قطاع الدواجن السوري...على مذبح العلاقة مع إيران (1-2)


خروج ما بين 60 -80% من منشآت إنتاج الفروج والبيض من الإنتاج

غياب الدعم الحكومي وارتفاع الضرائب ساهم بتدمير قطاع الدواجن

سوريا الأولى عربياً في تصدير البيض والثالثة في إنتاج الفروج

2 مليار دولار استثمارات في قطاع الدواجن السوري

1.5 مليون سوري يعملون في مجالات مرتبطة بقطاع الدواجن

200% نسبة ارتفاع تكاليف الأعلاف المستوردة والمستخدمة لتربية الدواجن



مكانة رائدة احتلتها سوريا في مجال قطاع الدواجن في الشرق الأوسط، لتجلس في المرتبة الثالثة عربياً في إنتاج الدواجن بعد السعودية ومصر، وفي المرتبة الأولى عربياً في تصدير البيض، بعد عقدين من تطوير هذا القطاع الذي أثمر نتائج هامة، باستثمارات تتجاوز 2 مليار دولار، وحوالي 1.5 مليون مستفيد من قطاع الدواجن والقطاعات المرتبطة به.
ويتغيّر المشهد كليّاً مع بدء حرب النظام على شعبه، حيث نفقت أعداد ضخمة من الطيور بسبب الصراع المسلح، ذلك أن أصوات قذاف المدافع والانفجارات، تدفع الطيور إلى التجمع فوق بعضها بسبب الخوف ما يؤدي إلى موتها اختناقاً.

تضرر المنشآت من الحرب: إذ تشير تقارير اقتصادية إلى تضرر ما يقارب 60% من منشآت إنتاج الفروج، المتوزعة في القلمون ودرعا وإدلب وريف حمص وحماة، بفعل الأزمة التي تعيشها سوريا منذ خمسة وعشرين شهراً، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج والعرض من مادة الفروج، إلى جانب خروج الكثير من العاملين في قطاع الدواجن من مجال الإنتاج لوقوع مناطقهم في إطار "المناطق الساخنة"، ونزوح هؤلاء.
ارتفاع تكاليف المواد المستخدمة في الإنتاج (كالمواد العلفية، واللقاحات..إلخ)، وساهم في ذلك ارتفاع أسعار الأعلاف التي تُستورد من خارج البلاد ولاسيما كسبة فول الصويا والذرة الصفراء التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير بنسبة تتراوح بين 100% و200%، لأسباب عالمية لا ترتبط بسوريا، ولأسباب محلية مرتبطة بارتفاع سعر صرف الدولار بما يتجاوز 150% عن سعره ما قبل الأزمة.

مشكلة المحروقات والنقل: فمع ارتفاع أسعار المحروقات بصورة كبيرة، خاصة بعد الارتفاعات التي أقرتها الحكومة، إلى جانب صعوبة تأمينها، اضطر العاملون في مجال قطاع الدواجن إلى شراء المحروقات من السوق السوداء، بأسعار مرتفعة للغاية، إلى جانب صعوبة نقل الإنتاج بين المحافظات، وحتى من المناطق القريبة بين ريف دمشق والعاصمة، بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وانفلات الكثير من اللصوص والمجرمين، بفعل انشغال النظام وأجهزته الأمنية في حربه على الشعب، ويرتبط بذلك ارتفاع تكاليف النقل أيضاً، المرتبط بارتفاع تكلفة المحروقات وصعوبة النقل للأسباب الأمنية المذكورة.
غياب الدعم الحكومي وارتفاع الضرائب وتعددها: وهي من الأسباب التي ساهمت بتدمير قطاع الدواجن السوري، والذي كان من الممكن تلافيها، لو توافرت الرغبة والإرادة لدى القيّمين على الشأن الاقتصادي في حكومة الأسد.

ارتفعت أسعار البيض والدواجن بصورة غير مسبوقة، وفي آخر تسجيل حكومي قامت به صحيفة "تشرين الرسمية مطلع الشهر الفائت، وصل سعر الفروج المذبوح والمنظف إلى 350 ليرة للكيلو غرام الواحد وسعر كغ الشرحات إلى 650 ليرة وسعر الوردة إلى 425 ليرة والسودة إلى 450 ليرة والجناحات إلى 350 ليرة.

ارتفاع الأسعار هذا لم ينجح في تعويض العاملين في قطاع الدواجن عن خسائرهم، ذلك أن الأضرار المتعلقة بالصراع المسلح، من تدمير لمنشآت أو نهب لسيارات نقل أو نفوق لطيور، إلى جانب صعوبة تأمين المحروقات من السوق السوداء، يُضاف إلى ذلك الضرائب الحكومية العالية نسبياً على هذا القطاع وغياب الدعم الحكومي له، كل ذلك جعل تربية الدواجن مشروع يتكلّف رأس مال كبير، بعد أن كان المربي يتمكن بمبلغ صغير من التربية والإنتاج، تضاعف رأس المال المطلوب وتراكمت القروض على المنتجين من بائعي الأعلاف وغيرها من المستلزمات.

