آثار الانقسام النقدي في سوريا.. بين الليرتين السورية والتركية

 

نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً سلّط فيه الضوء على انقسام سوريا نقدياً، بين مناطق لا تزال تتعامل بالليرة التركية، وأخرى تتعامل بالليرة السورية، وهو ما أدى إلى تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، تشمل ظهور أسواق سوداء، وتفاوت أسعار السلع، واستغلالاً تجارياً يؤثر مباشرة على حياة المواطنين، وفق ما نقل الموقع عن مراقبين.

وقد بدأ التعامل بالليرة التركية في الشمال السوري منذ عام 2020 بسبب انهيار قيمة نظيرتها السورية. وما تزال التركية تُستخدم بشكل رئيسي في مناطق شمال غرب سوريا، خاصة إدلب، عفرين، أعزاز، شمال حلب. فيما لا تزال العملة السورية الرسمية هي السائدة في دمشق، وحلب المدينة، وحمص، اللاذقية، طرطوس، وأجزاء من ريف دمشق، والمناطق الوسطى والجنوبية.

يقول تقرير "الجزيرة"، إن الانقسام النقدي يعيق التجارة الداخلية، إذ يرفض بعض تجار إدلب وحلب قبول الليرة السورية بسبب تذبذبها، في حين يعتمد السكان الذين يملكون مصالح بمئات ملايين الدولارات على الليرة التركية حصراً.

وفي المقابل، يواجه سكان دمشق صعوبة في التعامل بالليرة التركية لندرتها، ويرفض العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم والمحال التجارية التعامل بها.

ويؤثر تفاوت سعر الصرف بين الليرتين على الحياة اليومية، حيث يتعرض الشمال لتذبذب قيمة التركية مقابل الدولار مما يرفع أسعار السلع، بينما تعاني المناطق الجنوبية من ضعف القدرة الشرائية لليرة السورية.

ويقول أيهم نجمة أحد سكان مدينة حماة، في حديث للجزيرة نت:

سعر ربطة الخبز في إدلب يتراوح بين 5-7 ليرات تركية (0.15-0.20 دولار) وفي دمشق بين 2000-3000 ليرة سورية (0.20-0.30 دولار).

لتر البنزين يكلف في الشمال 25-30 ليرة تركية (0.75-0.90 دولار) وفي دمشق 10000-12000 ليرة سورية (1.00-1.30 دولار).

 الأدوية في إدلب أرخص نسبياً بسبب الاستيراد من تركيا، لكن في دمشق قد تصل تكلفة علبة دواء إلى 20000-30000 ليرة سورية (2.00-3.00 دولار).

وأضاف المواطن: "انتشرت أسواق سوداء لتجارة العملات في المناطق الحدودية، حيث يستغل السماسرة تذبذب أسعار الصرف، مما يزيد من الفوضى النقدية ويعيق الاستثمار".

ويلفت إلى أن هناك تجاراً "يرفعون الأسعار بشكل مصطنع ويفرضون التعامل بعملة معينة، مثل تجار في إدلب يسعّرون بالدولار ويطالبون بالدفع بالليرة التركية بسعر صرف مرتفع، أو في دمشق حيث يرفض تجار آخرون خفض الأسعار رغم تحسن الليرة السورية".

وتعاني الأسر من انخفاض القدرة الشرائية، إذ يبلغ متوسط الرواتب في القطاع العام بدمشق حوالي 280 ألف ليرة سورية (30 دولاراً) وهي رواتب لا تكفي سوى لتغطية 2% من تكاليف المعيشة.

ويعتمد كثيرون على الحوالات الخارجية، لكن قيمتها تتآكل بسبب التضخم وتكاليف تحويل العملات.

ويقول المواطن أيمن الحداد إنه حمل معه من إدلب قطعاً نقدية من العملة التركية إلى ريف دمشق بعد تحريره، لكنه صُدم بعد أن رفضت جميع المحال بيعه بالعملة التركية، مؤكداً أنه أُجبر على الذهاب لمحل صرافة.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن الليرة التركية الواحدة كانت تساوي 350 ليرة سورية، لكن محل الصرافة احتسبها بـ280. وعند سؤاله عن السبب، قال "إنه وضع هامش ربح بسبب تقلبات أسعار الصرف، ولأنه لا أحد يتعامل بالليرة التركية، كي لا يتعرض لخسائر".

وتابع أنه عند شرائه وجبة من الدجاج في أحد أسواق دمشق، لم يقبل البائع في البداية العملة التركية ولا الدولار، لكنه عاد وقبلها بعد أن دفع ثمن الوجبة 3 أضعاف سعرها في إدلب، معتبراً ذلك بمثابة استغلال يجب أن ينتهي بشكل سريع.

