
النقاش وإبداء الرأي بما يجري في مجلس الشعب من مهازل وإقالات لأعضاء، لأنهم
يحملون جنسيات أخرى غير الجنسية السورية، في الوقت الذي تحمل فيه زوجة رئيس الدولة
وأعلى سلطة فيها، الجنسية البريطانية.
إنها محاولة لامتصاص طاقة
النقاش والحوار عند السوريين، وإهدارها في قضايا تافهة، كي لا تتجه إلى قضايا
كبيرة، ولا سيما أن هناك حديث يجري عن استحواذات سوف تقوم بها إيران لقطاعات
اقتصادية مهمة في البلد، مقابل ديونها على النظام السوري.. فهذه القضايا لا يجوز مناقشتها،
حتى في مجلس الشعب أو الحكومة أو الحزب.
باختصار، ما يجري من جلسات حوار
لمناقشة تعديل قانون "تافه"، هو استهتار بعقول السوريين، ومحاولة لحرف
البوصلة عن المتسبب الحقيقي بإفقارهم، وهو الدولة وأجهزتها الفاسدة، وتوجيهها نحو
التاجر والمستهلك.. أي كما قلنا في وقت سابق، إن الهدف هو ضرب المجتمع ببعضه البعض،
والدولة هنا تمارس دور "المختار" عليهم.
التعليق