الشباب الأكثر تضرراً من الحرب .."اقتصاد" تروي مآسي الشريحة الأكبر في المجتمع السوري


أنس يفقد فرص عمله كمدرس خصوصي في حلب
أمجد يجد فرص عمل بأجر لا يتجاوز 1100 جنيه في مصر 
حسام يعجز عن نقل عائلته إلى دبي  لأسباب مادية 

ربما نالت شريحة الشباب السوري النصيب الأكبر من الآثار السلبية للأزمة السورية. فهم كانوا يعانون من نسب بطالة مرتفعة، تصل حسب التقديرات الدولية إلى حوالي 40% قبل الثورة، إلى جانب أن جزء كبير منهم يعمل في أعمال متدنية الأجر لا تعينهم على التأسيس لحياة مقبولة، وهم الشريحة الأكبر بحيث يتجازون 60% من المجتمع، والجزء المعيل لباقي المجتمع.

قبل العام 2011، كان الشاب السوري يواجه الكثير من التحديات والصعوبات بغية التأسيس لحياة مستقلة مالياً عن أهله، وبناء أساس مادي يعينه على تأسيس أسرة مستقلة له، والزواج وإنجاب الأبناء.

اليوم، باتت الأعباء مضاعفة، فالكثير من الشباب  يحملون مسؤولية عائلاتهم وأهاليهم، وبعضهم اضطروا للنزوح إلى دول الجوار، ليعانوا الفاقة، ناهيك عن انحسار فرص العمل القليلة أصلاً إلى أدنى الحدود في الداخل السوري، بفعل الحرب وآثارها الاقتصادية، مما يعني زيادة هائلة في نسب البطالة بين الشباب.

في الداخل السوري، في الجزء المحرر من حلب، يفقد أنس فرصة عمله، بعد أن كان مدرس لغة عربية، يعتمد على الدروس الخصوصية، وينال على الساعة الواحدة 700 ليرة، فبعد اندلاع الثورة، واشتراكه في بعض نشاطاتها، ومن ثم اقتحام الفصائل المعارضة المسلحة لحلب صيف العام الماضي، وانقسام المدينة بين قسم يخضع لسيطرة المعارضة، يعيش فيه جزء كبير من المنكوبين مادياً، وقسم يخضع لسيطرة النظام، ويضم بعض الأحياء الراقية في حلب، فقد أنس طلابه الذين كانوا جميعاً في مناطق سيطرة النظام، التي لا يجرؤ على دخولها خشية أن يقع في قبضة مخابرات النظام وشبيحته.

أما في حلب المحررة، لا يجد الشاب المسؤول عن عائلة مكونة من أربعة أفراد، أية مصادر للرزق تتماشى مع عمله السابق، لولا إعانات الأيدي الخيّرة التي تقي من الجوع، لكنها لا تقي من الحاجة.

المأساة تلاحق أولئك الذين قرروا المغادرة، فـ أمجد غادر دمشق قبل بضعة أشهر باتجاه مصر، علّه يجد مصدراً للرزق، بعد أن ضاقت السبل أمامه في العاصمة، إلى جانب تزايد مخاوفه من قبضة النظام، خاصة أنه تورط في عدة نشاطات للحراك الثوري، واعتقل مرةً.

في القاهرة، يقضي أمجد أياماً طويلة بحثاً عن عمل مجدٍ مادياً، فهو يأمل أن يجلب والده الستيني معه إلى مصر، لكن بعد بحث مضنٍ يجد فرص عمل بأجور متدنية للغاية، لا تتجاوز في أفضل الحالات 1100 جنيه، علماً أن الشقة غير المفروشة التي يستأجرها تكلفه 700 جنيه شهرياً.

غادر أمجد إلى الإسكندرية، فلم يكن حالها أفضل، أخبروه أن الأجور في مصر متدنية إلا إذا تمتع بميزات مطلوبة في سوق العمل، مثل البرمجيات، وهو خريج معهد متوسط تجاري، بخبرة محدودة.

في الغردقة بمصر، يعمل بعض السوريين في مجال السياحة، بظروف دخل أفضل، برواتب تصل إلى 2800 جنيه، وهو أجر مرتفع في سوق العمل المصري، لكن ذلك يعتمد على المعارف والواسطات، في حين يعمل بعض السوريين من قليلي الحظ في مطابخ فنادق الغردقة بأجور متدنية، تقل عن أجور المصريين أحياناً.

حتى الكثير من أولئك الذين يعملون في الخليج ليسوا بأفضل حالاً، فهناك قصة حسام، الذي يعمل في دبي بأجر لا يتجاوز 7000 درهم، وهو دخل محدود في ذلك البلد، حاول جاهداً أن يأتي بأحد أشقائه إلى جانبه ، لكن العراقيل التي وضعتها دولة الإمارات أمام السوريين بعد الثورة كانت كبيرة .
حسام يعاني الأمرين، فهو يسمع الأخبار السيئة عن التطورات الأمنية في سوريا، وعائلته المكونة من أبيه وأمه وشقيقين وشقيقة، يصرفون من مدخراتهم، في ظروف أمنية ومعيشية غير مريحة، لكنه عاجز عن جلبهم إليه.

حتى حينما درس حسام فكرة أن ينقل أهله للإقامة في القاهرة، وجد بعد الكثير من الحسابات بناء على معارفه من المصريين والسوريين أنه لن يتمكن من تحمل تكلفة معيشتهم هناك، خاصة مع الحاجة إلى بيت للإيجار، إلا إن كانت هناك فرص عمل لشقيقيه، وهو أمر أخبره الكثيرون أنه نادر في سوق العمل المصرية الزاخرة بالأيدي العاملة العاطلة عن العمل.

ليس بعيداً عن ذلك، مأساة الشابات السوريات اللواتي لديهن مسؤوليات مادية، خاصة منهن اللواتي يُعلنَ أسرهن، فـ رهف واحدة ممن يتحمل شقيقها مصروفها مع ولديها، بعد اختفاء زوجها في الأحداث الحالية، وتشعر بمرارة كبيرة لأنها عبء على شقيقها العاذب، لكنها بعد سعيّ للعمل لم تجد إلا فرصة عمل في روضة للأطفال بـ 400 جنيه مصري شهرياً، وهو مبلغ يكفي معيشة أسبوع واحد فقط في مصر، دون ذكر الإيجار الشهري.

أما رفيف، فكان حظها أفضل، فاستطاعت العمل كسكرتيرة في شركة سياحية براتب شهري يقدر بحوالي 800 جنيه، ورغم أنها من المحظوظات، خاصة أنها لا تُعيل أحداً، إلا أن دخلها فعلياً لا يكفيها إلا مصروفها الشخصي لا أكثر.

في دمشق، يفترش نجيب الطرقات بـ "بسطة" يبيع فيها بضائع متنوعة، بعد أن فقدَ بيته ومصنعه الصغير في زملكا تحت ضربات قصف النظام المتواصل، خاصة أنه لم يكن ممن يملكون سيولة مالية، الأمر الذي جعله يعيش اليوم بدخل محدود للغاية هو وأسرته، بعد أن كان يُوصّف من المنعمين مادياً قبل الثورة.

مآسٍ يصعب حصدها وعدّها، يتجرع المعيلون جزء كبيراً من مرارتها، في مشاعر من الفاقة والمسؤولية، ولولا بعض الأيدي الخيّرة في الداخل وفي الخارج، لكانت المأساة صارخةً أكثر، ولكان المشهد أكثر بشاعةً.

ترك تعليق

التعليق