البعدان المؤسساتي والتشريعي لقطاع المياه...في دراسة مجموعة عمل اقتصاد سوريا


هدر وإتلاف للمال العام في الشركة العامة للمشاريع المائية 
وزارة الموارد المائية خسرت تاريخها الممتد لأكثر من60عاماً
إساءة استخدام الضابطة المائية وتحقيق للمكاسب الشخصية على نطاق واسع
ضرورة إصلاح آلية منح رخص حفر الآبار التي تعتبر ظاهرة الفساد الكبرى 

نتابع في جزء جديد تسليط الضوء على أبرز ما ورد في التقرير الثاني من سلسلة "الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة – قطاع المياه"، من إعداد مجموعة عمل اقتصاد سوريا.
وفي هذا الجزء نستعرض أبرز النقاط التي عالجتها الدراسة في المجالين المؤسساتي والتشريعي في قطاعات المياه والري والصرف الصحي.

لنبدأ بالشق المؤسساتي:

تبدأ الدراسة بتوضيح هرمية تلك المؤسسات، وهي كالتالي، من الأعلى سلطة، إلى الأدنى:
1- المجلس الأعلى للمياه، أعلى سلطة بمستوى رئيس مجلس الوزراء.
2- وزارة الموارد المائية على مستوى وزير.
3- الهيئة والمؤسسات والشركات على مستوى مدير عام.
4- ثم مديريات مركزية.
وتبدأ الدراسة بتقييم وضع وأداء أول مؤسستين في الهرمية الموضّحة، حيث يعتقد معدّو الدراسة أن هاتين المؤسستين تمتعتا بأداء جيد، وبالتالي يجب المحافظة عليهما كما هما.
أما الهيئة والشركات والمؤسسات، فتبدأ الدراسة بالشركة العامة للدراسات المائية، التي يعتقد معدّو الدراسة أنها تضم أفضل خبرات البلد وأن أداءها جيد على كل الأصعدة، مع الإشارة إلى أهمية رفدها ببعض الخبرات الدولية.

أما الشركة العامة للمشاريع المائية، فيعتقد معدّو الدراسة أنها شهدت الكثير من الهدر وإتلاف المال العام، والتلاعب بها لخدمة المنافع الشخصية ربما بعشرات الملايين، وترتأي الدراسة إزالة الدمج الذي أدى لنشوء هذه الشركة، وإعادة تحويلها إلى شركتين أو أكثر ذات تخصصات محددة، وتشجيع التنافسية بينها، واتخاذ إجراءات لإخراجها من "حظيرة" الترهل الإداري.
المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي، ترى الدراسة أنها تمتلك إرثاً علمياً وعملياً كبيراً، وهي تعمل بتركيبتها الحالية بشكل جيد، مع اقتراح تغيير إدارتها العامة، ومراعاة الكفاءة في التوصيف الوظيفي.
المؤسسة العامة لسد الفرات، ينطبق عليها ما ينطبق على مؤسسة استصلاح الأراضي.

ومن ثم تنتقل الدراسة لتسليط الضوء على الهيئة العامة للموارد المائية، وتفرد الدراسة حيزاً كبيراً لعرض أبرز السياسات والاستراتيجيات التي أدت إلى خلق حالة من التنافس السلبي بين إدارات هذه الهيئة في المحافظات، بسبب مخالفتها للمادة الأولى من قانون التشريع المائي للعام 2005 والذي لم يطبق منه عملياً سوى جزء يسير، وأُسيء استخدامه في الكثير من فقراته.

كما خالفت الهيئة أيضاً المبدأ العالمي للإدارة المتكاملة للحوض المائي، الذي يعتبر الحوض المائي كُلاً متكاملاً، لأن الموارد المائية لا تعرف الحدود الجغرافية، فقُسّم الحوض الهيدرولوجي إلى عدة أقسام مبتورة ومنقوصة، فمثلاً إدارة حوض العاصي أصبح لها مدير في حمص، ومدير في حماه، ومدير في إدلب.......الأمر الذي خلق، كما أوضحنا آنفاً، تنافساً سلبياً بين هذه الإدارات للحوض المائي الواحد.