وفي هذا السياق تشير بتقارير اقتصادية إلى خروج 60-80% من منشآت إنتاج الفروج والبيض من الإنتاج، الأمر الذي انعكس ارتفاعاً في أسعار الفروج والبيض في الأسواق بصورة دفعت الكثير من أصحاب الدخل المحدود إلى الانكفاء عن شراء هذه المواد، أو التقليل منها، حيث تشير تقارير حكومية إلى أن نسبة كبيرة من المستهلكين السوريين خفّضوا استهلاكهم من الفروج إلى أقل من النصف تقريباً.
وفي دائرة الأزمة، كل سبب يؤدي إلى نتيجة لتكون سبباً لنتيجة أخرى، فارتفاع أسعار الفروج والبيض أدى إلى انخفاض الاستهلاك، مما أدى إلى المزيد من الضرر بالمنتجين في هذا القطاع.
وأمام هذه السلسلة من الانتكاسات لقطاع احتل منذ سنوات مكانة رائدة في الاقتصاد السوري، قررت حكومة النظام فتح باب استيراد مادة الفروج المجمّد بطريقة المقايضة لكمية 200 إلى 500 طن من إيران عن طريق مؤسسة الدواجن، وكُلفت الأخيرة بإنزال الكميات المستوردة إلى الأسواق المحلية.

أتى ذلك بعد أن وافقت اللجنة الاقتصادية في حكومة الأسد على استيراد 25 ألف طن من الفروج المجمّد، على الرغم من تحذيرات وزارة الزراعة.
القرار الأخير، أثار حتى قبل صدوره، الكثير من الجدل، وردود الأفعال المحذّرة، سواء من لجنة مربي الدواجن، أو من وزارة الزراعة، أو اتحاد غرف الزراعة السورية، حيث حذّرت هذه الأطراف من أن قرار استيراد الفروج المجمّد من إيران يعني فعلياً توجيه الضربة القاصمة والأخيرة لقطاع الدواجن في سوريا، والقضاء على هذه المهنة، وبالتالي تحويل حوالي 150 ألف عامل مباشر، وأكثر من 1.5 مليون عامل غير مباشر، في قطاعات مرتبطة بقطاع الدواجن، إلى البطالة، وما يعنيه ذلك من العوز الذي سيلحق بالعائلات التي كانت تعتاش من هذه المهنة.

وزارة الاقتصاد التي تبنّت القرار ودعمته حتى صدوره، تذرّعت بأنه السبيل الأمثل لتوفير كميات أكبر من الفروج للمستهلك السوري وبأسعار أرخص من المتداول.
وزارة الزراعة ردّت بدورها بأن استيراد اللحوم البيضاء يجب أن يتم بعد دراسة السوق بشكل جيد وبيان هل هناك نقص في توافر المادة، مع العلم بأنه حالياً لا يوجد نقص في توفر البيض والفروج في الأسواق المحلية- بحسب مديرية الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة- وأن الاستيراد يجب ألا يؤثر في خسارة المربين وخروجهم من العملية الإنتاجية لأن هذه المهنة يعمل فيها قطاع كبير من المربين والعمال وعمال التسويق وفي حال السماح باستيراد الفروج المجمد لا بد من ضمان الضوابط الفنية خوفاً من المشكلات الصحية التي يسببها.

لجنة مربي الدواجن بدورها حذّرت من أن هذا القرار في حال صدوره سيقضي على ما تبقى من منتجين ومربين، وناشدت الحكومة التفكير ملياً قبل اتخاذ القرار والعمل بدل ذلك على اتخاذ إجراءات سريعة لإنقاذ ما تبقى من قطاع الدواجن من خلال تسهيل الحصول على القروض من دون فوائد للمربين. وبينت لجنة مربي الدواجن أن قرار السماح باستيراد لحم الجاموس قبل سنوات لم يعوّض نقص لحم الغنم ولم يحد من ارتفاع أسعاره في الأسواق.

النقطة الأخيرة، أكدها الكثير من الاقتصاديين الذين اعترضوا على القرار قبل صدوره مذكّرين بأن استيراد آلاف الأطنان من اللحوم الحمراء المعمول به حتى الآن لم يخفض أسعارها في الأسواق. حيث وصل سعر لحم كغ العجل إلى 800 ليرة ولحم الغنم كغ إلى 1500 ليرة.
لكن هل كان لدى حكومة النظام حلول أخرى أكثر نجاعة في معالجة الانتكاسات الكبرى التي لحقت بقطاع الدواجن بما يترافق مع تأمين احتياجات السوق المحلية من هذه السلع بأسعار مقبولة؟

يتبع في الحلقة الثانية

ترك تعليق

التعليق