
من القاع إلى القمة: رؤية اقتصادية لنهضة سوريا
- بواسطة عصام تيزيني – اقتصاد --
- 10 شباط 2025 --
- 0 تعليقات
بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي الذي شهدته سوريا، ومع بدء مرحلة التعافي وإعادة البناء، أصبح من الضروري الانتقال من معالجة الأزمات الطارئة إلى وضع استراتيجيات تنموية واضحة وطويلة الأمد. هذه الورقة تسلط الضوء على التحديات الحالية، وتقدم رؤية لمراحل النهوض الثلاث: الإسعافية، والمتوسطة، وبعيدة المدى، مع التركيز على سبل تحصين الاقتصاد من محاولات العبث وإعادة الفلول الاقتصادية إلى دائرة التأثير.
الباحث عصام تيزيني، يقدم
ورقة عمل اقتصادية للسيد رئيس الجمهورية
بعد أن خرج اقتصاد سوريا من القاع، كيف نوصله إلى القمة؟
السيد أحمد الشرع، رئيس البلاد
تحية طيبة وبعد،
بعد مرور ستين يوماً على تولي الإدارة الاقتصادية الجديدة، تبين واقعياً أن هذه الإدارة منشغلة وغارقة في العمل على حل المشاكل التي خلّفها النظام الاقتصادي السابق. فهي تعمل بطريقة أشبه ما تكون بإطفاء الحرائق، وهذا في الحقيقة ضروري ومهم جداً، لكنه يستنزف كل طاقاتها وساعات عملها، ويشغلها عن وضع خطط وبناء استراتيجيات، خصوصاً أن النظام السابق قد أشعل خلال السنوات الأربع الأخيرة حرائق لا تعد ولا تحصى.
لذلك، فإنه من الواجب، والحال هذه، ألا نرهق هذه الحكومة أو غيرها من الحكومات القادمة، وألا نحملها أعباء بناء خطة العمل الاقتصادي ذات المراحل الثلاث (إسعافية، متوسطة، وبعيدة المدى)، التي صرّحتم عنها مؤخراً في لقائكم على تلفزيون سوريا، وقدّرتم زمن إنجازها بعشر سنوات.
السيد الرئيس،
اسمحوا لي أن أتقدم لمقامكم بورقة عمل مصغّرة قد تساعد في مسار خطتكم، والله أعلم.
أولاً: المرحلة الإسعافية
أخطر وأصعب وأحرج المراحل، بدأت عملياً مع ثاني أيام التحرير، وقطعت شوطاً لا بأس به في طريق إخراج اقتصاد سوريا من القاع ووضعه على سكة التعافي، حيث حدث انقلاب جذري في طبيعة هذا الاقتصاد بتحويله من اقتصاد منغلق احتكاري إلى منفتح تنافسي، وهذا إنجاز يُسجّل ويُكتب بماء الذهب في تاريخ سوريا.
لذلك، من المفيد أن نترك مهمة إتمام هذه المرحلة للسلطة التنفيذية، سواء في هذه الحكومة أو في القادمة قريباً، على أن يتم دعم هذه السلطة بخبراء الداخل الذين عايشوا النظام السابق، وعرفوا دهاليزه وحرائقه التي أشعلها خلال سنوات الثورة.
السيد الرئيس،
إن المرور الآمن لهذه المرحلة الإسعافية التي نعيشها الآن يتطلب أن تكون العين ساهرة على حركة الفلول الاقتصادية. فهؤلاء موجودون، وهم يألمون، وخسائرهم الفادحة أصابتهم بالجنون. وهنا لا أعني خسارة المال، فلديهم منه الكثير، وإنما أعني خسارة النفوذ والقدرة على التأثير، فهم صاروا خارج دائرة صنع القرار التي كانت مستباحة لهم.
لم يعد هناك وزير ينتظر منهم اتصالاً هاتفياً ليقرر، ولا مدير مقيّد بشبّيح يوجهه!
إن هذه الفلول خبيرة وماهرة في العبث والإلهاء، وكل الصراخ والشكاوى التي تنهمر هذه الأيام على الوزراء والمدراء حول معاناة الصناعيين والتجار والموظفين، والرواتب، والبسطات، وسعر الصرف، وحبس السيولة.. كلها تدغدغ رغبات الفلول، وتفرحهم، وقد تشكل لهم مدخلاً مهماً للضغط والعبث وإشعال الحرائق.
السيد الرئيس،
لا يخفى على جنابكم أن العصابة التي حكمت سوريا جذورها القذرة ضاربة في أعماق سحيقة، ولا تزال تمتلك أدوات وسخة لن تتوانى عن استعمالها إن سنحت لها الفرصة، وتحديداً في هذه المرحلة الإسعافية. وهذا ديدن العصابات عموماً، فما بالكم بتلك التي حكمت وبغت ستين عاماً، لم تُبقِ ولم تذر!
ثانيًاً: المرحلتان المتوسطة وبعيدة المدى
من المفيد أن يتم العمل على هاتين المرحلتين بهدوء ورويّة، وأن يقودهما فريقان يتم اختيارهما من خلال مؤتمر وطني اقتصادي يجمع كل فاعل وباحث ودارس ومهتم باقتصاد سوريا، ويكون عارفاً بكل تفاصيله وخفاياه، بتاريخه وحاضره، على أن يقوم هذان الفريقان بالبحث والاجتهاد من أجل وضع رؤية وخطوات عملية لإنجاح هاتين المرحلتين. وخلال مهلة زمنية محددة، يقدمان في نهايتها نتائج عملهما إلى المجلس التشريعي الذي تنوون إحداثه، كي يصادق عليها ويمنحها الصفة القانونية، ومن ثم تُرسل إلى السلطة التنفيذية لتطبيقها.
ثالثاً: شروط نجاح الخطة الاقتصادية ثلاثية المراحل
الأمر الأول: تعزيز ثقافة تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، تلك الثقافة التي دمرها النظام السابق، وعمل على تحطيمها واستبدالها بثقافة العمل الذي يخدم الفرد ولا يخدم الجماعة.
هذا الأمر يحتاج إلى حكمة وإجراءات كثيرة، أهمها على الإطلاق منع وصول الاقتصاديين الفاسدين الناعمين (وما أكثرهم) إلى دوائر صنع الخطط والاستراتيجيات. وهذه في الحقيقة مهمة صعبة، نرجو من جنابكم توخي الحذر في تنفيذها.
الأمر الثاني: إحياء المؤسسات التي ترعى قطاع الأعمال الخاص وتخدم مصالحه، خصوصاً غرف التجارة والصناعة والزراعة والسياحة، وتحريرها من القيود التي فرضها عليها النظام السابق، والتي جعلتها مجرد صناديق بريد لإيصال رسائله وتحقيق غاياته.
فهذه الغرف قادرة وعارفة بكل تفاصيل قطاع الأعمال السوري الخاص في الداخل، كما تملك علاقات مفيدة مع كثير من نظيراتها في دول العالم، وتستطيع، إن تحررت، أن تساعد جداً في صنع خطط جذب الاستثمارات.
السيد الرئيس،
أرجو أن تتقبلوا مروري.
مع فائق الاحترام.
التعليق