من جهته، قال مصدر حكومي في مؤسسة النقد إن بعض محال الصرافة استغلوا الفترة التي تلت سقوط النظام، وبدؤوا بتصريف العملات مع وضع هامش كبير للربح، وذلك قبل تفعيل المؤسسات المالية خلال الفترة الماضية.

وقال المصدر -في حديث للجزيرة نت- إنه تم وضع آلية تشمل تراخيص لمحال الصرافة، مع وضع مبلغ تأمين لحماية ودائع الزبائن، ووضع شاشة رقمية في كل محل يتمكن الزبون من خلالها رؤية أسعار الصرف للبيع والشراء.

وأضاف: "لا يستطيع صاحب المحل أن يبيع بهامش ربح، حيث يمكن للزبون تقديم شكوى ضده في حال إخلاله بالأسعار الرسمية".

وقال الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل في حديث للجزيرة نت "التحول إلى الليرة التركية في مناطق الشمال السوري جاء نتيجة طبيعية لانهيار الليرة السورية، والتضخم المفرط، وغياب الاستقرار النقدي، إلى جانب العلاقات الاقتصادية القوية مع تركيا ورفض السكان التعامل بعملة النظام".

وأضاف: "هذا الانقسام النقدي أدى إلى تفكك السوق السورية، وخلف صعوبات في حركة البضائع ورأس المال بين المناطق، كما ساهم في نشوء بيئات اقتصادية متباينة أضعفت فرص التكامل الوطني".

وحذر المغربل من أن هذا الوضع قد يعزز احتمالات حدوث انقسام اقتصادي دائم، خاصة مع نشوء مؤسسات نقدية محلية وهويات اقتصادية مختلفة، رغم أن هذه الخطوة كانت في بدايتها مؤقتة وتهدف إلى احتواء الأزمة، وفق تعبيره.

ولفت إلى أن اختلاف سعر الصرف بين الليرتين التركية والسورية تسبب في تفاوتات واضحة في القوة الشرائية، فسكان الشمال يتأثرون بتقلبات الليرة التركية، بينما يعاني الجنوب من تآكل القدرة الشرائية نتيجة التضخم.

وقال أيضاً: "غياب الرقابة الاقتصادية الموحدة ساهم في انتشار السوق السوداء، ففي الشمال تنتشر مكاتب صرف غير مرخصة، وفي الجنوب يتحكم السماسرة بأسعار الصرف لتحقيق أرباح سريعة على حساب الاستقرار".

وأضاف أن هناك تجاراً في الشمال "يفرضون التعامل بالليرة التركية أو الدولار لتجنب تقلبات الليرة السورية، وهذه الظاهرة تحتاج إلى ضبط وتنظيم السوق وتعزيز الرقابة القانونية".

وفي ما يخص السيناريوهات الممكنة لمعالجة الوضع، قال المغربل: "أبرز الحلول هو توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل الموحد بالليرة السورية، وهناك بالفعل مؤشرات قوية نحو إمكانية تحقيق ذلك في المستقبل القريب".

وأضاف أنه لبناء وحدة اقتصادية سورية، يجب أولاً ضمان استقرار العملة الوطنية، وبناء مؤسسات مالية شفافة، وتوحيد الأنظمة الضريبية والجمركية. والأهم إعادة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين في جميع المناطق.

ومن جهته يقول الباحث الاقتصادي أسامة العبد الله -للجزيرة نت- إنه لمعالجة هذه الأزمة يجب التركيز على توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل بالليرة السورية كعملة وطنية موحدة. ودعم استقرار العملة الوطنية من خلال تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وتشديد الرقابة على مكاتب الصرف غير المرخصة، ومكافحة السوق السوداء. وبناء مؤسسات مالية شفافة، مثل إنشاء هيئات مالية مستقلة ومحايدة لضمان إدارة نقدية موثوقة وتقليل الفساد.

وبدوره يقول أسامة سليم الذي يعمل بالمنظمات الدولية -في حديث للجزيرة نت- إن الليرة التركية "تحقق أرباحاً كبيرة جراء تداولها في شمال سوريا، حيث تدخل مبالغ بمئات ملايين الدولارات سنوياً إلى سوريا، ثم يتم صرفها بالليرة التركية وتحويلها في معظم الأحيان إلى الليرة السورية".

ويشير إلى أن الدعم الأوروبي الموجه لتنفيذ مشاريع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحوالات المغتربين يتم إيداعها في البنوك التركية بالدولار ثم تصرف بالليرة التركية.

ويعتقد سليم أن الاستغناء عن الليرة التركية في هذا الوقت قد يواجه برفض شعبي وآخر من جانب التجار بسبب استقرارها.

ترك تعليق

التعليق