قرار الاتحاد الأوروبي شراء النفط من المناطق المحررة...بين مشكلات المعارضة والعوائق الموضوعية والمحاذير المستقبلية (2-2)


كيف يمكن تصدير النفط دون منطقة حظر طيران و حماية دولية للآبار
 
إحتمالية لفتنة داخلية على حقوق الكتائب الثائرة في أموال وحصص النفط

 
 عرضنا في الجزء الأول من مادتنا هذه ردود الأفعال داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وفي أوساط القوى الكردية الرئيسية حيال قرار الاتحاد الأوروبي رفع حظر استيراد النفط من المناطق المحررة بالتنسيق مع الائتلاف تحديداً. ونستعرض الآن أبرز قراءات المحللين والمختصين في هذا المجال، حول جدوى هذا القرار على صعيد خدمة أهداف الثورة، وعلى صعيد تعزيز القدرة المالية – الاقتصادية لقوى المعارضة.
 وفي سياق ذلك، تختلف الآراء بصورة كبيرة بين من قرأ القرار الأوروبي بصورة سلبية ونظر إليه بريبة من حيث الجدوى والأهداف، وبين من ذهب إلى إيجابيته وفوائده الكبيرة لصالح المعارضة والثوّار.
 
ماذا لو قصف النظام آبار وصهاريج النفط في المناطق المحررة؟
 أولى الجوانب التي أثارت الكثير من الجدل حول جدوى وتداعيات القرار الأوروبي بخصوص استيراد النفط من مناطق المعارضة، هو ذلك المتعلّق برد فعل النظام حيال انسياب نفط البلاد من بين يديه بعد عقود من استثمار هذه الثروة لصالحه، وجعلها مصدراً رئيسياً لتمويل قاعدة "الولاء مقابل الفساد" التي بنى حافظ الأسد بنيان النظام عليها.
 ثروة النفط التي مدّت نظام الأسد الأب ومن ثم الابن بالكثير من المدد المالي، بقيت لفترة طويلة بعيدة عن الأضواء، حتى أنها كانت خارج حسابات الموازنة الرسمية للدولة في عهد الأب، بدأت اليوم بنسبة 70% تصبح في يد المعارضة، الأمر الذي يشكّل استفزازاً كبيراً، وشعوراً لدى نظام، تعوّد التعامل مع ثروات البلاد وكأنها مزرعة رموزه الخاصة، بأن هذه الثروة بدأت تستخدم ضده.
 إلى جانب ما يعنيه حسن إدارة ائتلاف المعارضة لهذه الثروة، من نتائج مالية هامة في دعم نشاطات المعارضة الميدانية والخدمية والإغاثية، وربما أيضاً السياسية والعسكرية –التسليحية...مما يجعل الأمر مثيراً لحنق النظام وغضبه.
 وكان النظام السوري عبر وسائل إعلامه الرسمية قد أبدى غضبه الشديد من الخطوة الأوروبية، التي يبدو أنها استفزته للغاية، فبقيت وسائل إعلامه عدة أيام تتوعد وتهدد وتدين القرار الأوروبي المذكور، وتحذر من أن النظام لن يقف مكتوف الأيدي.
 وجاء أخيراً، تحذير شبه مباشر، على لسان أحد منظري النظام المقربين منه، شريف شحادة، في حديث للجزيرة نت، أكد فيه أن "النظام السوري لن يسمح ببيع أي قطرة من النفط السوري...وسيقصف الجيش السوري الشاحنات المحملة بالنفط لأن ذلك يُعد انتهاكاً للقوانين الدولية واعتداء على السيادة السورية ولا يحق إلا للدولة السورية بيعه".
 ويؤكد شحادة أن لا "الشاري قادر على الشراء ولا البائع يستطيع البيع"، وأضاف أن بشار الأسد أشار إلى أن الجيش قادر على الوصول إلى أي نقطة وسيمنع أي شخص من الوصول إلى مواقع النفط، التي تُعد عملية استخراجه ونقله عملية معقدة إضافة لعدم وجود اتفاقيات تسمح لمجموعات "مرتزقة" ببيع النفط، حسب تصريحات شحادة.
 
