خسائر، فكوارث، فإفلاس.. الاقتصاد السوري يسابق نظام بشار في الانهيار


خبراء يقدرون خسائر الاقتصاد السوري  بـ 80 مليار دولار في نهاية 2012
الخسائر بين 50 % على الإنفاق العسكري و43 % في احتياطي رأس المال 
الحرب ساهمت في عجز الحساب الجاري إلى 18.5 % من الناتج المحلي الإجمالي
 ارتفاع العجز التراكمي لميزان المدفوعات إلى 16 مليار دولار

نشرت وكالة "الأناضول" تقريراً مفصلاً عن الواقع الكارثي للاقتصاد السوري، وما ينتظر هذا الاقتصاد من كوارث إضافية، مع استمرار النظام في نهب ما تبقى من خيرات سوريا لتمويل عمليات القتل والتدمير.
ورأى التقرير أن سوريا تواجه خطر الإفلاس، نتيجة ما لحق بها من خسائر جسيمة، انعكست في عدة صور أهمها، تدهور قيمة الناتج المحلي، وتراجع الإيرادات، والهبوط الشاقولي المتواصل لليرة.
وهذا نص التقرير: 
مع اشتداد المعارك واستنزاف الموارد، يسابق الاقتصاد السوري نظام بشار الأسد في التدهور السريع والانهيار نحو الهاوية، كنتيجة طبيعية لانهيار إجمالي الناتج المحلي وتبخر احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية، وتضاعف كلفة المعيشة وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، بسبب تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، فضلاً عن ارتفاع التضخم إلى مستويات خطيرة وتفاقم مشكلة البطالة مع انعدام فرص العمل.

كما يأتي هذا التدهور عقب إقفال عدد كبير من المصانع وتوقف نشاط العديد من الشركات والمؤسسات، بالإضافة إلى ارتفاع العجز في الجبايات العامة بسبب التراجع الكبير في الإيرادات، مقابل تضاعف الإنفاق الحكومي لتمويل العمليات العسكرية ضد الشعب السوري.

وكنتيجة طبيعية لكل هذه التطورات الخطيرة، يتساءل المراقبون: إلى متى يستطيع نظام بشار الأسد الاستمرار في تمويل الإنفاق الكبير والمتزايد؟.
المعروف أن التوقف عن الدفع في أي مؤسسة أو شركة يعني إفلاسها وإقفالها، وبالتالي فإن توقف أي نظام في أي دولة عن دفع الرواتب للموظفين يعني انهيارها مالياً وإفلاسها، وهنا السؤال المطروح: إلى متى يستطيع النظام السوري تحمل النفقات الجارية والتوقف عن الدفع؟. 
لعل الجواب الحقيقي جاء في تحذير أطلقه الخبير عبد الله الدردري كبير الاقتصاديين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا)، والذي أكد أن كل مؤشرات الاقتصاد السورى تشير إلى اقتراب الكارثة.
الدردري، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية لمدة 6 سنوات، حذر من أن الحكومة "ستصبح عاجزة عن دفع رواتب موظفي الدولة في حال استمرت الأزمة بعد هذه السنة"، أما فى حال استمرت الأزمة حتى عام 2015، فتوقع الدردري أن تصل نسبة البطالة إلى 58 % مقابل نحو 32 %حالياً، ما يعني غياب فرص العمل، بينما ستصل نسبة السوريين الذين يعيشون في فقر مدقع ( أي أقل من 1.25 دولار يومياً ) إلى 44 % مقابل 12 % قبل الأزمة، حيث ستضم هذه الشريحة أكثر من 10 ملايين سوري.

خسائر وانهيار مالي
قدر خبراء خسائر الاقتصاد السوري في السنة الأولى للأزمة بنحو 30 مليار دولار، وبدأت مؤشرات الأزمة الاقتصادية مع هجرة رؤوس الأموال خلال الأشهر الأولى، وقد شملت نقل الحسابات المصرفية للمواطنين السوريين إلى لبنان ومصر والأردن وتركيا والإمارات، إضافة إلى ذلك برزت خسائر القطاع السياحي الذي زود سوريا في عام 2010، بنحو 8 مليارات دولار.

