دمشق وطهران.. روابط اقتصادية لاتقل متانة عن الحلف السياسي والعسكري

كتب الخبير الإيراني مجيد رافي زاده مقالا تحليليا حول الروابط الاقتصادية التي عملت طهران على ترسيخها مع دمشق، معتبرا أنه ينبغي الالتفات إلى ماوراء العلاقات الجيوسياسية والاستراتيجية، وبمعنى آخر إلى الشريان الاقتصادي الذي يمتد بين طهران وحليفها الأول في المنطقة، بل والعالم، حيث يبدو أن البلدين أنشآ بينهما حلفا اقتصاديا، لا يمكن أن يقل متانة عن الحلف السياسي والعسكري.

رافي زاده الذي يرأس "المجلس الأمريكي الدولي" رأى أن تحالف طهران مع دمشق، أعطى الأولى قوة رفع مؤثرة أمام الدول الغربية، خصوصا الولايات المتّحدة. فسوريا هي الوكيل الإقليمي الأكثر أهمية لإيران، وإبعاد بشار الأسد سيؤدي إلى "لخبطة" كل القطع على رقعة لعب إيران الاستراتيجية.. مثل هذه النتيجة سيكون لها تأثيرات كبرى على قوة إيران الرافعة إقليميا ودوليا.

اتفاق مميز
وتابع رافي زاده: استثمرت إيران كمية كبيرة من المال، الموارد، القوات المدربة، والقوة العاملة في سوريا. وتزايدت هذه الاستثمارات في السنوات القليلة الماضية على وجه التحديد، قبل أن يثور بركان الاحتجاج في مختلف المدن السورية، ورغم أن معظم الأموال والموارد الإيرانية وظفت في قطاعي النقل والبنة التحتية، فإن الروابط الاقتصادية الإيرانية السورية لم تبق محصورة ضمن هذه المجالات.

فقبل شهور قليلة من اندلاع الثورة السورية، وقعت طهران اتفاقية مشروع بـ10 مليارات دولار، لمد أنبوب غاز طبيعي من إيران إلى سوريا عبر العراق.

ولفت الخبير الإيراني إلى أن المرشد الأعلى في إيران (خامنئي) "دعم تخصيص 5.8 مليار دولار، كمساعدة لسوريا".

لكن الاتفاقية الاستثنائية التي وقّعت قبل نشوب الأزمة في سوريا، كانت منصبة على تأسيس مصرف مشترك يكون مقره دمشق، على أن تمتلك إيران 60 بالمئة من أسهمه. هذه الاتفاقية مميزة لأنها كانت ستسمح لإيران – لو نُفّذت- بفتح محاور تمويل جديدة لإتمام صفقاتها ومشروعاتها في سوريا.
لم تكن سوريا وقت توقيع الاتفاقية خاضعة لأي عقوبات دولية، وكانت المصارف السورية تتعامل بشكل اعتيادي مع نظيراتها في الغرب.

تكتل اقتصادي
وقال رافي زاده في مقاله: الاتفاقية الأكثر شمولا جاءت قبيل الثورة السورية أيضا، وتمت مناقشة بنودها بين رئيس النظام السوري ونائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي بالتحديد، وهدفت هذه الاتفاقية إلى تأسيس تكتل اقتصادي إقليمي.

وكنتيجة لتلك المشاورات تم التوقيع على 17 اتفاقية، ركزت بشكل أساسي على مجالات التجارة، الاستثمار، التخطيط والإحصاء، الصناعات، النقل البحري والجوي والسككي، تقنية المعلومات، والصحة.

لكن الحزم الأخيرة من العقوبات التي فرضت من المجموعة الدولية، وجامعة الدول العربية وتركيا، برأي رافي زاده "أدت إلى تعليق كل الاتفاقيات السابقة، ما رتب ضغوطا هائلة، تمثلت في تدهور الليرة السورية وارتفاع جنوني في أسعار الغذاء، على وقع ارتفاع كبير في الإنفاق العسكري، رفع حجم النفقات بمقدار 19 مليار دولار في عام 2011 وحده، مقابل تراجع الإيرادات الحكومية بمقدار 2.3 مليار".

ورغم تأكيدات المسؤولين الإيرانيين المتكررة بأن تحالفهم الاقتصادي مع سوريا لن يهتز، ولن يتأثر بالحالة الأمنية المتدهورة بعد اندلاع ثورة السوريين، يؤكد الخبير الإيراني أن "الشركات السورية الرسمية ورجال الأعمال باتوا يعانون عقبات متزايدة في التجارة وإبرام الصفقات مع إيران؛ بسبب القيود على تحويل الدولار". 

تواصل الضغوط الاقتصادية على كلا البلدين، دفعهما لتوقيع اتفاقية تجارة حرة رمزية في ديسمبر/كانون أول 2011. وجاء هذا التحرك محاولة لتقليل تأثيرات العقوبات الاقتصادية المفروضة من أمريكا، الاتحاد الأوربي، وبعض أعضاء جامعة الدول العربية.

وطبقا لهذه الاتفاقية سيتم تحرير التجارة بين شركات البلدين المملوكة للدولة، كما سيتم تخفيض الرسوم الجمركية لتسهيل التبادل التجاري أملا في رفع حجمه إلى 5 مليارات دولار سنويا، وقد انبرت سوريا لتخفيض الرسوم على السلع السورية المصدرة إلى إيران بمقدار 60 بالمئة. 

ويختم رافي زاده: من الواضح أنّ إيران لديها مصالح جيوبوليتيكية واسترايجية كبرى في سوريا، وسوريا بالمقابل تمثل شريان حياة اقتصادياً حيوياً لإيران، وبسبب الأزمة الراهنة في سوريا، فإن استثمارات إيرانية بمليارات الدولارات ستبقى مجمدة، حتى إشعار آخر.. أي حتى ما تمني به إيران نفسها من استعادة بشار الأسد لزمام السلطة والمبادرة، أو حتى يحدث العكس من ولادة نظام جديد.

ترك تعليق

التعليق