النظام يقامر بتعويم الليرة للتمسك بما بقي من الاحتياطي الأجنبي!


قال مصرفيون ومحللون إن مصرف سوريا المركزي تخلى إلى حد كبير عن جهوده الرامية لدعم قيمة العملة السورية، بهدف حماية ما تبقى لديه من احتياطيات النقد الأجنبي التي تآكلت جرّاء الحرب التي يشنها النظام على شعبه منذ أكثر من سنتين، وفقاً لتقرير أعدته "رويترز".
وفي أول عامين بعد اندلاع الثورة ، أجبرت حكومة النظام البنوك الخاصة على بيع احتياطياتها من النقد الأجنبي بأسعار حددتها السلطات، وقد مكنت هذه الخطوة الحكومة من إبطاء وتيرة انخفاض قيمة الليرة السورية، لكن المركزي اضطر إلى تقليص احتياطياته لتلبية الطلب على الدولار الأمريكي بأسعاره المصطنعة.

وبدأ المصرف المركزي هذا الشهر السماح للبنوك التجارية ومكاتب الصرافة المرخصة ببيع الدولار بالأسعار التي تريدها، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر من شأنها أن تقلل من استنزاف احتياطيات سوريا ولكنها قد تعرض عملتها لضغط نزولي جديد.
سمير سعيفان الخبير الاقتصادي السوري الذي يعيش خارج البلاد، أكد أن السلطات خفضت قيمة الليرة بشكل متعمد من قبل، ولكنها مضطرة الآن للوقوف مكتوفة الأيدي وترك العملة تهبط.
وتساءل سعيفان كيف يمكن للسلطات أن تحمي الليرة في ظل انكماش الاقتصاد بأكثر من 50 بالمئة ونفاد موارد الدولة.
وقبل اندلاع الثورة كان سعر صرف الليرة أمام الدولار نحو 46 ليرة، ولكن العملة السورية شهدت هبوطا حادا، جراء تهاوي معظم قطاعات الاقتصاد، عطفا على الحرب  التي يشنها نظام بشارالأسد على الشعب السوري.
ووصلت العملة السورية إلى أدنى مستوى لها الشهر الماضي عندما بلغ سعر صرفها 126 ليرة أمام الدولار، وتم تداولها هذا الشهر في نطاق يتراوح بين 115 و120.
وقبل بدء الثورة  كانت تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن حجم احتياطيات النقد الأجنبي لدى المركزي السوري، يقارب 18 مليار دولار.
وقال حاكم المركزي أديب ميالة الأسبوع الماضي إن تقديرات بعض المحللين بأن احتياطيات النقد الأجنبي انخفضت إلى 4 مليارات دولار غير صحيحة.

فيما قال مسؤول كبير يدير فرع بنك أجنبي في سوريا، إن حماية الاحتياطيات باتت تمثل أولوية لدى المصرف المركزي.
وقال المسؤول عن السياسة الجديدة بشأن العملة "يقول (ميالة) بجدية إنه لم يعد يستطيع التدخل وسيستسلم لقوى السوق ولن يقاومها".
مصرفي آخر حضر هذا الشهر اجتماعا مع "ميالة" نوقشت فيه القضية، قال إن البلاد انتقلت بشكل أساسي إلى "تعويم محكوم" لعملتها يبيع فيه المركزي الدولارات أو يشتريها للحد من التقلبات الشديدة، ولكنه لن يسعى إلى تحديد القيمة الأساسية لليرة
.
وقال بعض العاملين في سوق الصرف الأجنبي بدمشق إن المركزي يراهن على أن يؤدي السماح بالتداول الحر لليرة إلى استقرارها في النهاية، وعندها قد يصل السعر إلى مستوى يتحقق فيه التوازن بين عرض وطلب الدولار، ما يقلل من الحوافز التي تدفع الناس إلى المضاربة ضد العملة السورية في السوق السوداء.
أحد العاملين بشركة صرافة كبرى بدمشق، قال: السعر الآن أكثر واقعية وهو ما يحد من المضاربة.
وهناك عاملان ربما شجعا المصرف المركزي على السماح بتعويم الليرة أحدهما يتمثل في أن سوريا رتبت لمجموعة من صفقات المقايضة مع إيران والعراق وبعض الدول الأخرى للحصول على واردات كثيرة، مما قلل من احتياجها للإبقاء على سعر صرف قوي لعملتها بشكل مصطنع.
علاوة على ذلك وفي ظل استمرار المساعدات المالية الدولية للمعارضة السورية هناك تدفقات ضخمة من الدولارات تدخل المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة ثم تشق طريقها عبر الخطوط الأمامية إلى الأراضي غير المحررة، وهذه التدفقات قد تعني أن سوق العملة ليست بعيدة عن نقطة التوزان.
وربما زادت ثقة حكومة النظام أيضا بفضل المساعدات التي تتلقاها من حلفائها، وسبق لحاكم المركزي الإقرار بأن دمشق اقتربت من الاتفاق مع روسيا وإيران للحصول على تمويلات جديدة.

وأضاف:نحن بانتظار دعم مادي من الدول الصديقة من إيران وروسيا...وهناك مباحثات مع دول أخرى.
ورغم ذلك يخاطر المصرف المركزي بسياسته الجديدة بشأن العملة نظرا لأن أي انخفاض جديد في قيمة الليرة، قد يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم الذي قدره محللون مستقلون بنحو 50 بالمئة العام الماضي.
وقال مصرفي كبير في دمشق: يا لها من خطوة جريئة... إذا هوت الليرة فشلت سياسة ميالة، وإذا استقر سعر الصرف فسيعني ذلك نجاحه.

ترك تعليق

التعليق