وبنهاية 2012، قدر بعض الخبراء حجم الخسائر بنحو 80 مليار دولار، ولكن بشكل أقل تشاؤماً قدر المركز السوري لبحوث السياسات التابع للجمعية السورية للثقافة والمعرفة حجم الخسائر في عامي 2011 و2012، بنحو 50 مليار دولار.
وتتبين خطورة هذه الخسائر لدى مقارنتها بحجم الناتج المحلي البالغ نحو 60 مليار دولار حسب البيانات الرسمية لعام 2010، وهو مؤشر واضح للانهيار الكبير الذي تعرض له الاقتصاد السوري.
وتوزعت هذه الخسائر بين 50 % على الإنفاق العسكري، ونحو 43 % خسائر في احتياطي رأس المال، و7% خسائر أخرى.

واعتبرت الدراسة السورية أن هذه الخسائر كبيرة جداً مقارنة بالخسائر التي نتجت عن النزاعات الداخلية في دول أخرى، وقد أدت إلى نمو اقتصادي سلبي بمعدل 3.7 % عام 2011، ارتفع إلى 18.8 % عام 2012، مقارنة مع نمو إيجابي كان مقدراً قبل الأزمة بنحو 7.1 % لعام 2011 ونحو 5.6 % لعام 2012.
مع الإشار بأن الأزمة ساهمت في عجز الحساب الجاري إلى 18.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك ارتفع العجز التراكمي لميزان المدفوعات إلى 16 مليار دولار، وقد كان هذا العجز يمول من صافي احتياطي العملات الأجنبية الذي سجل بدوره انخفاضا كبيراً من 18 مليار دولار فى عام 2010 إلى ملياري دولار بنهاية عام 2012، كما تشير بعض التقديرات، خلافا لما يدعيه النظام الذي يقول إنه ما زال يحتفظ بـ 4 مليارات دولار من العملات الصعبة.

موازنة العام 2013
توقع خبراء سوريون أن يصل عجز الموازنة في 2013 إلى نحو 10 مليارات دولار، أي نصف الموازنة المقدرة بنحو 20 مليار دولار، الأمر الذي قد تضطر معه الحكومة إلى الاستدانة أو انتظار منح خارجية من أجل سداد هذا العجز، بغض النظر عن المساعدات المادية والعينية التي تتلقاها من إيران، والتي تختلف التقديرات حول حجمها.
ومع انعدام أي موارد من التصدير الزراعي والصناعي والنفطي بسبب تطور الأحداث العسكرية في مختلف المناطق السورية، فإن معدل العجز في الموازنة سوف يرتفع 10 أضعاف إلى 17 % من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما كان هذا المؤشر قد استقر عند 1.7 % فى العام 2010.

وبعيداً عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه السوريون، في ظل الانهيار المالي الكبير خصوصاً نتيجة الإنفاق المفتوح ومن دون حساب على العمليات العسكرية وشبيحة النظام، فقد سبق لوزير المالية السوري السابق محمد جليلاتي التصريح بأن موازنة 2013 تحمل عجزاً يقدر بنسبة 40 %، وهو رقم كبير وغير مسبوق في تاريخ سوريا، وحدد جليلاتي 3 مصادر محتملة لتمويل العجز ومعالجة آثاره التضخمية الكبرى، وهذه المصادر:
1- طبع العملة، وخطورته تكمن في آثاره التضخمية التي تخفض قيمة العملة الوطنية وترفع الأسعار.
2- الاستدانة من المواطنين عن طريق بيع سندات خزينة، وهذا الأمر قد لا يلقى إقبالا بسبب الظروف التي تمر بها البلاد.
3- الاستدانة من الخارج

وأشار جليلاتي في هذا المجال إلى قرض محتمل قد تحصل عليه سوريا من روسيا بقيمة 5 مليارات دولار، لكنه خلص إلى القول أن الحكومة قد تجد " توليفة " لمعالجة العجز، تزاوج بين الاحتمالات الثلاثة السابقة.
ولوحظ أن النظام السوري سبق أن اختار سلفاً الطريق الأسهل والأسرع، فأقدم على طبع العملة، وبما أنه خاضع لعقوبات أوروبية وأميركية، فقد وجد ضالته في روسيا التي طبعت له في العام الماضي ما يقارب 240 طنا من العملة الورقية، في محاولة لإنقاذ اقتصاده المتهاوي، و من أجل تمكين هذا النظام من دفع الرواتب المستحقة للجيش الذى يحارب منذ ربيع العام 2011، وكنتيجة طبيعية لذلك حصد الشعب السوري تضخماً كبيراً التهم قيمة أمواله ومدخراته.

