"اقتصاد" تجيب عن ثلاثة أسئلة حول الدولار والذهب وتدخلات المركزي في السوق السورية


• ما العوامل التي تحكم سلوك السوريين في شراء الذهب ودولار السوق السوداء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام؟
• ما العوامل التي تُعين مصرف سوريا المركزي على شدّ سعر الدولار في السوق السوداء إلى الوراء، من حين لآخر؟
• ما مصير الارتفاع في سعر الدولار والذهب في سوريا، في مقابل مصير القيمة الشرائية لليرة السورية؟

نحاول في هذا التحليل البحث عن إجابات للأسئلة السابقة، و سنبدأ باستعراض معطيات الأيام الأخيرة بخصوص أسعار الذهب ودولار السوق السوداء، مرفقين ذلك بأبرز تحليلات المختصين، بما فيهم المحسوبين على النظام، أو وسائل إعلامه.
لنبدأ بالذهب:
حقّق سعر الذهب محلياً قفزة غير مسبوقة في الأسعار، بنسبة تقارب 10% زيادة على سعره قبل أسبوع، في رقم قياسي بإقرار وسائل إعلام النظام، ومن المعروف أن أسعار الذهب تتمتّع بهامش محدود للتغيّر مقارنة بأسعار العملات كثيرة التذبذب، الأمر الذي يجعل تغيراً بمقدار 10% في سعر الذهب خلال أسبوع، رقماً قياسياً، يتطلب الوقوف عنده.
فقد وصل غرام الذهب من عيار 21 قيراطاً الى 5650 ليرة بعد أن كان سعره يوم السبت من الأسبوع الماضي تحديداً 5175 مسجلاً بذلك زيادة تصل إلى 475 ليرة خلال أسبوع، في حين سجل غرام الذهب من عيار 18 قيراطاً سعر 4843 ليرة مقارنة بسعر 4435 ليرة يوم السبت من الأسبوع الماضي كذلك.
وعلى صعيد ذهب الإدخار فقد سجلت الليرة الذهبية الرشادية سعر 41100 ليرة في حين سجلت الليرة الذهبية الانكليزية من عيار 22 قيراطاً سعر 48100 ليرة مقابل سعر 46 ألف ليرة سورية سجلتها الليرة الذهبية الانكليزية من عيار 21 قيراطاً، في حين وصل سعر الأونصة الذهبية في الأسواق المحلية السورية بناء على هذه الأسعار إلى 204 آلاف ليرة سورية.

تفسيرات وسائل إعلام النظام...ورئيس جمعية الصاغة
انشغلت بعض وسائل إعلام النظام بتقديم تفسيرات لهذه القفزة غير المسبوقة في أسعار الذهب محلياً، حيث اعتبره رئيس جمعية الصاغة بدمشق غسان جزماتي في تصريح لصحيفة الثورة، ارتفاعاً وهمياً، مرتبطاً بسعر الدولار في السوق السوداء المحلية، والذي وصل أرقاماً قياسياً هو الآخر في الأيام القليلة الماضية.
كما أشار جزماتي، وبتأييد عدد من وسائل إعلام النظام، إلى أن هذا الارتفاع في سعر الذهب وسعر الدولار يرتبط "بتوقف الجهات التدخليّة عن ضخ كميات من الدولار في الأسواق، إن كان عن طريق المصارف أو بشكل مباشر بسبب العطلة التي استمرت نحو أسبوع فكانت الساحة مفتوحة أمام مضاربي السوق السوداء للترويج للسعر الذي يريدونه".
ولا يرتبط ارتفاع سعر الذهب محلياً بارتفاع سعره عالمياً، حيث كان الأخير طفيفاً للغاية، بمقدار 6 دولارات فقط خلال أسبوع، توقف عند حاجز 1469.50 دولار للأونصة الواحدة.
وفي هذا السياق، أشار رئيس جمعية الصاغة إلى أن الطلب من قبل السوريين يتركز على ذهب الإدخار من ليرات وأونصات ذهبية، وقدّم أرقاماً مفادها أن أسواق الذهب الدمشقية تسجّل يومياً بيع 300 ليرة ذهبية مقابل بيع 100 أونصة ذهبية.

