سوريا الحمراء المشعة.. قصة الفليفلة الحلبية والجفاف والثورة!

 

 النظام أساء إدارة الموارد وأهمل الزراعة وبات الفقراء ينافسون الفقراء


60 % من مساحة سوريا شهدت أسوأ موجة جفاف بين 2006 و 2011

 تراجع الزراعة في الناتج المحلي إلى 17 % فقط في 2008
 
200 قرية في الريف الحلبي أصبحت خاوية على عروشها بين 2007 و2011

 


قال باحثان من مركز "المناخ والأمن" في واشنطن، إن البذور الأولى لما تعانيه سوريا اليوم من خسائر وتوترات، "زرعت" قبل 5 سنوات.

 واعتمد "فرانشيسكو فيميا" و"كايتلين ويريل" في استنتاجهما المثير على دراسة حديثة بعنوان "الربيع العربي والتغير المناخي"، وصلت إلى ما فحواه : أنه ما من مكان في العالم يرتبط فيه التغير المناخي بالتوتر والصراع أوضح مما ظهر في سوريا.
 
الأسوأ على الإطلاق
 
في عام 2011، أصدرت الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي (NOAA) تقريراً يبين أن الجفاف في مناطق حوض البحر المتوسط، والشرق الأوسط مرتبط مباشرة مع تغير المناخ.
 ويقول "فيميا": كنا ننظر في الخريطة وكانت سوريا مميزة بلون أحمر مشع، موضحاً أن "الأحمر" يدل على جفاف طويل المدى، وأن سوريا كانت من بين أكثر المناطق معاناة في هذا الشأن.
 وللمفارقة فإن لون سوريا على خريطة الجفاف، يشبه كثيراً الفليفلة الحلبية الحمراء الحارّة، التي يصنع منها أكثر السكان مسحوقاً يسمونه "المحمرة"، فضلاً عن استخدامها في المكدوس، أشهر طعام في "المونة السورية".
 
بين 2006 و 2011، قرابة 60 في المئة من مساحة سوريا شهدت أسوأ موجة جفاف تم تسجيلها على الإطلاق، فتحولت أراض زراعية خضراء شاسعة إلى قاع مقفرة مغبرة، وصفها فيما و ويريل بأنها "أسوأ مجموعة جفاف شديد وطويل المدى، وأسوأ تلف في سلة المحاصيل، منذ بزوغ فجر الحضارات الزراعية في منطقة الهلال الخصيب قبل آلاف السنين"!
 
مهتدي شهرزاد في دراسة له في نشرة "علماء الطاقة الذرية"، يقول كلاماً قريباً من هذا، مبيناً أن سوريا لم تكن من المناطق المعرضة للجفاف تاريخياً، وأن هناك 6 موجات جفاف يمكن تمييزها بين عامي 1900 و 2005، كل هذه الموجات استمرت موسماً واحداً، إلا موجة واحدة استغرقت موسمين، وحينها كانت المجتمعات الزراعية قادرة على الصمود في وجه قلة الأمطار عن طريق الاعتماد على مخزونات احتياطية.

 وبقدوم موسم 2006 حل جفاف مدمر، أنهك حوالي 75 بالمئة من المحاصيل، وأفقد الرعاة في شمال شرق البلاد معظم مواشيهم وبالتالي سبل عيشهم.
 
عميقاً تحت السطح
 
في عام 2003، شكّلت الزراعة ربع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، لكن في 2008 تراجعت النسبة إلى 17 بالمئة فقط، وفقا لمكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث.

 وهكذا بدأت التداعيات الخطيرة تظهر مع تأثر حوالي 1.3 مليون سوري، اضطر معظمهم للانخراط في نزوح جماعي.

 بين 2007 و 2010، ما لا يقل عن 200 قرية قرب حلب تزرع الفليفلة الحمراء على مساحة مئات الهكتارات، أصبحت خاوية على عروشها، وتدفق مئات الآلاف من المزارعين والرعاة نحو المدن، تاركين خلفهم مناطق الريف السوري.

 ويرى "فيميا" و "ويريل" أن هذه الهجرة رتبت ضغوطاً إضافية على السكان المحرومين أصلاً في المدن السورية، فضلاً عن المشاكل التي أوجدها تدفق اللاجئين العراقيين بعد الغزو الأمريكي في عام 2003.

 ويضيف "فيميا": لم تعط المناطق الريفية والمراكز الحضرية ما يلزمها من مساعدات مالية للاستمرار، وأساء نظام بشار الأسد إدارة الموارد الطبيعية، مثل المياه، متجاهلاً إلى حد كبير الزراعة المستدامة، الأمر الذي فاقم الوضع.

 وبينما أصبحت المياه شحيحة، تحول المزارعون بشكل لافت إلى المياه الجوفية، وهو ما حذّر منه المركز السوري للأبحاث الزراعية، حين أشار إلى زيادة في عدد الآبار من حدود 135 ألف بئر في عام 1999 إلى أكثر من 213 ألف بئر في 2007.

 وقد أدى هذا الاستنزاف للمياه الجوفية، إلى هبوط مستوياتها في أجزاء كثيرة من البلاد.
 ويعلق "فيميا": كان هناك الكثير من الاضطرابات تجلى أبرزها في الهجرة.. لكن معظم الاضطرابات كان تدور تحت السطح.. عميقاً بحيث لا يمكن لأي تقارير رصدها.
 
نُذرٌ

 
انتقل المهاجرون إلى المدن واصطدموا بواقع البطالة وعدم قدرتهم على تحصيل وظائف، وأصبحوا بالكاد قادرين على إطعام أسرهم، فتوترت الأوضاع بشكل كبير، وبات الفقراء مضطرين لمنافسة نظرائهم من سكان التجمعات الفقيرة، ليس على الوظائف الشحيحة فقط، ولكن أيضاً على المياه.
 
كانت مشاعر السخط على وشك الانفجار، وربما لم يكن مصادفة أن تنطلق الاحتجاجات من محافظة درعا الزراعية، التي عانت أكثر من غيرها من تبعات الجفاف، وسياسات النظام العقيمة في معالجة تداعياته.
 
في نهاية المطاف، تفجرت الاحتجاجات خلال ربيع 2011، وعمّت المظاهرات مختلف أنحاء البلاد، معلنة أن الربيع العربي قد وصل محطته السورية.

 ولكن حتى إذا تم إسقاط بشارالأسد، فإن الوضع البيئي ليس من المحتمل أن يتحسن قريباً، فشبح الجفاف ما يزال مخيماً، وتوفر المياه ما يزال يمثل مشكلة.
 
أما التوقعات فتشير إلى أن تواصل المعدلات الحالية للاحتباس الحراري، ينذر بخفض غلّة المحاصيل البعلية في سوريا ما بين 29 و 57 في المئة، خلال الفترة الواقعة بين 2010 و2050".

 دراسات أخرى ترسم صورة أكثر قتامة، حيث يمكن أن يصبح الجفاف أكثر تواتراً ونقص المياه أشد سوءاً، ما ينذر بتفجر مزيد من الاضطرابات، وفقاً لما تنبأ به الفريق الدولي المعني بتغير المناخ، والذي يرصد ويقيم تغير المناخ في أكثر من 190 دولة.سوريا الحمراء المشعة.. قصة الفليفلة الحلبية والجفاف والثورة!

ترك تعليق

التعليق