"اقتصاد" تعرض رحلة سوري يقيم بالسعودية إلى لبنان لإغاثة اللاجئين


 وسيم :حضرت توزيع تبرعاتي على 263 عائلة سورية في مسجد  لبناني
 
سلّطت الكثير من المواد الإعلامية الأضواء على مأساة اللاجئين السوريين في دول الجوار، في حين كانت التقارير الإعلامية التي تتناول النشاطات الإنسانية والإغاثية محدودة للغاية، خاصة منها تلك الفردية أو الصغيرة، الأمر الذي دفع "اقتصاد" إلى تسليط الضوء على تجربة صغيرة لمجموعة من المتبرعين السوريين المقيمن في السعودية.
 
يروي (وسيم، ج) لـ "اقتصاد" تجربته في جمع مبلغ صغير من أصدقائه وأقاربه من السوريين المقيمن في السعودية، والسفر إلى لبنان للتبرع بهذا المبلغ لصالح اللاجئين السوريين هناك.
 
أخبرنا (وسيم، ج) أنه أراد أن يرى بنفسه كيف يجري صرف هذه التبرعات، وأخبرنا أن العشرات من المنظمات الإغاثية التي تعمل في السعودية تجمع بصورة منظمة تبرعات من سوريين وسعوديين لتمويل نشاطاتها الإغاثية لصالح اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا، لكنه فضّل أن يخوض غمار هذه التجربة بنفسه، وأن يشرف بنفسه على آلية صرف تبرعاته وتبرعات أصدقائه.
 
يخبرنا (وسيم، ج) أنها ليست المرة الأولى بل هي الرابعة، إحداها أرسل فيها المبلغ إلى صديق موثوق داخل دمشق ليتولى إنفاقه على المحتاجين هناك، وفي ثانية أرسل مبلغاً عن طريق صديق آخر إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، أما هذه التجربة فكانت الأولى التي يتولاها بنفسه.
 
يقول (وسيم، ج): "منظمات الإغاثة السعودية موضع ثقة، لكن لزيادة الاطمئنان بأن الأموال المجموعة تنفق بالصورة المطلوبة، قررت أن أتولى بنفسي ذلك، كما أن المبلغ الأخير أكثر من نصفه كان نَدراً كنت ندرتُه وتحقق، لذلك عملت على تولي هذه العملية بنفسي".
 
يُسرّ (وسيم، ج) لنا بأنه تلمس في المرة الأخيرة لجمع التبرعات تراخٍ وتهرب من جانب الناس الذين اعتادوا أن يتبرعوا في المرات الماضية، يقول: "البعض منهم يتحجج بوجود أقارب له منكوبين ويقدم لهم المساعدة المادية، لكنني أعرفهم جيداً وعائلاتهم، وبعضهم غير صادقين...الناس ملّوا، فالأزمة طالت، وحاجات اللاجئين زادت، وبعض الناس الذين كانت الحماسة تدفعهم في البداية، خفتت حماستهم مؤخراً لأسباب عديدة".
 
غادر (وسيم، ج) الأراضي السعودية مطلع شهر آذار / مارس المنصرم إلى بيروت، وكان مخططه الذهاب إلى طرابلس، لكنه لقي تحذيرات من أصدقاء أن الأوضاع الأمنية في طرابلس مضطربة.
 
التقى في بيروت برجل دين توسّم فيه الخير، عرّفه عليه بعض الأصدقاء، كان الرجل يدير مسجد أبو بكر الصديق في الناعمة ببيروت، ويحتوي مسجده على 750 عائلة من السوريين اللاجئين.
 
يقول (وسيم، ج) لـ "اقتصاد": "لاحظت درجة عالية من التنظيم في المسجد لم أراها في حياتي، ففي المسجد المذكور كان هناك مهندس كمبيوتر يدير مكتب فيه سجلات للاجئين السوريين ومكتب آخر للحسابات. تنظم إدارة المسجد أوضاع اللاجئين السوريين فيه بطريقة غاية في الدقة، فلكل عائلة لاجئة سجل يبيّن عدد أفرادها، وتاريخ التحاقهم باللاجئين في المسجد، وبعض التفاصيل عن أوضاعهم العائلية والمعيشية".
 
وفّى (وسيم، ج) الندر الذي عليه عبر ذبح خواريف وزع لحمها بين نيء وبين "صفيحة" على اللاجئين خلال يومين، واعطى مدير المسجد المبلغ الباقي ليتولى بنفسه تأمين مواد تموينية للاجئين آخرين، وفي اليوم التالي اتصلت به إدارة المسجد وطلبت حضوره ليشرف بنفسه على توزيع المواد التموينية، كي يطمئن قلبه.
 
وفعلاً حضر الرجل عملية توزيع كميات من المواد التموينية على عدد من اللاجئين السوريين الذين تم استدعائهم، وقد حصل كل منهم على تذكرة تسمح له بالحصول على حصته، مقابل تسليم التذكرة للموزعين، كي لا يحصل أحد من اللاجئين على أكثر من حصته المفروضة.
 