كيف نفسّر الارتفاع الأخير في سعر الذهب محلياً؟

من البديهي أن يعرف الجميع أن السوريين يسعون إلى حوافظ للقيمة، لحفظ ثرواتهم ومدخراتهم في ظل الأزمة الراهنة، وما يرافقها من أوضاع أمنية وعسكرية مضطربة.
وبعد أن انهار الاستثمار بصورة كبيرة في الاقتصاد السوري بفعل الحرب التي يشنها النظام على شعبه منذ أكثر من عامين، وبعد أن فقد العقار، من وجهة نظر الغالبية من السوريين، مكانته العريقة كحافظ للقيمة، ومن ثم التدهور السريع لليرة السورية، وخاصة في الأشهر الأخيرة، دفع ذلك كل مشكك بمصير الليرة إلى الاقتناع بأن قيمتها الشرائية إلى تدنٍ....أمام هذه العوامل الثلاثة، اتجه السوريون، كرد فعل طبيعي، باتجاه الدولار والذهب كحوافظ للقيمة، الأمر الذي زاد من ارتفاع سعرهما في السوق المحلية.
وبطبيعة الحال، فإن الترابط بين سعر الذهب والدولار قائم، خاصة لجهة تأثير الأخير على سعر الذهب، فكلما تذبذب سعر الدولار في السوق السوداء، صعوداً وهبوطاً، وزادت صعوبة تأمينه في ظل امتناع بعض المتاجرين به عن بيعه بغية رفع سعره، كلما زادت معدلات لجوء السوريين إلى الذهب، باعتباره حافظ القيمة الأمثل والأكثر استقراراً في السعر، ذلك أن الفروق في سعر الذهب لا تكون كبيرة، مقارنة بالتذبذب في سعر الدولار والذي من الممكن أن يسبب خسائر كبيرة للمتاجرين به.

لننتقل إلى سعر الدولار:

وكان سعر الدولار في الأيام القليلة الماضية قد ارتفع هو الآخر إلى أرقام قياسية، ليصل إلى 143 ليرة للدولار، الأمر الذي أرجعه مراقبون، خاصة في وسائل إعلام النظام، إلى العطلة الطويلة التي أقرتها الحكومة والتي بدأت منذ يوم الأربعاء الماضي، الأول من أيار/ مايو، بمناسبة عيد العمال، مروراً بالخميس والجمعة والسبت والأحد، عيد الفصح الشرقي، والاثنين، عيد الشهداء، الأمر الذي يعني توقف مصرف سوريا المركزي عن التدخل عبر بيع بعض المصارف وشركات الصرافة دولارات بأسعار أدنى من نظيرتها في السوق السوداء بغية شد السعر إلى الوراء، حسب وسائل إعلام النظام.

شائعة وحملة أمنية...معطيات لنماذج عمل صانعي القرار المالي
وبعد شائعة، ذكرتها بعض وسائل إعلام النظام، عن أن المركزي سيعاود تمويل المستوردات بسعر 119 ليرة، الأمر الذي ترافق مع قيام الأجهزة الأمنية بتوقيف أربعة صرّافة بدمشق بتهمة التلاعب بسعر صرف الليرة، انخفض الدولار بسرعة من 143 إلى 140 ومن ثم إلى 130، ليعاود الارتفاع ظهيرة أمس إلى 136 ليرة.
هل تدخل المركزي ببيع مصارف وشركات صرافة دولار بسعر أدنى من سعره في السوق السوداء؟
سؤال تصعب الإجابة عليه الآن، لكن المعطيات المتوافرة توضح أن عاملين اثنين ساهما بتخفيض سعر الدولار في السوق السوداء، العامل الأول: هو العامل النفسي عبر إشاعة أخبار عن قيام المركزي بالتدخل، والعامل الثاني: هو العامل الأمني عبر شن حملات جزئية على بعض الصرّافة للجم المتاجرين بالدولار في السوق ودفعهم إلى الانكفاء، علماً أن العامل الأخير كثيراً ما أدى إلى نتيجة عكسية دفعت إلى انكفاء الكثير من تجار السوق السوداء عن العمل بصورة مؤقتة مما أدى إلى انخفاض كبير في معروض الدولار في السوق السوداء يقلّ عن الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع سعره.

