اللاجئون السوريون وصيف الأردن.. خارطة توتر مرسومة بالماء!

 

بعد أن كانوا يتمنون ذهاب فصل الشتاء ببرده القارس ورياحه العاتية التي لطالما اقتلعت خيامهم، ينتظر اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري بالأردن أياماً ربما تكون أصعب مع قدوم الصيف، على بلد عرف بشح موارده المائية.
 التدفق الكبير للاجئين السوريين فاقم وسيفاقم في القريب العاجل من تداعيات شحّ الماء على الأردن كلها بشكل عام، وشمال البلاد بشكل خاص، ولذا لم يكن مستغرباً أن تلوح الحكومة الأردنية منذ أيام بإعلان شمال البلاد "منطقة منكوبة" في ظل استمرار وتصاعد وتيرة اللجوء السوري.

 الحرارة ميزان التوتر

 وقد بدأ تأثير ذلك يظهر، مع انقطاع إمدادات المياه عن أجزاء من المفرق شمال البلاد، ولمدة أسبوعين متتاليين، ومع اقتراب الصيف بحرارته اللاهبة في هذه المناطق الصجراوية فإن التوقعات بوضع أسوأ لا تنقطع، حيث يزيد الطلب على الماء تلقائياً، وهو ما يعجز الأردن عن تلبيته قبل وفود "الضيوف"، فما بالك بالحال بعد قدومهم.

 لم يدخر سكّان المفرق جهداً بالترحيب بالأخوة الفارّين من العنف، لكن ذلك الترحيب بدأ يتضاءل، مع وجود ما يشبه المنافسة بين اللاجئين والسكّان المحليّين على مصادر محدودة، من الماء والكهرباء، وحتى الغذاء وخدمات التعليم والصحة.

 نايجل بونت، المدير الإقليمي لمنظمة "ميرسي كوربس"، وهي وكالة تنمية عملت على خط الأزمة السورية بنشاط، يحذر في حديثه لمجلة "تايم" قائلاً: درجات حرارة ترتفع، وكذلك التوتر، مشيراً إلى أن الاستياء بين الأردنيين بدأ يتضح أكثر، وقد يمهّد لردات فعل عنيفة، ما لم يتم حل مسائل البنية التحتية.
 هناك قرابة 3 آلاف سوري يعبرون الحدود الأردنية كل يوم، بينما تحاول وكالات الإغاثة تلبية حاجات أكثر من 363 ألف لاجئ موجودين سابقاً.

 البلدات الأردنية القريبة من الحدود تضاعف عدد سكانها مذ بداية النزاع السوري، ومعه تضاعفت أسعار السكن والطعام، بينما ترزح الحكومة الأردنية تحت ضغط عجز كبير دفعها لتخفيض دعمها المخصص للوقود، ومن هنا ارتفعت كلفة الكهرباء آلياً، ما ينذر بعاصفة تجتاح اقتصاد البلاد كما يتوقع "بونت".

 إلا الماء

 المساعدات الدولية يمكن أن تقدم الغذاء، وتساعد في تأمين حلول لإسكان أفواج اللاجئين، لكن الماء هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي، حيث لم يسبق لأحد أن فكر بنقله جواً.
 لعقود عدة اعتمد الأردن على المياه الجوفية لتزويد مدنه وقراه، لكن مخزونات هذه المياه تتناقص، وطبقاً لمنظمة "أوكسفام" العالمية فإن استخراج المياه الجوفية تضاعف قرابة 3 مرات في بعض مناطق الأردن، ما ينذر بجفاف سريع للآبار.

 وتقدر "أوكسفام" أن 50 % من الماء في منطقة المفرق يتم هدره عبر التسرّبات من الأنابيب المتهالكه، أو من عبر استجرار الأهالي للماء بشكل غير قانوني.
 كريستيان سنواد، منسق مختص بالمياه في "أوكسفام"، لديه وجهة نظر مختلفة بعض الشيء، حيث يرى أن سلطة المياه الأردنية، يحب أن تتدخل بشكل فاعل لحل الأزمة، مشيرا إلى أن هناك بلدات كانت تحصل سابقا لى الماء يوما واحدا في الأسبوع، بينما لاتحصل حالياً إلا على يوم واحد كل أسبوعين.

 ويرى "سنواد" أنه مع هذا الوضع المزري، من السهل جداً على الأردنيين أن يلقوا باللوم على القادمين الجدد (اللاجئين)، بينما يتوجب إيجاد حلول مبتكرة لحل أزمة توزيع المياه.
 وكالات إغاثة مثل "أوكسفام" و"ميرسي كوربس" حفروا آباراً في مخيّم الزعتري لتخفيف حدة نقص المياه، لكن هذا يبقى حلاً مؤقتاً وقصير الأجل، فضلاً عن أنه "يستولي" على حصة الأجيال القادمة من ثورة المياه الجوفية.

 وخارج المخيمات، تبرعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع "ميرسي كوربس" بـ20 مليون دولار، لتنفيذ مشروع يجدد شبكة الماء في الأردن.
 لكن كل هذه المبادرات ستبقى فعّالة، فقط في حالة استقرار أعداد اللاجئين، أما في حالة مواصلة تدفقهم فإن الأمور قد تنفلت من عقالها، وهو الاحتمال الأقرب للحدوث مع تصاعد حدة العنف وارتفاع عدد البلدات والقرى السورية التي يمزقها النزاع، وتقع تحت وابل من قذائف وصواريخ جيش النظام.

 إنها معادلة معقدة، لكن التعبير عنها بسيط جداً.. كلما اشتعلت في سوريا، اصطلى الأردنيون بلفح النار، وإن بشكل أقل.

ترك تعليق

التعليق