تحذيرات شحادة تلك تلاقت مع تحليلات مراقبين رأوا احتمال أن يلجأ النظام إلى قصف صهاريج ناقلة للنفط، أو حتى مواقع آبار نفطية في مناطق المعارضة، أمر واردٌ للغاية، فالكاتب يوسف زرقة في موقع فلسطين أون لاين يقول: "المعارضة السورية الثورية تسيطر على معظم آبار البترول السوري وبالذات على الحدود مع العراق. النظام السوري يستطيع تدمير هذه الآبار ولكنه محجم عن ذلك، لأن المعارضة السورية المتفرقة لا تملك فرصة جيدة لاستغلال هذه الآبار. فلماذا قررت دول الاتحاد الأوروبي استيراد النفط السوري من المعارضة ؟!
 
....كيف يمكن تصدير النفط بدون إقامة منطقة حظر طيران، وبدون حماية دولية لآبار النفط وما عليها من معدات وهؤلاء يقولون إن القرار الأوروبي يمثل دعوة للنظام لكي يدمر هذه المنشآت في أسرع الآجال. وهذا التدمير يدخل في اللعبة الأوروبية الإسرائيلية الأوسع لتدمير سوريا (الدولة-والمجتمع –والاقتصاد)، فالدول الأوروبية تدرك أن النظام الذي يملك الطيران والصواريخ لن يقف مكتوف اليدين." إذاً، فالأوروبيون، حسب هذا الرأي، يحرضون النظام على تدمير تلك الآبار، بغية تدمير ثروة سوريا وإمكاناتها المادية.
 
رأي آخر، نظر إلى القرار الأوروبي بريبة، فأحد الاقتصاديين، في حوار مع (أورينت نت)، رأى أن الأوروبيين يبغون هدفاً آخر غير ذلك المعلن من خطوتهم، وهو إعطاء المجال والمنفذ لتسريب النفط الحكومي "تخريجة" للقرار السابق بحظر بيع النفط السوري"، مما يعني إفادة غير مباشرة للنظام، بصورة مُقنّعة.
 واتفاقاً مع ما سبق، يذهب أنس بن فيصل الحجي، اقتصادي في شركة (إن جي بي) الأميركية، في مقال بصحيفة الحياة، إلى أن الحكومة المؤقتة للمعارضة بقيادة غسان هيتو قادرة على تصدير النفط الخاضع للثورا عبر عقود مع الأتراك وباستخدام الصهاريج، لكن إن حصل ذلك بكميات كبيرة فواضح أيضاً أن الأمر يتطلب حظراً جوياً من قبل «حلف شمال الأطلسي» أو الأتراك لمنع مقاتلات نظام بشار الأسد من قصف هذه الصهاريج.
 
في مقابل ما سبق، تندُر التحليلات التي تقلل من احتمال أن يقصف النظام صهاريج النفط أو آباره في مناطق المعارضة، وفي هذا السياق يَرِدُ رأي مدير مركز الشرق للدراسات سمير التقي الذي استبعد، في حوار مع الجزيرة نت، أن يكون من أولويات النظام السوري قصف المناطق النفطية لأن إمكانات نظام الأسد في أدنى مستوياتها ولا يستطيع الجيش تغطية كافة العمليات في البلاد.
 رأي التقي الأخير هذا، يناقضه ما أدلى به عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني مؤيد غزلان، بعيد القرار الأوروبي المذكور، من معلومات تفيد بأن قوات النظام قصفت بالفعل آبار النفط القريبة من مدينة اليعربية المجاورة للحدود مع العراق شمال شرقي البلاد.
 وأضاف غزلان أن آبار النفط عند اليعربية تعرضت لقصف عنيف أوقع عدداً من الشهداء والجرحى من المدنيين وخاصة في بلدة “علي آغا” المجاورة للآبار مشيراً إلى أن القصف الذي استهدف الآبار يهدف لحرمان المعارضة من عائدات النفط ومرتبط بكل تأكيد بموافقة الإتحاد الأوروبي على شراء النفط من المعارضة لأن الثوار يسيطرون على الموقع منذ فترة ولم يحصل قصف مماثل من قبل.
 
