تعويم الليرة.. كخيار اقتصادي إجباري

 

لفتت تصريحات حاكم المصرف المركزي، عبد القادر حصرية، لصحيفة فايننشال تايمز الأمريكية، قبل أكثر من أسبوع، إلى نية المصرف تعويم الليرة في المرحلة القادمة، أو ما أطلق عليه التعويم المدار. هذه التصريحات أثارت انتباه الكثير من المحللين الاقتصاديين، سيما وأن هذه التجربة كان المصرف المركزي قد نفذها في العام 2007 وحتى العام 2019 تقريباً، واستطاع من خلالها الحد من تقلبات العملة بشكل حاد، وخصوصاً بعد أحداث الثورة السورية في العام 2011، حيث ظل سعر صرف الليرة دون الـ 1000 ليرة لكل دولار وذلك إلى ما قبل العام 2020.

التعويم المدار يقصد به تحرير سعر صرف الليرة وفقاً لقانون العرض والطلب، مع إمكانية أن يتدخل المركزي في حال حدوث ارتفاعات أو انخفاضات حادة في سعر الصرف، وهذا يفترض أن يكون لدى المصرف المركزي كتلة مالية جيدة من الدولار، يستطيع من خلالها المضاربة وتغيير اتجاه السوق إذا لزم الأمر، وهو ما كان يفعله النظام السابق عندما كان لديه احتياطي نقدي من الدولار يتجاوز الـ 16 ملياراً، إذ أنه استخدم جزءاً منه في محاولة السيطرة على سعر صرف الليرة وعدم السماح بانهيارها بشكل كامل، من خلال عقد جلسات تدخل، كان يبيع فيها الدولار لشركات الصرافة. وعندما خسر القدرة على التدخل في الأسواق، أصدر قوانين تجرم التعامل بالدولار، وحاول تثبيت سعر الصرف من خلال البطش، لكنه لم ينجح وانهارت الليرة في عهده إلى أدنى مستوى لها في تاريخها.

لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: هل يملك المصرف المركزي في الوقت الحالي احتياطي معقول من الدولار أو العملات الصعبة، لكي يعلن بأنه يتجه نحو سياسة التعويم المدار..؟

يرى الكثير من المراقبين، أن تعويم الليرة وتركها لقانون العرض والطلب دون تدخل من الدولة، هو خيار اقتصادي إجباري لا مفر منه، على الأقل لمدة ثلاث سنوات قادمة، بسبب أن المركزي لا يملك الاحتياطي الكافي من العملة الصعبة التي تسمح له بالسيطرة على سوق الصرف، بالإضافة إلى أن الدولة لا تزال فاقدة للسيطرة على أجزاء كبيرة من البلد، وبالتالي فإن أي حديث عن تعويم مدار في الفترة الراهنة ما هو إلا مجازفة كلامية غير محسوبة، كما أنها تتعارض مع تصريحات أكثر من مسؤول اقتصادي، كانوا قد أعلنوا بأن سوريا سوف تنتهج نمط السوق الحر والمفتوح، أي أن الدولة لن تتدخل سوى بالقوانين والتشريعات التي تنظم عمل هذا السوق.

من جهة ثانية، قد يرى البعض أن قرار تعويم الليرة سوف يكون له مخاطر كبيرة على الاقتصاد السوري، أولها أن المصرف المركزي لن يكون قادراً على كبح جماح أي تضخم في حال حدوثه، وثانياً فإن عدم استقرار سعر الصرف والسلع هو من العوامل التي تؤدي إلى إضعاف بيئة الاستثمار في أي بلد.. وهنا نعتقد أن هاجس المصرف المركزي في المرحلة القادمة، يجب أن يكون من خلال تعزيز بيئة العمل المصرفي في سوريا، وأن يكون هو القائد والموجه لهذا العمل، بحيث أنه يستطيع السيطرة على سعر الصرف والتضخم من خلال قرارات أسعار الفائدة دون الحاجة لأي تدخل مباشر.

وهذا يتطلب أن يعمل المصرف المركزي على تعزيز الاستقرار النقدي والمالي وحماية المستهلك من خلال الرقابة الفعالة على المؤسسات المرخصة والإدارة الرشيدة للاحتياطات والبنية التحتية المالية القوية والآمنة مع اعتماد التقنيات الرقمية.

 

ترك تعليق

التعليق