سوريون يحكون لـ"اقتصاد "قصصاً عن خسائرهم في المفروشات والأدوات المنزلية

تجارة رائجة للعفش المستعمل و فتوى تحرّم الشراء من أسواق الشبيحة

عقبات بعض المخاتير والحواجز العسكرية

سوريون يبيعون مفروشاتهم بأقل من سُدس سعرها


أبت المأساة إلا أن تطاول كل جوانب حياة السوريين، وأن تنال من كل غالٍ ونفيس لديهم، وفي ذلك لم تكن المفروشات والأدوات المنزلية والكهربائية استثناءً.

يروي ماجد لـ" اقتصاد "كيف باعت زوجته في سوريا عفش بيتهم المستأجر بأسعار بخسة،ويوضح: "فرشت بيتي قبل زواجي منذ أكثر من خمس سنوات بتكلفة قاربت 250 ألفاً، وهو رقم متواضع بالنسبة لمفروشات البيوت في سوريا، وذلك بحكم وضعي المادي، لكن رغم ذلك كانت تلك الأدوات والمفروشات بسعرها المنخفض أجمل شيء في حياتي أنا وزوجتي، بكل تفاصيلها الدقيقة، كانت مملكتنا الصغيرة".

يستطرد ماجد رواية قصته لـ اقتصاد، فبعد أن فقد عمله في معمل للصناعات الغذائية بسبب تراجع أرباح المعمل وقرار صاحبه بالتخلص من جزء كبير من العمالة لخفض النفقات، بحث ماجد عن عمل بكل الطرق المتاحة، وبقي في محاولاته الحثيثة تلك أكثر من ثلاثة أشهر، كانت كل فرص العمل التي أتيحت له لا يكفي مدخولها إيجار البيت وتكاليف المعيشة المتفاقمة في سوريا، فقرر مغادرة البلاد إلى مصر، وبعد فترة قرر جلب زوجته وابنته من دمشق إلى القاهرة.

قرر بيع عفش البيت بعد أن أعلمه الجميع أن المنازل غير المسكونة في معضمية الشام بريف دمشق عادة ما تتعرض للنهب، إلى جانب تفاقم القصف عليها...كان ذلك قبل ثلاثة أشهر من الآن، أما اليوم فعمضمية الشام بريف دمشق لم تعد مناسبة للحياة الآدمية، بسبب تحول قذائف الهاون إلى قصف صاروخي كثيف أحال معظم مساكن المعضمية إلى دمار.

يخبرنا ماجد كيف باعت زوجته الأثاث قبل ثلاثة أشهر:"يومها كان هناك حركة نزوح كثيفة من داريا، الكثير من سكان تلك البلدة فضلوا الالتجاء إلى معضمية الشام واستئجار بيوت فيها علّ الأحوال تتعدّل بعد فترة فيرجعون بيوتهم، ولأن الكثير منهم نهبت بيوتهم، أو دمرت بما فيها، فقد أخذ هؤلاء يشترون فرشاً مستعملاً، وأصبح هناك تجار يديرون هذه العملية".

روى لنا ماجد أن معارف كثر له في المعضمية بدؤوا يعملون في هذا المجال، يشترون فرش بيوت من أصحابها الذين يريدون مغادرة البلدة، أو كامل سوريا، وهم كُثر، ومن ثم يبيعونها بأسعار أعلى لمن يريد شراء فرش مستعمل من النازحين من مناطق أكثر سخونة، وهم كانوا أيضاً كُثر، فنشأت تجارة العفش المستعمل بصورة كبيرة ولافتة، في الكثير من بلدات ريف دمشق في نهايات العام المنصرم قبل أن تتحول معظم هذه البلدات إلى مناطق غير مأهولة بالسكان.

بربع الثمن
لكن ماجد يقول لـ اقتصاد: "لقد خسرت كثيراً، عفشي الذي كان بـ 250 ألفاً بعته بـ 85 ألفاً فقط، علماً أن قيمة الليرة كانت قد انخفضت إلى أكثر من النصف، أي أنني بأسعار خمس سنوات سابقة، بعت العفش فعلياً بـ 45 أـلف ليرة فقط، وهي خسارة كبيرة آلمتني للغاية، خاصة أنني أستشعر صعوبة تعويض ما خسرته، واليوم أتحسر على عفشي الذي بيع بأسعار بخسة، فيما أنا الآن أعاني من مشكلات المنازل المفروشة في القاهرة التي يندر أن تجد منها منزلاً بعفش جيد يقارب ذلك الذي خسرته في سوريا".

