ما بين "الثورة" ونفي "الشهابي"..هل هي زلّة...أم مشروع "بلطجة" على أموال السوريين في المصارف الخاصة؟

في العنوان الأول من صفحة "اقتصاديات"، أمس الأول، نشرت صحيفة "الثورة" الرسمية، عنواناً صادماً للغاية: "اتحاد غرف الصناعة يطالب بتأميم المصارف الخاصة".

وأشارت "الثورة" إلى أنها تنشر تفاصيل مذكرة قدمها اتحاد غرف الصناعة السورية لوزارة الصناعة، يدعو فيها الحكومة إلى القيام بتأميم المصارف الخاصة وإعادة النظر في القوانين والضوابط الناظمة لعمل هذه المصارف، حيث إن تجربتها أثبتت أن معظم قروضها ذهبت إلى تمويل المشاريع الكبيرة.
ولم تخصص أي جزء من ميزانياتها لتمويل باقي المشاريع، وبالتالي لابد من وضع ضوابط جديدة ترغمها على تخصيص ثلث مخصصاتها الإقراضية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والحرفية. وذلك حسب نص المادة الصحفية المنشورة في "الثورة".

مذكرة اتحاد غرف الصناعة السورية تتطرق لمواضيع أخرى، من قبيل الإسراع بعقد الاتفاقيات مع دول منظومة (البريكس) ما يضمن تصدير الصناعات السورية إليها دون عوائق جمركية، وضرورة الاهتمام بتأسيس مصارف للتمويل الاستثماري المتناهي الصغر لخلق فرص العمل في المناطق الريفية والنائية والمناطق الشعبية الفقيرة.

لكن أخطر ما تضمنته المذكرة المشار إليها، ذلك الهجوم الذي وجهه اتحاد غرف الصناعة السورية ضد المصارف الخاصة العاملة في البلاد، والدعوة المفاجئة لتأميمها، في انتكاسة للقيم الاقتصادية المعتمدة في سوريا منذ أكثر من عقد ونصف.

لم تمضِ ساعات على نشر الخبر المذكور في "الثورة" حتى نشر موقع "الاقتصادي" نفياً لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، لصحة ما ورد في مقال "الثورة".

وفي اتصال خصّ به الشهابي موقع "الاقتصادي"، نفى رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية "ما نشرته إحدى الصحف الرسمية بأن الاتحاد دعا إلى تأميم المصارف الخاصة"، مشيراً إلى أن الفكرة "كانت بإيقاف أو تأميم بعض شركات الصرافة التي ارتكبت جرائم بحق الشعب السوري عبر المضاربة على العملة الوطنية".

وقال الشهابي: "إننا تفاجأنا اليوم بخبر مصدره صحيفة الثورة أن الاتحاد دعا إلى تأميم المصارف الخاصة، وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق والاتحاد مع وجود المصارف الخاصة، ومع تقديم كل التسهيلات التي تساعدها على القيام بعملها على أفضل وجه لكي تتمكن من تقديم خدماتها بأرخص التكاليف على المواطنين".

الغريب في الأمر أن الشهابي اختار موقع "الاقتصادي" لنفي الخبر الذي نشرته صحيفة "الثورة" الرسمية، التي عادة ما تكون ملتزمة تماماً بخط تحريري متزمت لا ينشر إلا ما يصدر عن الجهات المختصة بأكبر قدر من الدقّة، دون السعي إلى سبق صحفي أو نجاح مهني ملفت، في حين أن السمات الأخيرة تنطبق على "الاقتصادي" التي قرر الشهابي عبرها أن ينفي خبر المطالبة بتأميم المصارف الخاصة.

ما سبق له أحد ثلاثة تفسيرات: إما أن الأمر حدث فيه لغط ما، وهو أمر مستبعد نسبياً، لأن الصحف الرسمية تنشر نصوص المذكرات كما تردها من الجهات صاحبة العلاقة، أو أن الشهابي، رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، زلّ بكلام لم يُرضِ الممسكين بزمام النشاط الاقتصادي في سوريا تحت ظل النظام، فتعرض لتوبيخ من جهات معنية دفعته للمسارعة إلى نفي الخبر، مع الإشارة إلى أن الشهابي عُرف بتصريحاته المثيرة للجدل، وزلاته "الفيسبوكية" الكثيرة.

أما التفسير الثالث وهو الأخطر، ويُفيد بأن فكرة تأميم المصارف الخاصة تُداعب خيال الممسكين بزمام القرار الاقتصادي داخل أروقة نظام الأسد، الأمر الذي يعني أن نظام الأسد ينتكس بصورة "خلّاقة" باتجاه ثمانينات القرن الماضي، وأنه يعتزم ممارسة عملية "بلطجة" يسرق من خلالها أموال السوريين المودعة في المصارف السورية الخاصة، لتمويل أعماله العسكرية، ومدّه بالمزيد من القدرات المالية للاستمرار في مواجهة شعبه، في حرب شعواء، لا يعرف فيها غايةّ إلا البقاء في موقعه المغتصب منذ عقود.

ترك تعليق

التعليق