في دراسة لـ"مجموعة عمل اقتصاد سوريا" ..إعادة هيكلة وبناء قطاع السياسات المالية والنقدية (1-2)

ضعف الإيرادات الضريبية وضرائب الدخل نسبة للناتج المحلي نتيجة التهرب الضريبي
إعطاء المصرف المركزي الاستقلالية التامة وجعله مسؤولاً أمام رئاسة الجمهورية مباشرة.
يعاني الجهاز المصرفي من ضعف الكوادر البشرية و ضعف الأداء وفقاً للمعايير الدولية
العمل على الاستفادة من الاحتياطي وذلك باستثماره بمشاريع استثمارية.
ابتكار ادوات تمويل طويلة الأجل للمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي وزيادة الاعتماد على صيغ التمويل الاسلامية


في تقريرها الرابع من سلسلة "الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة"، نشرت "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" بحثاً حول السياسات المالية والنقدية في سوريا، وآفاقها المستقبلية بعد الثورة.

بطاقة تعريف

والمجموعة المذكورة، لا تتبع لأي كيان سياسي، فهي فريق اقتصادي مستقل اعتمدتها مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" المعنية بإعادة إعمار سوريا بقيادة الإمارات وألمانيا، كشريك اقتصادي أساسي ممثّلٍ للجانب السوري في التخطيط لمستقبل الاقتصاد السوري بعد الثورة، ويشغل منصب منسق المجموعة العام الدكتور أسامة قاضي.

وتسعى "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" إلى كتابة الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من خمسة عشر قطاعاً حيوياً، لتكون بمثابة المشروع الوطني الذي يقدم هدية لرؤساء الحكومات بعد الثورة، لتبيان إمكانيات الاقتصاد السوري.

وقد صدر عن المجموعة حتى الآن، أربعة تقارير، الأول حول الزراعة، والثاني حول المياه –نشرت "اقتصاد" معظم تفاصيله-، أما الثالث، فخُصّص لمعالجة قضايا الإسكان وكيفية التعامل معها بعد الثورة، وفي مرحلة إعادة الإعمار، وقد استعرضته "اقتصاد" بالكامل في جزئين.

السياسات المالية والنقدية

أما التقرير الرابع، فكان تحت عنوان "إعادة هيكلة وبناء قطاع السياسات المالية والنقدية"، وتستعرض "اقتصاد" هذا التقرير بصورة موجزة، في جزئين أيضاً.
وتتمحور الدراسة الجديدة لمجموعة عمل اقتصاد سوريا، حول واقع السياسات المالية والنقدية الراهن وإعادة الهيكلة المقترح اعتمادها في مرحلة إعادة البناء، ولاسيما أن لقطاع السياسات المالية والنقدية تأثيره المباشر على مختلف قطاعات الاقتصاد السوري.
وقد أوضح معدّو الدراسة أن السياسة المالية والنقدية تعتبر بوصلة السياسة الاقتصادية الكلية وأداتها الفاعلة، حيث تستخدم الدولة في الظروف الطبيعية السياسات المالية والنقدية لتحقيق أهداف الخطط الاقتصادية على صعيد الاقتصاد الكلي.

وأوضحت الدراسة أنه لا يمكن وضع تقديرات وأهداف كمية صحيحة لمتطلبات المرحلة القادمة فيما يخص السياستين المالية والنقدية ما لم تتوقف الآلة العسكرية عن التدمير الممنهج أو ما لم يسقط النظام رسمياً، وكذلك ما لم يتم الإطلاع على التقديرات الكمية والنقدية للخسائر التي أصابت مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية.

