الذهب في حلب.. بين بريق الأرباح وتهديدات الأشباح!

في تقرير خاص بها من قلب حلب، صورت "فرانس برس" أوضاع سوق الذهب والمجوهرات، من خلال تسليطها الضوء على قصة "أبو سالم"، الرجل الذي كان يبيع الشطائر لأهل سوق الذهب، وتحول مع الأيام إلى تاجر ذهب!

نقطة التحول في حياة "أبو سالم" ككثير من السوريين، كانت هي الحرب، حيث تدهورت حالة الخدمات بعدما غدت حلب أشبه بساحة حرب، وأصبح التيار الكهربائي عملة نادرة، فاضطر الرجل الأربعيني لإقفال "كشكه"، والبحث عن مصدر رزق آخر لشراء الغذاء واللباس.

ورغم أن عمله الجديد مثل قفزة كبيرة لوفرة أرباحه، فإنه من جانب آخر شكل تحديا مخيفا، في سبيل النجاة من اللصوص الذي بدأ نشاطهم يتصاعد مستفيدين من انفلات الأوضاع.

لكن "أبو سالم" يبدو أنه قبل التحدي، فهو يبيع ويشتري الذهب لكي يطعم أطفاله الخمسة كما يقول، موضحا أن العديد من أصحاب محلات المجوهرات هربوا من جو القتال، فهم يملكون مالا كافيا للتوجه خارج البلاد.

على بعد خطوت من "أبو سالم" يقف "أبو أحمد" مع ميزانه الخاص، قائلا: كل يوم، يأتي إلى أناس ويبيعونني 10 أو 20 جراما من الذهب، وفي مرة جاءني زبون لبيع أقراط وأساور بوزن 200 جرام، وعرفت أنه يصفي مصاغ زوجته.

وبين "أبو سالم" و"أبو أحمد" تقف الخمسينية "أمّ محمد" منتظرة، ثم تسأل: عندي عقد ذهبي للبيع. كم ستدفع ثمنه.

مقابل خمس جرامات من الذهب، يعرض أبو سالم 24 ألف ليرة، أي حوالي 220 دولارا.

تذهب "أمّ محمد" كل يوم إلى نفس الدكان لوزن مجوهرات عائلتها ومعرفة كم أصبح سعرها، موضحة: هذه سلسلة ابني الذهبية. مر وقت طويل قبل أن أقرر بيعها، لأننا نحتاج لشراء الغذاء والملابس للأطفال.

زوج "أمّ محمد" كان يعمل في مصنع، لكنه فقد عمله قبل بضع شهور، في ظل انقطاع الكهرباء المتواصل، ويبدو أن عائلتها كانت قادرة على مواصلة تدبر أمورها بفضل ما كانت تملك من مجوهرات.

حتى لا تتآكل
ليس من الصعب توفر مشترين، كما قد يتخيل البعض، فسنتان من النزاع، كانتا كفيلتين بجعل الليرة السورية تتهاوى، ومن هنا فإن من يملك الليرة يفضل أن يحولها إلى المعدن الأصفر، ليحافظ على مدخراتها، بدل أن يرى قيمتها تتآكل مع تآكل العملة الوطنية.

قبل الثورة التي اندلعت في آذار/ مارس 2011, كان جرام الذهب يباع بـ3 آلاف و200 ليرة، وكان الدولار الواحد يقارب 50 ليرة.

أما اليوم، فسعر جرام الواحد من الذهب يناهز 5 آلاف ليرة، والدولار يساوي 113 ليرة، ولذا فليس أمام من يريدون حماية ثروتهم إلا تحويل نقدهم إلى ذهب، كما يقول "أبو أحمد".

لكن هناك أخطارا كثيرة، كما يؤكد زميله في تجارة الذهب "أبو خلدون"، الذي يقول: يأتي رجال مسلحون ليسرقوا محلاتنا.

ويضيف وكأنه يتحدث عن أشباح موجودة في كل زاوية: ليس هناك أي مكان آمن، نحن أهداف حقيقية للصوص، وقد لجأ بعض الناس لإخفاء ذهبهم ومالهم في حفر داخل الأرض.

من جهته يرفض "أبو إبراهيم" الذي قضى معظم عمره في تجارة الذهب أن يبدي انحيازه لأي طرف، رغم أن عمله يتطلب منه العبور الدائم على خطوط التماس بين الجبهات.

ويروي "أبو أبراهيم" كيف خسر زميل له كل ما يملك تحت تهديد السلاح، موضحا كيف كان زميله يملك 12 كيلو من الذهب في دكانه، وكيف فقد 60 مليون ليرة خلال الأسبوع الماضي، عندما اقتحم مسلحون دكانه وسرقوا محتوياتها.

ترك تعليق

التعليق