قال لنا (وسيم، ج) أن التبرعات أفادت 263 عائلة فقط من أصل 750 عائلة سورية لاجئة في المسجد، وحينما سألناه عن أحوال معيشة هؤلاء، قال لنا: "الذين في المسجد على بؤس حالتهم كانوا محظوظين مقارنة بآخرين لم يحالفهم الحظ، فافترشوا بيوتاً "على العظم" واستخدموا شراشف لتغطية الشبابيك والأبواب، للتخفيف من البرد والهواء، والتماساً لـ "السترة". كما تعرّف (وسيم، ج) على لاجئين سوريين كان 14 شخصاً منهم يعيشون في غرفة واحدة.
 
أخبرنا (وسيم، ج) أن منطقتي الناعمة (وهي منطقة يغلب عليها السنّة في بيروت)، والدامور (وهي منطقة يغلب عليها المسيحيون) المتداخلتين تزخران باللاجئين السوريين، وأنه رأى لافتة كبيرة في إحدى أحياء الدامور ببيروت تدعو اللاجئين السوريين للتسجيل في بلدية الدامور.
 
لم تواجه (وسيم، ج) أية عقبات أمنية من السلطات المختصة في لبنان نهائياً، حسبما قال لنا.
 
وتعرّف (وسيم، ج) هناك على امرأة من معرّة النعمان، كانت تبحث عن عائلتها الضائعة وقد أوصلتها رحلة بحثها إلى الناعمة ببيروت، حيث استقبلتها إدارة المسجد وعملت على مساعدتها في بحثها.
 
يحتوي مسجد أبو بكر الصديق الذي يستضيف اللاجئين السوريين في الناعمة ببيروت على فصول دراسية للأطفال السوريين، كما أنه عقد اتفاقيات مع منظمة إنسان السعودية، وايضاً مع هيئة الإغاثة السعودية، وحينما سألنا (وسيم، ج) إن كان لإدارة المسجد أية توجهات مذهبية محددة، "هل كانوا سلفيين؟"، نفى تماماً ذلك، وأكّد أنه لم يلحظ أية مظاهر للمذهبية في التعامل هناك.
 
وحول كيفية تعامل اللبنانيين كمواطنين مع اللاجئين السوريين، أقرّ (وسيم، ج) أنه لا يمكن التعميم، فهناك بعض المتعاطفين وهناك بعض الناس الذين يقدمون يدّ المساعدة، لكن في المقابل هناك فوقية واضحة في التعامل مع السوريين من جانب جزء كبير من المجتمع اللبناني، تلمسها (وسيم، ج) بنفسه رغم أنه لم يكن لاجئاً، وكان يقيم في فندق ويصرف مبالغ محترمة على المعيشة في بيروت، ورغم ذلك تلمس شيئاً من الفوقية من جانب كثيرٍ من اللبنانيين الذين احتك بهم، إلى جانب أن بعض اللاجئين السوريين أخبروه أنهم تعرضوا في مواقف محددة لاعتداءات من أنصار حزب الله في العاصمة اللبنانية.
 
عرضنا تجربة (وسيم، ج) في "اقتصاد"كي تكون أداة حض للسوريين القادرين على مساعدة إخوانهم المنكوبين، خاصة مع تفاقم مأساة اللاجئين السوريين، وبالذات في لبنان والأردن، في ظل تذمر شعبي ملحوظ في البلدين من الوجود السوري المتفاقم على أراضيهم، وكانت المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة قد سجّلت بلوغ اللاجئين السوريين في لبنان عتبة الـ 400 ألف لاجئ في بداية شهر نيسان / أبريل الجاري، رغم أن السلطات اللبنانية تقول أن الرقم الحقيقي يرتفع إلى أكثر من ذلك بكثير.
 
وقد يكون أحد أهدافنا من هذه المادة رسالة لأولئك المتخوفين من الجميعات الخيرية والإغاثية التي تقوم بحملات كبرى، من أنها قد لا تصرف تبرعاتهم بالوجه المطلوب، بأن يتولوا بأنفسهم أو عبر موثوقين لهم هذه المهمة بدلاً من التذرع بعدم الثقة بمن يقوم بعمليات جمع التبرعات ونقلها للمحتاجين في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، حيث يتوزع معظم اللاجئين السوريين.
 
مأساة اللاجئين السوريين تتطلب منا كإخوة لهم في الوطن تحركاً لا يجب أن يعتمد فقط على الدول أو على المنظمات الإغاثية الكبيرة، بل على الجهود الفردية والجماعية الصغيرة أيضاً، فقد يكون في هكذا مبادرات إن كثُرت حبل نجاة لمئات آلاف السوريين المنكوبين الذين خصّهم القدر بأن يكونوا ضحايا حرب النظام في سوريا على شعبه.

ترك تعليق

التعليق