وتتألف الدراسة من سبعة فصول، نستعرض منها في هذا الجزء الفصول الثلاثة الأولى:

أولاً -السياسة المالية العامة الواقع وإعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عنها:

تستعرض الدراسة بدايةّ المؤسسات المسؤولة عن السياسة المالية في سوريا، ومن ثم تستعرض أهداف السياسة المالية بشكل عام، وتفصّل التركيب الهيكلي للموازنة العامة للدولة السورية.
وفي هذا الفصل تبيّن الدراسة أن تحليل السياسة المالية المعتمدة على الأرقام المنشورة عن نتائج الخطة الخمسية العاشرة، يُفيد بما يلي:

1- ضعف الإيرادات الضريبية وضرائب الدخل نسبة للناتج المحلي، نتيجة التهرب الضريبي.
2- لم تحقق السياسة المالية هدفها الرئيسي وهو التخصيص الأكثر كفاءة للموارد بسبب ضعف كفاءة الإنفاق العام الجاري والاستثماري وعدم وجود نظام فعال لضبط الفساد والإنفاق غير المجدي.
3- لم تحقق الهدف الثاني في إعادة توزيع الدخل نتيجة سياسة تجميد الأجور خلال فترة الخطة ونتيجة ضعف العدالة الضريبية.
4- عدم توفر نظرة تنموية متكاملة للسياسة المالية مما أثر سلباً على الأداء الاقتصادي الكلي.
5- ضعف الرقابة على نوعية الإنفاق والتركيز على الكم مما أدى لتراجع كفاءة الإنفاق.
6- هناك تحديات واجهت ولا تزال تواجه السياسة الضريبية تتمثل في:
أ‌- ضعف العدالة الضريبية مع تعاظم التهرب الضريبي.
ب‌- ضعف الحصيلة الضريبية وعدم كفاءة الإدارة الضريبية.
ت‌- تراجع الإيرادات الضريبية النفطية.
ث‌- إنخفاض الرسوم الجمركية.
ج‌- المنافسة العالمية على جذب الاستثمارات الأجنبية.

ثانياً- السياسة النقدية الواقع وإعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عنها:
وتبدأ الدراسة بتعريف السياسة النقدية وتوضيح أهميتها، مفصّلة مؤسسات القطاع المالي والنقدي في سوريا.
وتشير الدراسة إلى أبرز قانون ناظم للنقد، يحمل رقم 23 لعام 2002، والذي أعاد إحياء مجلس النقد والتسليف الذي يتولى العديد من المهام أهمها، الإشراف والرقابة على القطاع المصرفي وبعض المؤسسات المالية (شركات الصرافة، ومؤسسات التمويل الصغير). وتخلص الدراسة إلى أن يعتبر القانون الحالي المُشار إليه مناسباً للمرحلة الانتقالية ولمرحلة مابعد سقوط النظام ولمرحلة إعادة البناء.
ومن ثم تعرّج الدراسة على تفصيل الأهداف الاستراتيجية للسياسة النقدية، وأدوات السياسة النقدية، ونتائج السياسة النقدية.
وبناء على جملة الأرقام والمعطيات التي تستعرضها الدراسة في إطار تفصيل واقع قطاع السياسات النقدية في سوريا خلال الخطة الخمسية العاشرة، تستنتج مايلي:
1- أن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي (نمو الناتج المحلي) منخفض جداً.
2- إن المصدر الرئيسي لنمو الكتلة النقدية هو الاحتياطيات الأجنبية، التي بدأت تتناقص نتيجة الإنفاق على الماكينة العسكرية، وليس نمو الكتلة السلعية والخدمية أو نمو الناتج المحلي.
3- لم يحظَ مصرف سوريا المركزي بالاستقلالية التامة للقيام بدوره في رسم السياسة النقدية بعيداً عن وصاية الحكومة.
4- كان لتثبيت سعر الفائدة خلال الفترة الماضية آثار سلبية على عمل المصارف.
5- يعاني الجهاز المصرفي من ضعف الكوادر البشرية ومن ضعف الأداء وفقاً للمعايير الدولية.
6- عدم وجود سوق مفتوحة، جعل من السلطات النقدية غير قادرة على التحكم بمعدلات التضخم وإيجاد بيئة نقدية تساعد في تحقيق الأهداف الاقتصادية العامة.
7- إن التسليف أو منح الائتمان للأنشطة الاستثمارية ضعيف جداً مما أثر على المناخ الاستثماري العام.
8- إن التسليف للقطاعات الإنتاجية الحقيقية ولاسيما لقطاعي الصناعة والزراعة كان ضعيف جداً، رغم توفر السيولة لدى كل من المصارف العامة والخاصة.