هل يقتتل الثوار على نفط المناطق المحررة؟
 
ثاني الجوانب المثيرة للجدل في هذا السياق، تلك المتعلّقة باحتمال أن يؤدي القرار الأوروبي إلى تنازع ميداني بين الفصائل المسلحة للثوار على آبار النفط، الأمر الذي يحرف مسار العمل الثوري المسلح عن هدفه الرئيس المتمثّل بإسقاط نظام الأسد.
 وهو رأي أورده الكاتب يوسف زرقة معتبراً أن : "...أوروبا تتعجل الصراع بين الثوار أنفسهم، لأن تصدير النفط بطريقة آمنة اجتماعيًا وثوريًا تحتاج إلى قيام حكومة مركزية تحظى بموافقة الثوار سواء من هم في مناطق النفط، أو من هم يخوضون معارك العاصمة. ثمة احتمالية لفتنة داخلية على حقوق الكتائب الثائرة في أموال النفط، وحول الإدارة، وحول الحصص.
 
إن قرار شراء النفط له أوجه إيجابية، وله أوجه سلبية، وهو بدون حكومة مركزية متفق عليها يكون دعوة أوروبية لخلط الأوراق، وللإضرار بترتيب الأولويات.... اضطراب الأولويات خطر، وخلط الأوراق سياسة أوروبية قديمة، والتعامل بحذر وبعلمية وموضوعية مع قرار النفط مهم جدًا..." وفي نفس السياق اعتبر أحد الاقتصاديين أن خطوة أوروبا تلك، هي فخ للثوار يريدون به إثارة الخلافات وزيادتها.
 وفي خطوة تشير إلى إدراك المعنيين من رموز ائتلاف المعارضة لخطورة هذا الأمر، تحدث الناطق باسم رئيس حكومة المعارضة المؤقتة غسان هيتو، ، كما سبق وأوردنا في الجزء الأول من مادتنا، عن أن موضوع شراء النفط من قبل الدول الأوروبية "يبحث بجدية". وأوضح أن ثمة اتصالات يجريها هيتو لتأمين بيع النفط السوري لتأمين موارد لحكومته المقبلة. وأوضح أن ثمة "تفاهماً أنجز مع الكتائب التي تسيطر على الآبار النفطية السورية، وأبدت استعدادها للتعاون، ومع شركاء أوروبيين.
 وكانت وسائل إعلامية قد أوردت معلومات تؤكد حصول اقتتال بين جبهة النصرة وبين بعض العشائر في الجزيرة السورية للسيطرة على آبار للنفط هناك.
 
كل ما سبق يجعل قرار أوروبا شراء النفط من المعارضة السورية ممثلةً بالائتلاف، اختبار شديد الأهمية والصعوبة لقدرة الائتلاف كمؤسسة، وقدرة الحكومة المنبثقة عنه، كسلطة تنفيذية ثورية، على تأسيس كيان هرمي سلطوي يستطيع ضبط المناطق المحررة وإدارة شؤونها المالية والاقتصادية، والتصرف بثرواتها، بصورة تخدم أهداف السوريين عموماً.
 ويبدو أن هذا الاختبار في حال فشل المعارضة فيه، سيشكّل مؤشراً واضحاً لفشل ائتلاف المعارضة كمشروع كيان سياسي مناوئ للنظام بدمشق، الأمر الذي يهدد مسار الثورة بأكملها.
 