إيهاب قصة أخرى مماثلة، يروي لـ اقتصاد أنه خرج من حرستا بريف دمشق بعد أن تفاقم الوضع وازدادت خطورته، في نهايات العام الماضي، وحينما علم أن قوات النظام سيطرت على أجزاء من قلب حرستا، وتداول معارفه أنباء عن تعرض البيوت للنهب، قرر المخاطرة والدخول إلى حرستا.

يروي إيهاب لـ اقتصاد المشهد: "كانت الحواجز تسمح للناس بالدخول من الساعة السادسة صباحاً حتى الثامنة صباحاً فقط، وبعد الثامنة يبدأ القناصة بإطلاق الرصاص، لذا كنت ترى الناس على طرفي بداية أوستراد حلب عند حرستا كمشهد يوم الحشر، مشهد مؤلم تقشعرّ له الأبدان، والناس يتراكضون بهمة عالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

أوراق ومختار ومعاملة رسمية
يحكي إيهاب لنا قصة شقائه الكبيرة حتى حصل على الأوراق المطلوبة لإخراج عفشه من حرستا، فكان عليه أن يحصل على موافقة مختار المنطقة التي سيحضر إليها العفش، ولأنه قرر بيع العفش لصديق مقيم في المزة، قرر الذهاب إلى مختار المزة وهناك تقدم بالأوراق المطلوبة فعرقلها المختار بحجج مختلفة.

يقول إيهاب: "المختار هناك مكروه، وهو يقف بجانب النظام بصورة فيها صفاقة واضحة، كلما علم أن أحد سكان المزة من المناطق المضطربة أو المنكوبة عرقل له أوراقه، وعقد له أموره، لذا قررت نقلها إلى ركن الدين، لأن المختار هناك أيسر، ومن ثم نقلها من ركن الدين إلى المزة، على أنها عفش منقول من ركن الدين وليس من حرستا، كي لا يأخذ مختار المزة موقفاً منا، فهو يتحسس من سكان مناطق ريف دمشق ومناطق دمشق الثائرة".

حصيلة ما استطاع إيهاب بيعه من عفش بيته العريق، حسب وصفه، لا تتجاوز 35 ألف ليرة فقط، مشهد مؤلم للغاية، فالرجل يروي لنا كيف أنه اضطر لأن يدفع لصاحب "السوزوكي" وللحاجز العسكري بالضاحية بحرستا، الذي "لطش" منه 400 ليرة رغم أن كل أوراقه سليمة، وحينما قدم له 100 ليرة فقط في البداية، قال له الضابط على الحاجز: "ما بتوفي معنا...الشغلة مو جايبة راس مالها".

سوق الحرامية
نادية تروي لـ اقتصاد أنها ممن استغل هذا الظرف، وقرر شراء عفش مستعمل من نازحين يريدون بيع عفشهم خشية أن يُسرق، وقالت لنا نادية أن بعض أصدقائها نصحوها بالنزول إلى "سوق الحرامية" الذي أصبح اسم على مسمى، فالشبيحة يبيعون فيه العفش والأثاث المسروق من المناطق التي يقتحمها الجيش، وبأسعار بخسة للغاية، لكن نادية رفضت ذلك، ككثيرين من معارفها، بسبب فتوى حرمت شراء السلع المسروقة والمنهوبة.

تقول نادية لـ اقتصاد: "في حالة شراء المفروشات والأدوات من نازحين، فأنا أستفيد وأُفيد، فهم إن لم يبيعوها بخسارة ستُسرق، لذلك فغالبيتهم العظمى تبحث عمّن يشتري بأي ثمن، وهكذا أستفيد من جانبي، وأفيدهم، أما لما أشتري من شبيحة النظام، فأنا أشجعهم على السرقة"....وقد أكدت نادية أن معظم معارفها لا يقبلون أن يشتروا من أسواق الشبيحة التي باتت منتشرة بكثرة في المدن السورية التي ما تزال خاضعة للنظام.

خسارة السوريين في المفروشات والأدوات المنزلية والكهربائية، قضية لم تخضع لدراسة، ولا توجد أرقام بهذا الخصوص، لذلك يبدو أنها جانب مُغيّب من فاتورة خسائر السوريين الهائلة بفعل حرب النظام التي يشنها اليوم على شعبه، تلك الفاتورة التي يبدو أنها أكبر بكثير من أكبر الأرقام المتشائمة حول حصيلة خسائر الاقتصاد السوري حتى اليوم.

ترك تعليق

التعليق