ثالثاً- مقترحات للمرحلة المقبلة في مجال السياسة المالية والنقدية:

أ- في مجال السياسة المالية:
1- دراسة ترشيد الإنفاق الاستثماري وعدم اعتماد أي مشروع استثماري بدون إرفاقه بدراسة جدوى اقتصادية واجتماعية.
2- مراجعة الإنفاق الجاري الحالي وطرق توزيع الاعتمادات والتخفيف من الإنفاق التفاخري وغير الضروري، والعمل على تطبيق قاعدة "النفقة الزكية" التي تنفق في المكان المستهدف وتحل المشكلة بشكل نهائي.
3- وضع سياسة متكاملة للدعم مع أهمية البحث عن طرق لتوجيه الدعم إلى مستحقيه.
4- التركيز على إصلاح جانب الإيرادات بمختلف أنواعها والعمل على زيادة إيرادات الموازنة والدخل عن طريق تحصيل الضرائب والرسوم واعتبار أن دفع الضريبة هو واجب وطني وديني.
5- إصلاح الإدارة الضريبية والعمل على تحسين كفاءة العاملين في القطاع المالي والنقدي والحفاظ على الخبراء المؤهلين في كل المؤسسات المالية والنقدية.
6- إعادة النظر بالإعفاءات الضريبية وفقاً للغاية التي وضعت من أجلها وبما يخدم الأهداف التنموية وتنشيط الاستثمارات في القطاعات التي تخلق فرص العمل وتزيد من من درجة التصنيع أو القيمة المضافة.
7- إعادة النظر بالضرائب غير المباشرة والتي تشكل مصدراً هاماً لإيرادات الموازنة.

ب- في مجال السياسة النقدية والتمويلية:

1- إعطاء المصرف المركزي الاستقلالية التامة في رسم السياسة النقدية وفقاً للمعايير الدولية، وجعله مسؤولاً أمام رئاسة الجمهورية مباشرة.
2- تطوير الرقابة على المصارف من خلال تفعيل دور مفوضية الحكومة لدى المصارف بما يحقق لها المزيد من المرونة في عمليات التمويل.
3- إدخال الأدوات غير المباشرة للسياسة النقدية مثل أسعار الخصم والبدء بالتدرج باستخدام السندات الحكومية والتأثير على نسب الاحتياطيات الإجبارية للمصارف.
4- العمل على الاستفادة من الاحتياطي وذلك باستثماره بمشاريع استثمارية.
5- تفعيل دور سعر الفائدة وجعله مرناً وفقاً للظروف الاقتصادية الراهنة، مع التركيز على الهدف الرئيسي للسياسة النقدية (النمو الاقتصادي والاستقرار الكلي).
6- تطوير الأدوات غير المباشرة لتوجيه التسليفات اتجاه القطاعات الحيوية (الصناعة التحويلية، مراكز الأبحاث والتطوير).
7- تشجيع القروض المتناهية في الصغر لمكافحة الفقر في المناطق المهمشة.
8- إصدار أوراق مالية حكومية (أذونات وسندات خزينة) تمكن مصرف سوريا المركزي من إدارة السيولة في السوق.
9-إبتكار أدوات تمويل طويلة الأجل للمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي وزيادة الاعتماد على صيغ التمويل الإسلامية
10- استثمار أموال التأمينات الاجتماعية بمشاريع مولدة للدخل، وعدم الاحتفاظ بها على شكل ودائع أو إدخارات مالية.
11-إصلاح هيكل ونظام الضرائب والإدارة الضريبية من خلال نظام بديل، وذلك بناء على التجارب العالمية المتعددة.
يتبع في الحلقة الثانية...

ترك تعليق

التعليق