كارثة بيئية واقتصادية...في حال لم يُتدارك الأمر
 
أما ثالث الجوانب المثيرة للجدل في سياق هذا الملف، والذي لا يقلّ أهمية عن سابقيه، فهو ذلك المتعلّق بضرورة تحرك ائتلاف المعارضة بأقصى سرعة ممكنة لضبط حالة الفوضى في التعامل مع الثروة النفطية في المناطق المحررة، وهي حالة تهدد هذه الثروة ومحيطها الجغرافي، ميدانياً وسياسياً واقتصادياً، وربما الأهم، بيئياً، حيث حذّر بعض المختصين من كارثة بيئية قد تحل بالمنطقة الجغرافية التي تتركز فيها آبار النفط في شمال شرق سوريا، بسبب قيام كتائب مسلحة، أو مجموعات وأفراد من السوريين، باستخراج النفط وتكريره واستنزافه ونقله بطرق بدائيّة غير آمنة بيئياً.
 وهو ما يحذّر منه المختص، أنس بن فيصل الحجي، من أن سوريا لن تستطيع الاستفادة من ثروتها النفطية الراهنة بالصورة المطلوبة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، إذا لم تتم معالجة حالات سيطرة أفراد على حقول النفط المحررة وإنتاجه بطرق لا تتواءم من متطلبات الحفاظ على المكامن، أو حتى على الصحة والبيئة...إلى جانب مشكلة انتشار الإشعاعات وتلويثها للبشر والتراب والماء لمئات السنين...."وسيكلف ما يقوم به سارقو النفط حالياً من إنتاج وتكرير، سورية مئات البلايين من الدولارات في المستقبل، سواء في خسارة الاحتياطات التي لن يعود الإنتاج ممكناً منها، أو التلوث الذي سيؤدي إلى إغلاق مناطق تماماً حتى تُنظَّف بتكاليف باهظة. وهذا سيجبر الحكومات المقبلة والقطاع الخاص على استيراد النفط ومشتقاته، بكميات أكبر من ذي قبل، وبعملات صعبة قد يندر وجودها. وهكذا فإن سرقة النفط الآن هي إجرام بحق شعب كامل، لا يختلف كثيراً عن إجرام آل الأسد."
 
وفي نفس السياق، نشر مقطع فيديو تداوله ناشطون على موقع "اليوتيوب" أنتجه شباب سوري حول آبار النفط السوري وما تتعرض له من سرقات على أيدي أبناء البلد بسبب عدم الوعي وإدراك ما يفعله البسطاء في آبار النفط التي لاتقدر بثمن.
 
ما سبق، يجعلنا نرى في القرار الأوروبي باستيراد النفط من المناطق المحررة، عامل تحريض باتجاهين، سلبي، إن عجزت قوى المعارضة عن ضبط الميدان في هذا المجال بالاتفاق مع كتائب الجيش الحر، وبالتالي سيزداد استنزاف الثروة النفطية للبلاد بصورة غير عقلانية، تضرّ بمصالح السوريين لعقود قادمة....وإيجابي، إن نجحت تلك القوى في استثمار هذا القرار للتحرك بجديّة وبصورة مدروسة ومخططة لضبط استنزاف ثروات البلاد النفطية وضبط القوى المسلحة بمحصلة تخدم أهداف الثورة ومصالح السوريين عموماً.
 
خلاصة أخيرة في ملف نفط المناطق المحررة...نعمة أم نقمة؟
 
وبعيداً عن الحكم على نوايا الأوروبيين من قرارهم بخصوص شراء النفط من المعارضة...فإن مشهد النفط في المناطق المحررة من سوريا، لا يختلف على ما يبدو عن مشهد النفط في أي مكان من العالم، فهو إما نعمة إن أحسن استثماره وأديرت المحافظ المالية الناجمة عنه بصورة مدروسة تخدم الكل، أو نقمة في حال سمح السوريون للنفط بأن يفرّق بينهم، وأن يصبح اقتناص أكبر جزء منه لصالح البعض على حساب البعض الآخر، غاية، تحرق جهود الثوار، وتُسعد النظام، وربما أيضاً تخدم مصالح المتآمرين على الثورة، من أعدائها العلنيين، ومن أعدائها المتستريين بزيف دعاوى دعم الثوار.
 
أما الجوانب الأخرى التي أثيرت حول مشكلات البنية التحتية وكيفية تكرير وتصدير النفط إلى تركيا في ظل عدم وجود أنابيب لنقل النفط، فإن آراء المختصين تذهب إلى أن نقل النفط بالصهاريج قد يحل هذه المشكلة بصورة مؤقتة إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية والعسكرية في شمال شرق البلاد، وحينها يمكن ترتيب خطط نقل النفط بصورة أكثر ديمومةً.

ترك تعليق

التعليق