النظام يسرق الشعب
لقد ساهمت كل هذه التطورات السلبية والخطيرة اقتصاديا واجتماعيا في ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 50%، وتضاعفت أسعار السلع الاستهلاكية و الغذائية بين 100 و200 %، مع انهيار قيمة الليرة السورية، حتى أصبح سعر "دولار دمشق" أكثر من 140 ليرة، صعودا من نحو 45 ليرة قبل الأزمة، فتقلصت قيمة الرواتب والأجور إلى مستويات متدنية جدا،ً جعلت معظم المواطنين وخصوصاً الموظفين والعمال يكابدون عناء أعباء كلفة المعيشة المتزايدة، وبهذا غدا النظام وكأنه يسرق الفارق الكبير المترتب على انخفاض قيمة أجور ورواتب المواطنين، فضلاً عن أموالهم ومدخراتهم.

ومن آخر الإجراءات التي اتخذها النظام السوري، ما عمد إليه مصرف سوريا المركزي في 23 مايو/ أيار 2013، حيث طلب "المركزي" من البنوك وشركات الصرافة، صرف تحويلات السوريين الواردة من الخارج إلى سوريا بالليرة، حرصاً منه على توفير العملات الأجنبية لديه، حتى يستفيد منها النظام.
وبما أن عملية الصرف تتم بالسعر الرسمي للدولار، فإن المواطن السورى يخسر دائماً الفارق بين السعر الرسمي، وسعر السوق السوداء، والذي يقارب 50 ليرة لكل دولار، يسرقها النظام من صاحب الحوالة دون حق.
وحرصاً من النظام، كما أعلن فى وسائل الإعلام الرسمية، على توفير مبالغ للخزينة، فقد أقدم مؤخراً على رفع سعر لتر البنزين بنسبة 23 % من 65 ليرة إلى 80 ليرة، وهي الزيادة الثانية خلال 3 أشهر، وأشار إلى أن ذلك يوفر للخزينة نحو 35 مليار ليرة تنفقها على دعم المادة، أي نحو 250 مليون دولار.

لقد كان سعر البنزين قبل الأزمة 40 ليرة، أي ما يعادل 85 سنتا أميركياً، ومع ارتفاعه مرات عدة حتى وصل إلى 80 ليرة، تراجع سعره الدولاري إلى 57 سنتاً، وهكذا فإن سعر البنزين ارتفع بالليرة وانخفض بالدولار، نتيجة تدهور سعر صرف الليرة، ولكن هذا السعر يبقى السعر النظري وغير الحقيقي من وجهة نظر البعض، لأن ما يدفعه المواطن في السوق السوداء أعلى من ذلك، عطفا على أزمة المحروقات الخانقة، التي فتحت مجالا للمتاجرة والتربح السريع، لاسيما من قبل "شبيحة" النظام.

وبما أن الحرب عادة ما تفرز فقراء وأغنياء، فقد لوحظ مع تدهور قيمة الليرة السورية، وهروب رؤوس الأموال إلى البلدان المجاورة والخليج، ومعظمها بالدولار، ازدهار عمليات الذهب بيعاً وشراء لدى التجار ومحال الصاغة في سوريا، فالرأسمالي الغني ومع ندرة وجود العملة الأميركية في الأسواق، لجأ إلى شراء سبائك أو أونصات من الذهب ليحمي مدخراته من تدهور قيمتها، أما المواطن الفقير فقد أقدم بدوره على بيع مصاغ زوجته، حتى يتمكن من مواجهة نفقات معيشته ومعيشة عائلته، وبذلك يستفيد تاجر الذهب من شراء المجوهرات بأسعار منخفضة، وبيع السبائك بأسعار مرتفعة حسب طبيعة العرض والطلب.

ترك تعليق

التعليق