النظام ينشئ محاكم تموينية بدلاً من"العسكرية"..ومراقبون يحذرون من عدم النزاهة

مخاوف من جور الأحكام على الفعاليات الاقتصادية فأخطر الضبوط التموينية يطوى بالرشاوى

انتقال حلقة الفساد من المحاكم العسكرية إلى التموينية لغياب قضاة مختصين


بقيت القضايا التموينية منذ أن صدر قانونا التموين والتسعير رقم 123 لعام 1960 وقمع الغش والتدليس رقم 158في ذات العام من اختصاص المحاكم العسكرية، فالقانون الأول أجاز للقضاء العسكري في حالة الطوارئ أو التعبئة الجزئية أو العامة أو في حالة الحرب النظر في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وذلك فيما يتعلق بالمواد الاستهلاكية على أن تطبق المحاكم العسكرية عند النظر في هذه الجرائم أصول المحاكمة المتبعة لديها وتكون أحكامها قطعية وتنفذ فور صدورها.

ومن هنا بقيت القضايا التموينية بسبب هذه المادة مناطة ولمدة 53عاما في المحاكم العسكرية، وهذا مايخالف -حسب خبير قانوني- قواعد الدستور السوري والذي ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون وأن كل متهم بريء حتى يُدان بحكم قضائي مبرم في محاكمة عادلة، وأن حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصانة بالقانون.

وتكمن أوجه المخالفة ـحسب الخبير القانونيـ من كون المحاكمة العسكرية غير عادلة لأن الحكم الصادر من خلالها غير خاضع للاستئناف، كما إن حق الطعن غير مسموح فيه حيث إن حكم المحكمة العسكرية قطعي ولايتيح للمتهم الدفاع عن نفسه.

أضف إلى ذلك فإن القانون رقم 123 أقر محاكمة المتهمين على وجه الاستعجال في القضايا التي ترفع فيها الدعاوى، لكن ماكان يحدث هو أن القضايا التموينية كانت تبقى لسنوات في المحاكم العسكرية ماتسبب بتلف الكثير من المواد المصادرة والمحجوزات إلى حين التحقق من سلامتها وتبرئة التاجر ما تسبب بخسائر فادحة لرجال الأعمال، وخاصة أنه لايحق لمديريات التموين التصرف بالمحجوزات سواء أكانت نقدية أم عينية دون صدور حكم قضائي مبرم فيها.

ورغم أن المشرع السوري استدرك هذا الأمر بعد مرور نصف قرن على إجحاف المتهمين بقضايا السوق في محاكم عسكرية وذلك من خلال إصدار المرسوم رقم 9 لعام 2013 والخاص بإحداث محاكم جزائية تموينية بدائية واستئنافية للنظر في القضايا التموينية في الأسواق، إلا أن المرسوم لن يكون له حسب مراقبين للسوق أثره على المدى القريب وإنما على المستوى البعيد وإلى حين انتهاء الأزمة على أقل احتمال، حيث إن ضبط السوق حسب مصادر في مديرية التموين أمر في غاية الصعوبة حالياً بسبب معاناة التجار في الاستيراد والنقل وزيادة التكاليف مايضطر عناصر التموين للتغاضي عن مخالفاتهم، أضف إلى ذلك فإن نقص كوادر التموين وتخوفها في ظل انتشار أعمال العنف في مختلف المناطق والمحافظات يمنعها من مراقبة السوق وتسطير المخالفات، حيث إن عدد الضبوط في دمشق لوحدها قبل الأزمة كان يتراوح بين 70 إلى 80 ضبطاً يومياً، ولكن نتيجة لظروف الأزمة انخفض عدد المخالفات إلى أقل من النصف.

ويتخوف مراقبون في السوق من أن تجور الأحكام على الفعاليات الاقتصادية بالبلد، محذرين من عدم نزاهة القضاة في المحاكم الجديدة، وخاصة أن العارفين بأمور السوق يعلمون تمام العلم بأن أخطر الضبوط التموينية كان يطوى غالباً بالرشاوى، أضف إلى ذلك فإن عدم وجود قضاة متخصصين بالمحاكم التموينية ينبئ بأن القضاة في المحاكم القديمة هم أنفسهم من سيكون لهم آلية الفصل في المحاكم الجديدة، وبالتالي انتقال حلقة الفساد من المحاكم العسكرية أو المدنية غير التخصصية إلى المحاكم الجديدة، حيث لايوجد نص في قانون السلطة القضائية يفرض ثقافة واختصاص معين للقاضي في ممارسة الفصل والحكم في الدعاوى.
ورغم ذلك يتفاءل آخرون بأن المحاكم الجديدة تمنح طرفي الدعوى الجزائية حقاً في ممارسة الدفاع، حيث تنشر الدعوى ثانية أمام محكمة استئناف الجنح وبذلك تتحقق العدالة خلال إجراءات محكمة البداية الجزائية ثم محكمة الاستئناف الجزائية.

يذكر أن القضايا التي ستحال للمحاكم الجديدة تتعلق بمجملها بجرائم الغش والتدليس، مثل الخداع أو الشروع في خداع المتعاقد معه في عدد البضاعة أو مقدارها أو مقاسها أو كيلها أو وزنها أو طاقتها أو عيارها، وفي ذات البضاعة وحقيقتها ونوعها أو أصلها أو مصدرها.

ترك تعليق

التعليق