مرارة اللجوء تدفع بأطفال اللاجئين السوريين في الأردن إلى العمل لإعانة أسرهم

عند إحدى إشارات المرور بالقرب من مجمع الحافلات في محافظة المفرق الأردنية يقف عبد الله خلف ذو الثمانية أعوام من مدينة درعا وهو يحمل علبة في داخلها علكة وبسكويتاً عسى أن يحصّل دنانير قليلة تساعده على العيش بكرامة مع أمه وأشقائه الصغار، وعندما سألناه عن سبب عمله قال ببراءة وعفوية "بدنا نعيّش العيلة".

قصة الطفل السوري عبدالله هي واحدة من قصص كثيرة لأطفال ذاقوا مرارة اللجوء باكراً واتجهوا إلى العمل بدل آبائهم الذين يواجهون عراقيل وصعوبات كثيرة في العمل.

ولا توجد إحصائيات رسمية حول عدد أطفال اللاجئين العاملين في الأردن بحسب هيثم الخصاونة الناطق باسم وزارة العمل، وإن كانت هناك إحصائية للأطفال الاردنيين أجرتها دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية عام 2007 تشير إلى أن عدد الأطفال العاملين في المملكة يبلغ حوالي 32 ألف طفل، يتركز معظمهم في محافظات عمان والزرقاء وإربد. وهي نسبة كبيرة وخصوصاً إذا علمنا أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في الأردن هم دون سن الثامنة عشر، وكان المهندس حمادة أبو نجمة أمين عام وزارة العمل الأردنية قد أشار إلى وجود حوالي (161) ألف عامل سوري في المملكة يعمل معظمهم بشكل غير قانوني الى جانب وجود حوالي (30) الف طفل سوري عامل معظمهم في قطاع الزراعة. 

وأضاف خلال مؤتمر صحفي عقد بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال أن أغلب الأطفال السوريين العاملين في قطاع الزراعة تعرضوا لحوادث مختلفة منها تلوث بالمبيدات ولسعات حشرات.

القوانين حبر على ورق !
فرضت الأحداث المؤلمة في سوريا واقعاً جديداً في سوق العمل الأردني وبالذات بالنسبة للأطفال الذين تضطرهم الحاجة للعمل بدلاً عن آبائهم الممنوعين من العمل إلا بموجب تراخيص مكلفة طاقة الكثيرين منهم، ورغم عدم توفر معلومات عن مدى استفحال ظاهرة عمالة الأطفال اللاجئين في الأردن لدى (اليونيسف) إلا أن منسق المنظمة سامر بدران يشير إلى أن هناك “نزعة” لدى هؤلاء الأطفال للعمل في مخيم الزعتري وخارجه. ويضيف بدران أن المنظمة ستقوم قريباً بإجراء تقييم لقضايا حماية الأطفال اللاجئين الذين يعملون في سن مبكرة للوصول إلى فهم أفضل لهذه النزعة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في عام 1989 اتفاقية حقوق الطفل التي عرّفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره. وأكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجَّح أن يكون خطراً أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضرراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي. 

وبموجب هذه الاتفاقية التي وقّع الأردن عليها عام 1990 تُلزم الأمم المتحدة الدولَ الأطراف اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل حماية الأطفال وعدم تعرضهم لأي انتهاك من حيث العمل، فضلاً عن وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص. 

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1989 الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي كان قد تم إعداد مسودته في عام 1957، و نص على “وجوب كفالة وقاية الطفل من ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال، وأن لا يتعرض للإتجار به بأي وسيلة من الوسائل، وأن لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب، وأن لا يسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي”. إلا أن تطبيق الكثير من بنوده ظل حبراً على ورق في الأردن.
ففي حين يمنع اللاجئين الكبار من العمل وتتم ملاحقتهم وزجهم في أقسام الشرطة نرى الكثير من الأطفال يعملون في عدد من المحال التجارية والمطاعم وحتى المحال الحرفية من كراجات وغيرها ويتعرضون لأسوأ أنواع الاستغلال سواء على صعيد تدني الأجور أو ظروف العمل ذاته.

ظروف صعبة
أبو مرهف لاجئ سوري دفع بطفليه لبيع مواد غذائية في الطرقات، فهو لا يستطيع التجول في الشوارع بسبب سنه، ويؤكد أنه بحث كثيراً عن العمل لكن دون جدوى الأمر الذي اضطره لتشغيل أطفاله. يضيف أبو مرهف “ليس لدي خيار آخر، كيف سأؤمن مستلزمات البيت وكيف سأدفع أجرة المنزل المرتفعة جداً.

وترى شيرين مازن الباحثة في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أن هناك أسباباً اقتصادية واجتماعية عدة تدفع بأطفال اللاجئين السوريين للانخراط في العمل في سن مبكرة، فالعديد من اللاجئين السوريين خرجوا من بلادهم دون مردود مادي ودون عمل، تركوا بيوتهم وأموالهم في سوريا واضطروا للعمل هنا في ظروف صعبة. 

وحول سبب سماح اللاجئين لأبنائهم بالعمل تضيف شيرين أن دخل رب الأسرة اللاجئ قليل لذا يقوم باستخدام أبنائه كرديف له ويدفع بهم إلى العمل وقد يكون سبب عمل الأطفال لأسباب ذاتية. 

وتضيف الباحثة شيرين مازن لـ"اقتصاد": "أحيانا يأتي الطفل دون عائلته للظروف الدائرة في سوريا فيضطر إلى العمل ليصرف على نفسه، ويؤمّن دخله اليومي، وأحياناً يأتي مع أمه وأخواته فيكون في هذه الحالة المعيل الوحيد لهذه العائلة فيضطر إلى العمل".

كثير من أبناء اللاجئين ليسوا على مقاعد الدراسة وكثير من الآباء لا يملكون المال الكافي لسد حاجة بيوتهم بالإضافة لضعف قدرتهم على العمل مما يجعل ظروف اللجوء الصعبة تسهم سلباً في تفاقم هذه الظاهرة.

وتخطط اليونيسف ووزارة العمل لتدريب عمال الخطوط الأمامية في بلدة المفرق الشمالية بشأن الآثار النفسية والاجتماعية لعمل الأطفال والتشريعات التي تحظر عمل الأطفال في الأردن والفرص التعليمية المتاحة للمتسربين من الدراسة. 

وسيطلب بعد ذلك من عمال الخطوط الأمامية القيام بمهام رفع الوعي داخل المجتمع بشأن أخطار عمل أطفال اللاجئين السوريين.

ترك تعليق

التعليق