بعد نجاتهم من الغرق.. آلاف اللاجئين السوريين في اليونان يعانون من الاحتجاز والتشدد

ثلاثية التشدد والتطرف ورفض اللجوء تحول اليونان إلى جحيم للاجئين السوريين

6500 سوري دخلوا اليونان العام الماضي دخل إلى اليونان

90 % من أصل 17 ألف سوري قدّموا طلب اللجوء في ألمانيا والسويد في 2012 

12 جثة عائدة لسوريين جرفتهم أمواج البحر على سواحل اليونان


في تحقيق موسع لها من اليونان، حاولت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقل جزء من محنة اللاجئين السوريين في هذا البلد، الذين باتوا بين سندان حكومة متشددة ضدهم وجماعات متطرفة معادية لهم.

فعلاوة على المخاطر التي تحملوها للوصول الى اليونان، حيث غرق منهم 12 شخصا على الأقل، فإن السوريين يلاقون بعد وصولهم البلاد واحداً من أقسى أنواع الاستقبال وأشدها فظاظة، حيث تخضع طلبات اللجوء المقدمة من قبلهم إلى إجراءات تشبه تلك المطبقة بحق المجرمين، وهذا ما يفسر أن اليونان لم تمنح خلال العام الماضي أي لجوء لأي سوري، رغم كثرة الطلبات المقدمة.

أقسى استقبال
على شواطئ هذ الجزيرة المطلة على بحر إيجة، تتكسّر أزمة اللاجئين السوريين على صخرة فوضى سياسة الهجرة في اليونان.

محمد, مصمم ويب عمره 28 سنة من حلب، أراد تفادي بؤس مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن، فانقاد مع مهربين أحضروه إلى أوروبا، في رحلة وصفها بالمرعبة حملته من شواطئ تركيا على متن قارب بلاستيكي، في إحدى ليالي فبراير/شباط الباردة، ليتم احتجازه لاحقا من قبل الشرطة اليونانية.

يقول محمد: قبل الحرب، ما كنت لأضع نفسي على مركب وأعرضها لمثل هذا الخطر، رجاء أخبروا الشرطة بأنّني لم آت هنا لعمل أيّ مشكلة، وأن لدي نقوداً.

بينما تدفقت أغلبية السوريين، الذين ناهزوا مليون شخص، إلى دول مجاورة لسوريا، توجه عدد ضئيل جدا من اللاجئين المقتدرين مالياً نحو دول أوروبا الشمالية، حيث فرص اللجوء جيدة نسبيا، لكن أولئك الذين دخلوا عبر اليونان، وجدوا أقسى استقبال.

السلطات اليونانية مخولة باحتجاز طالبي اللجوء لمدة قد تصل إلى 18 شهراً، بينما يدرس مسؤولون طلباتهم بطريقة تشبه دراسة ملفات المجرمين.

في 2012، لم يتم منح أي سوري حق اللجوء في اليونان، طبقاً للمفوضية الأوربية، فبات أكثر اللاجئين السوريين في اليونان ضمن آلاف المهاجرين الآخرين الذين يكافحون من أجل إيجاد فرص عمل، وسط اقتصاد متهاوٍ، متجنبين لفت انتباه كل المسؤولين الرسميين والمتطرّفين المعادين للمهاجرين.

يهربون من الجحيم
خلال السنة الماضية، دخل إلى اليونان بشكل غير قانوني، ما يقارب 6 آلاف و500 سوري، وهو عدد يمثل 6 أضعاف ما سجل في 2011، وفقاً لوكالة حدود الإتحاد الأوربي.

لكن المسؤولين اليونانيين يلفتون إلى أن العدد المذكور لا يمثل إلا من تم ضبطهم وتوثيقهم رسميا، فيما يقدر أن هناك 1500 سوري، نجحوا في دخول البلاد دون ان تكتشفهم الشرطة، واندسوا في صفوف اليونانيين يمارسون العمل دون حصولهم على الرخص المطلوبة.

العدد الأكبر من السوريين يحاول الدخول بحراً عبر الشواطئ التركية، بينما نصبت أثينا سياجاً يمتد 10 كيلومترات، على طول القسم الشمالي للحدود التركية.

يحشر المهربون المهاجرين في مراكب بلاستيكية قابلة للنفخ، ورغم أن المسافة بين تركيا وأقرب جزر اليونان لا تتعدى بضعة أميال، فإن أخطاراً كثيرة تحدق بالمبحرين، من تيارات محليّة وعواصف شتائية، لاسيما أن الرحلات تبحر عادة في الليل.

غرق أكثر من 100 مهاجر، منذ نوفمبر/تشرين الثّاني،منهم على الأقل 12 جثة عائدة لسوريين جرفتهم أمواج البحر، طبقاً لتخمينات خفر السواحل.

يقول الملازم سوفياديليس من خفر السواحل: إنهم سوريون يهربون من الجحيم، نحن قلقون من استمرار المشكلة في صفوف هؤلاء، حتى مع علمهم بالمخاطر التي تهدد حيواتهم.

