كيف يُغازل النظام الحلفاء والخصوم بالقيمة الاقتصادية للأرض السورية؟ (1-2)

 

122 تريليون قدم مكعب من الغاز شرق المتوسط

 موقع سوريا الاستراتيجي يساهم في تحديد مستقبل المنطقة في مجال الطاقة

 القرن 21 سيكون قرن "الغاز" كمصدر رئيس للطاقة
 
يمكن لمتابعي الإعلام الرسمي السوري، والإعلام المحسوب عليه، وذاك الموالي له، أن يلحظوا تنامياً كبيراً في الحديث عن "أجندة الغاز والنفط" مؤخراً، في تفسيرٍ ل"المؤامرة" الكبرى المرسومة على سوريا، حسب نظام الأسد ومنظريه.
 لكن المدققين في أداء ذلك الإعلام، وربطه بما يُكتب ويُشاع من جانب مراكز أبحاث محايدة ومختصة، يمكن لهم أن يكتشفوا أن القضية لا تنحصر بالنسبة للنظام في الترويج الإعلامي للبروباغندا الخاصة به، بخصوص "المؤامرة" الكبرى على سوريا، بل تتعداها –على ما يبدو- إلى استراتيجية ترويجية جديدة للقيمة الاقتصادية التي تتمتّع بها الأرض والمياه الإقليمية السورية، في أوساط الحلفاء والخصوم، من صانعي القرار الدولي والإقليمي في المنطقة.

 تفاصيل في ملف "الغاز والنفط" في الأراضي والمياه الإقليمية السورية

 التفصيل الأول...جزء من بحيرة هائلة من الغاز في المياه الإقليمية السورية

 يُجمع اليوم معظم الشركات والمراكز البحثية المتخصصة في التنقيب عن الغاز والنفط بوجود كميات هائلة من الغاز تحت قاع شرق المتوسط.
حسب مادة تحليلية لـ محمد السماك بعنوان "الصراع على غاز شرق المتوسط" نُشرت في صحيفة الشروق المصرية في أيار/ مايو الماضي: يُقدّر مخزون هذه الكميات الهائلة بحوالي 122 تريليون قدم مكعب. تكفي هذه الكمية لسد حاجة الأسواق الأوروبية كلها لمدة ثلاثين عاماً. وهي تكفي لسد حاجة العالم كله لمدة عام واحد على الأقل.

 الأرقام التي أوردتها الصحيفة المصرية سابقة الذكر باتت في الأشهر الأخيرة متداولة بصورة كبيرة، وأصبحت حديث المتخصصين بصناعة استخراج ونقل الغاز في العالم.

 يذكر هؤلاء أن تلك الكميات الهائلة من الغاز شرق المتوسط تقع داخل الحدود البحرية الإقليمية لست دول هي تركيا وسوريا وقبرص ولبنان ومصر وكذلك إسرائيل.

 التفصيل الثاني...سوريا شريان إيران
والعراق لتصدير النفط والغاز إلى أوروبا

 
في مادة نشرها موقع مؤسسة كارنيغي للشرق الأوسط، لـ ربى حصري الخبيرة في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط، في مطلع العام الجاري، تقول حصري: "قد لا تكون سوريا مُنتِجاً كبيراً للنفط أو الغاز في الشرق الأوسط، إلا أن موقعها الاستراتيجي يمكن أن يساهم في تحديد مستقبل المنطقة في مجال الطاقة، وذلك عبر إتاحة منفذ إلى المتوسط للدول التي ليس لها مخرج إلى البحر."

 وتقصد حصري بذلك كلاً من إيران والعراق، وتقصد بذلك أيضاً أن سوريا قد تكون البديل الأنسب لتركيا، بالنسبة للكثير من مصدري النفط والغاز في المنطقة، وعلى رأسهما، إيران والعراق.
 ولنبدأ بالأخير، فالعراق بثروته النفيطة الهائلة، وحكومته "الشيعية" المحسوبة على طهران في بغداد، وخلافاته المستشرية مع إقليم كردستان العراق، والتوتر المشوب بالحذر في علاقاته مع تركيا، يبدو أنه عاد للبحث جدياً عن ممرات لتصدير نفطه، خاصة نفط جنوب العراق، بعيداً عن الممرات الحالية التي يعتمدها، والتي لا يحظى باستقرار في علاقاته السياسية مع الدول المطلة عليها أو المتحكمة بها، وهي الخليج وكردستان العراق وتركيا.