الأجوبة على الأسئلة في بداية التحليل

وهكذا يمكن لنا أن نخرج بجملة إجابات تتعلق بالأسئلة التي طرحناها في بداية تحليلنا:
• فمن الواضح تماماً، كخلاصة من الارتفاع الأخير في سعر الذهب محلياً، ارتفاع نسبة السوريين الباحثين عن حوافظ للقيمة، مما يعني تزايد أولئك الذين فقدوا الثقة بقدرة النظام على حسم المعركة، والأهم، تزايد قناعة المزيد من السوريين بأن الأوضاع الأمنية في البلاد لن تهدأ قريباً، وأن الاستثمار والعقار لن يستعيدا مكانتهما كحوافظ للقيمة في وقت قريب.
ويبدو أن السوريين الباحثين عن حوافظ للقيمة، والذين تزداد أعدادهم يوماً تلو الآخر، إذا عجزوا عن تأمين الدولار، أو ارتابوا من التذبذب في سعره، لجؤوا إلى الذهب.

• في مقابل ذلك، لا توجد أية معطيات أو مؤشرات أكيدة تشير إلى أن المركزي ما يزال قادراً على التدخّل في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، عبر استراتيجيته التقليدية خلال السنتين الماضيتين، وهي بيع دولارات لمصارف وشركات صرافة محددة، بأسعار أدنى من أسعاره في السوق السوداء.
مقابل ذلك يتبع المركزي استراتيجية نفسية مدعومة أمنياً، عبر تسريب شائعات عن تدخل مرتقب للمركزي، أو القيام بخطوات وتحركات تُوحي بذلك، وكان أديب ميالة، حاكم مصرف سوريا المركزي، أشار مراراً، بصورة غير مباشرة، إلى قراءته لكيفية التعامل مع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، عبر الحديث عن الأبعاد النفسية التي تتحكم بإقبال السوريين على شراء الدولار.
إلى جانب، حملات أمنية جزئية، نادراً ما تُعطي النتيجة المطلوبة، كعادة الإجراءات الأمنية، التي يجب لأية إدارة رشيدة أن تقلل منها قدر المستطاع، خاصة في الشأن الاقتصادي والمالي، حيث أن الحملات الأمنية التي تدعم إشاعات المركزي، مرات تنجح في شد سعر الدولار للوراء قليلاً، كما حدث أمس، حيث انخفض الدولار نسبياً، ومرات أخرى تخفق، حينما تؤدي إلى لجم بيع الدولار، فيقلّ المعروض منه عن الطلب عليه، فيزداد سعره، بدلاً من أن ينخفض.
• أما حول مصير هذه الدائرة المغلقة، من لجوء مزيد من السوريين إلى شراء الدولار والذهب لحفظ قيم مدخراتهم وثرواتهم، وبالتالي ارتفاع أسعار الدولار والذهب وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، مما يؤدي بالتالي إلى دفع المزيد من السوريين إلى شراء المزيد من الدولار والذهب وبيع الليرة، مما يؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار الذهب والدولار...وهكذا دواليك.....فإن المنطق يقول إن هذا السلوك سيستمر في خط بياني متصاعد مع الزمن، سينتج استمراراً في تدني القيمة الشرائية لليرة السورية، والمزيد من ارتفاع أسعار الدولار والذهب في السوق المحلية، والخلاصة ستكون تصاعدية، ربما لاحقاً بالمئات، وليس بالعشرات، كما يحصل اليوم.

ترك تعليق

التعليق