هل سيعانق الدولار ألف ليرة؟

لكل مصرف مركزي في بلد ما أدوات يستخدمها في إدارة سعر الصرف تتشابه في أصلها وقالبها العام وتختلف في مضمونها ومزيجها بين البلدان, وقد خسر مصرف سوريا المركزي -والذي يفترض أن يدير الأزمة النقدية الراهنة- عدة أدوات بسبب الأزمة نفسها, فلم تعد أسعار الفائدة -وهي أهم أداة نقدية- مجدية بسبب ارتفاع معدلات التضخم النقدي التي قد تأكل المبلغ المتحصل من الفائدة كله، وذلك بسبب انخفاض قيمة العملة, كما لا يستطيع البنك اليوم بيع أذونات أو سندات دين (ديون على البنك أو الحكومة) مقابل التعهد بسدادها في المستقبل مع ربح معين؛ بسبب الانخفاض الحاد أيضاً في سعر العملة. حتى البنوك التجارية ومؤسسات الصرافة لم تعد تستجيب كثيراً، بل تحولت البنوك من مؤسسات مالية وسيطة وحاضنة للإدخار، إلى مؤسسات تجارة بالعملة لكسب الربح، فهي تأخذ مصلحة ربحها وخسارتها بالدرجة الأولى، وليس مصلحة العملة، وقد تغلق أبوابها في حال تضارب العمل مع مصلحتها.

عموماً، عندما يخسر الشخص أدوات عمله فإنه يصبح غير قادر على الإنجاز والسعي نحو تحقيق الهدف، وهو هنا ضمان استقرار سعر العملة.

إن البنك المركزي يستخدم اليوم سياسة التدخل في السوق لبيع العملات الأجنبية، لرفع سعر الليرة أو التقليل من انخفاضها, وهذا الأمر يُغري الكثيرين بشراء الدولار أو اليورو لتحقيق ربح مُجزٍ، فتستقر السوق لأيام وبعدها تعود الليرة للانخفاض؛ لأن الناس فقدت الثقة بالليرة وبسياسات البنك المركزي وبالعاملين فيه أيضاً، وبالاقتصاد السوري كلياً، حيث أقفلت أعداد كبيرة من المصانع، ونقل بعض التجار نشاطاتهم لمناطق أخرى، وارتفعت الكلف اللازمة للإنتاج، فيما تواجه الأعمال التجارية حالة كبيرة من عدم اليقين الحالي والمستقبلي مما يرفع معدل المخاطرة.

فأزمة النشاط الاقتصادي الراهن، مع الأزمة السياسية، مصحوبة بأزمة الثقة والشعور بالقلق لدى الجمهور، يُضاف إليها فقدان المصرف المركزي لمعظم الأدوات النقدية.. كل هذا سيدفع الليرة السورية للانخفاض أكثر فأكثر، ويشدّها نحو الهاوية.

وعلى الطرف الأخر، لدينا مساعدات إيرانية وروسية، حسب زعم نائب رئيس حكومة الأسد وحاكم المركزي, وهي معونات تقدمها الدول "الصديقة" لبشار في شكل مواد إغاثية ومحروقات، موفّرة على النظام دفع أثمان هذه السلع من الخزينة، لكن هذه المساعدات لا ينبغي أن تُنسينا أن مصرف سوريا المركزي فقدَ جُلّ احتياطيه من النقد الأجنبي، في ظل تطاول الأزمة متعددة الأوجه إلى مدى يصعب على أي اقتصاد تحمله.

ترك تعليق

التعليق