 ويبدو أن طريق سوريا إلى المتوسط، ومن ثم إلى أوروبا المتعطشة للأمان النفطي والغازي، أفضل الطرق وأقصرها، وأكثرها استثماراً للوقت والمال والجهد.

 لننتقل إلى إيران، فالأخيرة تسعى اليوم بجدّ لحجز مكان مرموق لها في خريطة مصدري الغاز والنفط إلى أوروبا، على أمل رفع العقوبات عنها قريباً، بفعل المفاوضات والترتيبات الجيوسيوسية المأمولة، إيرانياً على الأقل. وفي هذه الحالة لا يبدو أن أمام إيران أفضل من البرّ السوري إلى المتوسط، سبيلاً، مقارنة بتركيا التي لا تحظى إيران بثقة متبادلة معها، كفيلة بتأمين هكذا خطوط، خاصة على صعيد تصدير الغاز.

 التفصيل الثالث...النهم للاستيلاء على أيقونة الغاز في أوروبا
 
يعتقد خبراء كُثر في العالم، أن القرن 21 سيكون قرن "الغاز" كمصدر رئيس للطاقة، دون منافس. وأن الاقتصاد الأوروبي بالذات يتجه رويداً رويداً لتعزيز الاعتماد على الغاز باعتباره أرخض من النفط، وأكثر سلامةً من الناحية البيئية، إلى جانب بُعد الأمد المُتوقّع لجفاف مصادره مقارنة بالنفط، الذي يُعتقد أنه سيُفقد من العالم في العقد السادس من القرن الجاري.
 
ويعتمد الاقتصاد الأوروبي بنسبة 25% على الغاز الروسي، ومع مشاريع وتعهدات حكومات ومسؤولي أوروبا بإغلاق المفاعلات النووية تدريجياً في السنوات القليلة القادمة، تتزايد الحاجة الأوروبية للغاز.
 
ومنذ أزمة 2009 التي توقف فيها الغاز الروسي عن التدفق إلى الشرايين الأوروبية، بسبب خلافات مع الدولة "الممر" أوكرانيا، وتلك الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي طالت الأوروبيين حينها، تسعى العواصم الأوروبية إلى تنويع مصادرها من الغاز، وتخفيف الاعتماد على الغاز الروسي، ويبدو أن غاز شرق المتوسط، وغاز قطر، وربما في المستقبل القريب، غاز إيران، من المصادر الهامة لتخفيف التحكم الروسي بالحاجة الأوروبية من الغاز.
 
وإن دققنا في خارطة المنطقة يبدو أن أفضل الممرات البريّة لأنابيب الغاز المتجهة إلى أوروبا، من حيث الجدوى الاقتصادية، هي عبر البرّ السوري.
 
التفصيل الرابع...روسيا والرعب من فقدان الهيمنة على غاز أوروبا

يشكّل الغاز أكثر من 25% من موارد الميزانية الاتحادية في روسيا، وتشكّل أوروبا أكبر مستوردي الغاز الروسي، ويشكّل الأخير أداة اقتصادية وسياسية مهمة في تعزيز مكانة روسيا الدولية، خاصة أنها تعين روسيا على التأثير في القرارات الاستراتيجية الأوروبية التي تهم الأمن القومي الروسي، الأمر الذي يجعل فقدان السوق الأوروبية للغاز رعباً بالنسبة لصانع القرار الروسي.
 
ويبدو أن أمام الروس مصدرين أساسيين للتهديد، الأول عبر ما اكتشف من كميات هائلة من غاز شرق المتوسط، الذي من المتوقع أن يمر جزء منه، بحراً، عبر قبرص إلى أوروبا، والثاني، فيما يُعتزم تمريره من أنابيب لتصدير الغاز عبر سوريا، خاصة ما يتعلق بالغاز الإيراني، وما توقف من مشاريع لتصدير الغاز المصري، وما كان يُطرح منذ سنوات من مشاريع لتصدير الغاز القطري أيضاً.
 
ويشكّل البرّ السوري المنافس الأفضل لتركيا كممرّ، ولروسيا كمصدّر، الأمر الذي يعزّز من مكانة الأرض السورية في القيمة الجيوستراتيجية والاقتصادية للمنطقة.
 
يتبع في الحلقة الثانية

ترك تعليق

التعليق