1500 دولار لموطئ قدم
أغلب المهاجرين السوريين خططوا لمغادرة اليونان إلى شمال أوروبا، وأكثر من 90 % من أصل 17 ألف و300 سوري قدموا طلب اللجوء في ألمانيا والسويد في 2012 نجحوا في نيل مرادهم، طبقاً لمندوب الأمم المتحدة للاجئين.

ومع أن فرصة الحصول على لجوء في اليونان تبدو معدومة، فإن عدداً ضئيلاً من السوريين هنا (فقط 255 شخصاً من أصل 8 آلاف دخلوا بشكل غير قانوني) قدّموا طلبات لجوء.

في يناير/كانون الثّاني، أرسلت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة رسالة إلى وزير الداخلية اليوناني لتأمين لحماية اللاجئين السوريين، طبقاً لما نصت عليه المواثيق الدولية التي تبين حقوق اللاجئين، والتي تعد اليونان أحد البلدان الموقعة عليها، لكن مكتب الوزير اليوناني رفض التعليق على الأمر.

وتقول مصادر في الشرطة اليونانية إنه تم اتخاذ "التدابير الضرورية" لمعالجة ملائمة لوضع السوريين، و"غني عن القول أن من ضمن هذه التدابير هو اعتقال السوريين الذين يحاولون عبور الحدود بشكل غير قانوني"، كما جاء في رد مكتوب من الشرطة.

محمد، مصمم الويب السوري، كان لديه اعتقاد أن الوصول إلى اليونان يساوي كل تلك المخاطرة، لقد كاد على وشك إنهاء رسالة الماجستير في ماليزيا، بينما كانت صواريخ النظام تدك منزل عائلته في حلب.

وبينما هرب بعض أفراد العائلة إلى مخيّمات اللاجئين الكبيرة على الحدود السورية التركية، كان محمد يتطلع إلى مستقبل مشرق في أوروبا، مشبهاً مخيّم اللاجئين بأنه "سجن كبير".

سافر محمد برفقة اثنين من أفراد عائلته نحو ساحل تركيا الغربي، حيث دفعوا للمهربين حوالي 4500 دولار (1500 دولار عن كل شخص)، مقابل أن يحظوا بموطئ قدم على ظهر قارب لا يتعدلى طوله 5 أمتار، حشر على متنه أكثر من 20 مهاجراً، أغلبهم أفغان وصوماليون.

فقر وعنصرية
بدأ المركب يسرب الماء، فما كان من المهرّب التركي إلا أن أمرهم برمي أغلب حاجاتهم خارج القارب، وبعد 4 ساعات من انطلاق الرحلة، وصلوا شاطئ إحدى جزر اليونان، لكنهم سرعان ما كانوا محاطين برجال الشرطة الذين احتجزوهم.

بعد 5 أيام من الاحتجاز، أطلق سراح محمد وأعطى وثيقة مكتوبة باليونانية توضح له أن لديه مهلة 30 يوماً للعودة الطوعية إلى بلاده، على اعتبار أن هذا الإجراء القانوني المتبع في حق المهاجرين غير الشرعيين.

لكن حتى إذا أراد محمد العودة إلى حلب، فلن يستطيع، لأن العودة مرهونة بوثائق رسمية تصدر عن سفارة بلده، ولكن هذه السفارة مغلقة حالياً.

ومع حلمه بالانضمام إلى سوريين سبقوه إلى السويد، حيث حظوا باللجوء، يخطط محمد لدفع 6 آلاف يورو لقاء جواز سفر مزور يمكّنه من السفر جواً إلى استوكهولم، لكنه لا زال ينتظر إلى الآن، مع أعداد متزايدة من السوريين تحاول الهروب من ملاحقة السلطات والجماعات العنصرية.

ومن بين السوريين "جيهان"، ربّة بيت بعمر 43 سنة من القامشلي، والتي تنام على بطانيات قذرة في غرفة ذات سرير واحد مع أطفالها الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و17 سنة.

ومنذ وصول جيهان إلى اليونان قبل 6 شهور، وهي تنتظر أن يلحق بها زوجها وابنتها الأصغر، لكن قوّات النظام احتجزته ولم تعرف عن أخباره شيئاً منذ يناير/كانون الثّاني.

بما تيسر من مال قليل، تحاول جيهان وابنتها الكبرى أن يحصلا على ما يسد رمقهما من بقايا ما يترك على أرض أسواق الخضار في أثينا.

وهناك وأثناء خروجهم للشارع، يتعرضون لشتى أنواع التعنيف اللفظي والشتائم، فضلاً عن إحساسهم المستمر بالرعب من احتمال مهاجمة "الفجر الذهبي" العنصرية النازية لهم.

وفضلاً عن ميولها المتعصبة ضد المهاجرين، فقد سبق لمنظمة "الفجر الذهبي" اليونانية أن أبدت موقف سياسياً أكثر تطرفاً من الأزمة السورية، معتبرة أن بشار الأسد "يمثل الرئيس الشرعي لسوريا"، بينما وصفت المعارضة السورية بأنهم "مجموعة من القتلة".

ترك تعليق

التعليق