كما خالفت تجربة الهيئة، حسب معدّي الدراسة، مبدأ التنمية المستدامة، وألغت تجربة جيدة على مدار أكثر من عشرين عاماً تم تكريسها في الإدارات العامة للأحواض المائية، وخسرت وزارة الموارد المائية، بسبب عمليات الدمج ونقل الأرشيف من مكان لآخر، إرثها الورقي الهام، وخسرت تاريخها المائي الممتد لأكثر من ستين عاماً، وخسرت أرشيف المياه الدولية المشتركة الذي جُمع فيه كل ما يتعلق بالموضوع فنياً وقانونياً وسياسياً.

وقد سببت مركزية صنع القرار المائي في إدارة الأحواض المائية، التي هي أبعد ما تكون عن المركزية العامة، بسبب خصوصيات كل حوض مائي، ضرراً كبيراً بالثروة المائية للبلاد.
لذلك تقترح الدراسة أن تكون من أولويات العمل في السنتين التاليتين، إصدار القوانين لإعادة العمل بالأحواض المائية ومديرياتها العامة، وإعادة تنظيم وتوزيع العمل فيما بينها.
أما بخصوص المؤسسة العامة لمياه الشرب، فيعتقد معدّو الدراسة أن أداءها جيد، وقد اكتسبت خبرات لا بأس بها، وبالتالي يمكن الإبقاء على حالها كما هي.
وبخصوص الشركات العامة للصرف الصحي، وهو قطاع حديث نسبياً، ومنفصل عن مؤسسات مياه الشرب، فيجب دراسته بشكل تفصيلي ومنحه المزيد من الدعم الفني والمالي، والتوسع في هذا القطاع ما أمكن.

الجانب التشريعي

ومن ثم تنتقل الدراسة إلى مراجعة العمل في قانون التشريع المائي وتطبيقه، والذي تصفه بأنه قانون جيد، لكنه بحاجة إلى إعادة تفعيل، وإعادة العمل بالمؤسسات والشركات التابعة للوزارة، من ذلك:
تفعيل مبدأ الاستدامة، وتفعيل مبدأ الحوض المائي المتكامل، وتفعيل نشر ثقافة جمعية مستخدمي المياه، وتغيير آلية توصيف وتحديد الحُرم المائية بحيث تتم مراعاة خصوصية نشأة كل عنصر مائي، ولا سيما الينابيع.

وتلفت الدراسة إلى أن الضابطة المائية عموماً أسيء استخدامها، وقد اعتمدت على المكاسب الشخصية على نطاق واسع، لذلك لا بد من توصيف أدق واختيار الأمناء الأكفاء بشكل موضوعي أكثر، حسب معدّي الدراسة.
وتشير الدراسة إلى ضرورة تفعيل تثبيت الحقوق المكتسبة وإعادتها إلى أصحابها الذين سلبت منهم خلال فترة طويلة، وإعادة تفعيل المجاري المائية العامة وإعادة الحقوق التاريخية للمستفيدين منها بشكل جذري.

وتضيف الدراسة ضرورة إصلاح آلية منح رخص حفر الآبار التي تعتبر ظاهرة الفساد الكبرى في قطاع المياه والري وضبطها بضوابط أخلاقية تحفظ المصادر المائية وتعطي المستفيدين حقوقهم.
إلى جانب تطوير أداء أجهزة الرقابة خاصة الرقابة الداخلية ودعمها بالخبرات الفنية والقانونية حتى تكون مصدر تشجيع وليس مصدر خوف، حسب تعبير معدّي الدراسة.

وتختتم الدراسة تفصيلها في الشأن التشريعي بالإشارة إلى ضرورة إصلاح قوانين أخرى، منها المتعلقة باستصلاح الأراضي عموماً، وتكاليف ذلك، ورسوم الصيانة والتشغيل، وتفعيل الفقرة الخاصة بالمياه الطبيعية ذات المنفعة الطبية الواردة في قانون التشريع المائي، وهي فقرة يتطلب تفعيلها إصدار الصكوك اللازمة لتحديد شروط وطرق استعمال وأسس حماية هذا النوع الهام من المياه.


"الجزء السابق من الدراسة  .."

في دراسة مجموعة عمل اقتصاد سوريا.. مياه الشرب والري والصرف الصحي (الأضرار والمقترحات) 

خيار تخزين الموارد المائية السطحية أصبح في نهاياته وتركيز العمل في مجال تنمية المياه الجوفية يجب ألا تكون زراعتنا تقليدية تراثية . المزيد

ترك تعليق

التعليق