في ملف إعمار سوريا: تعريف بنموذج (PPP) للشراكة بين القطاعين العام والخاص


تعاني سوريا من دمار واسع النطاق في بنيتها التحتية نتيجة الصراع المستمر لأكثر من عقد، مما يضع تحديات كبيرة أمام الحكومة لإعادة الإعمار بموارد مالية محدودة. في ظل هذه الظروف، يمكن أن تكون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) حلاً فعالاً لإعادة بناء الاقتصاد والخدمات العامة دون إثقال كاهل الميزانية الحكومية أو اللجوء إلى الاقتراض المفرط.

"اقتصاد" ينشر عبر سلسلة من المقالات تفاصيل عن نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، وكيف يمكن أن يعمل في الحالة السورية.

سلسلة المقالات، بقلم: الخبير المالي والاقتصادي السوري، الدكتور محمود مفيد عبد الكريم.


ما هي الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP

الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) هي نموذج تعاوني بين الحكومة والقطاع الخاص، يتم فيه تقاسم تمويل، بناء، وتشغيل المشاريع العامة، مثل الطرق، المستشفيات، المدارس، ومحطات الطاقة. بدلاً من أن تتحمل الحكومة التكلفة بالكامل، يساهم القطاع الخاص بالتمويل والتنفيذ، ويحصل على عائدات مالية لفترة محددة قبل أن تعود ملكية المشروع إلى الدولة.

كيف يمكن تطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إعادة إعمار سوريا؟

يمكن استخدام نموذج PPP في مختلف القطاعات الرئيسية التي تحتاج إلى إعادة بناء في سوريا، مثل:

 قطاع النقل والبنية التحتية

يعد تطوير شبكة النقل والبنية التحتية أمراً ضرورياً لدعم الاقتصاد وخلق بيئة استثمارية جاذبة. من خلال PPP، يمكن إعادة بناء الطرق السريعة والجسور التي تربط المدن الرئيسية مثل دمشق، حلب، حمص، واللاذقية، مما يسهل حركة النقل ويعزز التجارة الداخلية والخارجية. كما يمكن تطوير شبكات السكك الحديدية لربط سوريا بالدول المجاورة، بالإضافة إلى تحديث المطارات والموانئ لتسهيل حركة التجارة والاستثمار.

في هذا السياق، يمكن تنفيذ مشروع إعادة تأهيل الطريق الدولي بين دمشق وحلب عبر شراكة مع شركة خاصة تقوم بتمويل إصلاحه، مقابل تحصيل رسوم مرور لفترة محددة، مما يتيح للحكومة تنفيذ المشروع دون الحاجة إلى موارد مالية ضخمة.

قطاع الطاقة والكهرباء

يعد تحسين البنية التحتية للطاقة من الأولويات لإعادة الإعمار، حيث يمكن عبر PPP إعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استدامة الطاقة. كما يمكن تطوير شبكات توزيع كهرباء ذكية تقلل من الفاقد الكهربائي وتزيد الكفاءة التشغيلية.

إحدى المبادرات المقترحة هي تطوير محطات طاقة شمسية بالشراكة مع مستثمرين أجانب ومحليين، بحيث يتم بيع الكهرباء للحكومة، أو يتم السماح للشركات ببيعها مباشرة للمستهلكين، مما يوفر حلاً مستداماً لمشكلة انقطاع الكهرباء.

قطاع الإسكان وإعادة الإعمار

إعادة بناء المنازل المدمرة وإعادة توطين النازحين تمثل تحدياً كبيراً للحكومة. يمكن من خلال PPP إطلاق مشاريع الإسكان الاجتماعي لضمان توفير مساكن جديدة دون تحميل المواطنين أي تكاليف مباشرة. كما يمكن إعادة تأهيل المناطق الحضرية المتضررة بالتعاون مع شركات البناء الخاصة، من خلال تمويل حكومي مباشر من صندوق إعادة الإعمار والإسكان.

ضمن هذا الإطار، يمكن إعادة بناء الأحياء السكنية في شرق حلب وداريا بتمويل من الصندوق الوطني للإسكان، بحيث يتم تنفيذ المشاريع من خلال عقود مباشرة مع شركات البناء، مقابل مدفوعات مجدولة من الصندوق. بمجرد اكتمال إعادة الإعمار، تعاد المنازل إلى أصحابها الأصليين دون تحميلهم تكاليف، أو عبر أقساط رمزية ميسرة بقروض طويلة الأجل مدعومة.

قطاع الصحة والخدمات الطبية

يعد تحسين قطاع الصحة أمراً ضرورياً لضمان توفير الخدمات الطبية للسكان. يمكن عبر PPP إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية، بالشراكة مع شركات تشغيل طبية خاصة، مما يضمن تحسين جودة الخدمات الصحية بتكاليف تشغيل أقل على الحكومة.

على سبيل المثال، يمكن إعادة تشغيل مستشفى تشرين العسكري عبر شراكة مع شركات طبية متخصصة، مما يساعد في تحديث المرافق الطبية وتحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة.

قطاع التعليم والتدريب المهني

إعادة بناء قطاع التعليم ضرورية لضمان مستقبل مستدام لسوريا. من خلال PPP، يمكن إعادة بناء المدارس والجامعات التي دُمرت خلال الحرب، وتطوير مراكز تدريب مهني لإعداد اليد العاملة لسوق العمل الحديث.

أحد المشاريع المحتملة هو إنشاء جامعة تقنية بالشراكة مع شركات التكنولوجيا العالمية، مما يوفر للشباب السوري فرصاً لتعلم المهارات الرقمية والتكنولوجية الحديثة، ما يسهم في تطوير الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية للكوادر الوطنية.


في الجزء الثاني من السلسلة – نقدّم تفاصيل عن كيفية تمويل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)

 

 

ترك تعليق

التعليق