ما بين "ثعلب الصحراء"...وسيناريو الضربات العسكرية المرتقبة ضد نظام الأسد

سيناريو "ثعلب الصحراء" في سوريا...أوجه الشبه والتكاليف المادية والبشرية المرتقبة
500 صاروخ كروز بتكلفة تتراوح بين 180 و300 مليون دولار
تدمير 250 موقعاً عسكرياً ومدنياً بخسائر أولية تتجاوز 250 مليون دولار
100 قتيل مدني في الضربات...وتوقعات بخسائر أكبر في ردات فعل النظام
بات جليّاً لمعظم المراقبين أن الضربات العسكرية الأمريكية المرتقبة ضد نظام الأسد ستعتمد سيناريو عملية "ثعلب الصحراء" التي شنتها القوات الأمريكية والبريطانية ضد العراق في عهد صدام حسين في نهاية العام 1998، واستمرت لمدة أربعة أيام، واستهدفت تدمير ترسانة صدام من أسلحة الدمار الشامل، خاصة الأسلحة الكيمائية والجرثومية، كما استهدفت إضعاف القدرات العسكرية العراقية، لكنها لم تستهدف إسقاط النظام، أو تصفية صدام حسين.

وكان السبب المباشر لعملية "ثعلب الصحراء"، اتهام النظام العراقي حينها بعدم التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين جاؤوا إلى العراق للبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، بما فيها ترسانة الأسلحة الكيماوية والجرثومية لصدام.
وكان مسؤولو أمريكا وبريطانيا قد أكدوا قبيل وخلال الضربات التي وُجّهت للعراق حينها، أنهم لا يستهدفون الإطاحة بصدام حسين، في موقف يشابه ما يقوله اليوم المسؤولون الغربيون، خاصة الأمريكيون منهم، ومفاده أن الضربات التي ستسهدف نظام الأسد، لن تسعى إلى الإطاحة به، أو التغيير من موازين القوى في الميدان السوري، على حسابه، وتم وصف الضربات المرتقبة بأنها ستكون "تأديبية".

ويبدو أن الأمريكيين يريدون تدمير ترسانة الأسد من السلاح الكيماوي، والمعدات والأسلحة والمقرات المرتبطة بهذا السلاح، لمنع استخدامه مرة أخرى من جانب الأسد، أو وقوعه في أيدي جماعات جهادية تخشى واشنطن أن تستخدم هذا السلاح مستقبلاً ضد إسرائيل.

استمرت عملية "ثعلب الصحراء" ضد العراق عام 1998، حوالي 70 ساعة، اشتملت على 4 موجات من الهجوم الجوي والصاروخي، وأُطلق خلالها ما لا يقل عن 500 صاروخ من طراز كروز، وكان القصف أثناء الليل فقط، بقصد إرباك شبكة الدفاع الجوي العراقية.

وسقط خلال تلك الحملة العسكرية على العراق، حوالي 73 عراقياً حسب أكثر الروايات شيوعاً، فيما لم يتكبّد الأمريكيون والبريطانيون أية خسائر بشرية، رغم استخدام قاذفات (ب 52)، التي من غير المتوقع أن تُستخدم في الضربات ضد نظام الأسد، إذ من المرجح أن تقتصر العملية في سوريا على الضربات الصاروخية باستخدام صواريخ كروز التي تُوصف بأنها من الأسلحة الذكية في الترسانة العسكرية الأمريكية.

واستهدفت عملية "ثعلب الصحراء" حينها تدمير 250 موقعاً عسكرياً ومدنياً عراقياً، وتم تأكيد إصابة 30 موقعاً لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، و 27 مركزاً لمدفعية الدفاع الجوي، و 20 مركزاً للقيادة، و 10 ثكنات للحرس الجمهوري، و6 مطارات.

لكن المعارضة العراقية حينها أكدت بأن الضربات لم تفلح في تدمير كامل الأسلحة الاستراتيجية العراقية، ومنها الترسانة الكيماوية والجرثومية، لأنها تُنقل دائماً من مواقعها.

وتشير المعلومات الأولية إلى أن النظام السوري قد بدّل بالفعل معظم مقاره وغيّر أماكن جزء كبير من ترسانته العسكرية، ليقلّل قدر المستطاع من خسائره جراء الضربات المرتقبة.
ومن المرجح أن تستمر الضربات العسكرية ضد نظام الأسد ما بين 24 إلى 48 ساعة، وأن تعتمد كلياً على القصف الصاروخي تجنباً للدفاعات الصاروخية السورية.

يُذكر أن الدفاعات الجوية العراقية عام 1998 تمكنت من إسقاط 35 صاروخ كروز من مجموع 300 صاروخ أطلق على العراق في الليلة الأولى للحملة العسكرية الغربية ضده، وإن كانت وسائل إعلام صدام قد أعلنت حينها أرقاماً أكبر من ذلك بكثير، لكن لم يجرِ الثبت منها في ذلك الوقت.

وإن كان من الصعب تقدير كمّ الصواريخ التي سيتلقاها نظام الأسد في الحملة العسكرية المرتقبة، إلا أن تشابه المقدمات بين ما يحصل اليوم، وبين ما حصل قبيل عملية "ثعلب الصحراء" ضد العراق، يدفعنا إلى وضع تقديرات أولية، تُفيد بأن الأمريكيين قد يستخدمون ما بين 300 إلى 500 صاروخ كروز في ليلتين متتاليتين، تُقدّر تكلفة الواحد منها حوالي 600 ألف دولار، وهي تُوصف بأنها من الأقل تكلفة في الترسانة العسكرية الغربية، مما يجعل القيمة الأوليّة المرتقبة لتكلفة الضربات على نظام الأسد ما بين 180 إلى 300 مليون دولار، دون حساب تكاليف تحرك واستخدام الأدوات العسكرية التي ستُرافق إطلاق الصواريخ.
أما تكلفة مشاركة حلفاء واشنطن في هذه الضربات فمن الصعب تقديرها حالياً، نظراً لأن الدول الحليفة لواشنطن، في معظمها، لم تحسم بعد قرارها بالمشاركة، وإن كانت المشاركة الفرنسية شبه مؤكدة.

أما في جانب الأضرار المرتقبة لدى نظام الأسد، فإن قِسنا على ما حدث في عملية "ثعلب الصحراء"، نستطيع أن نتوقع خسارة مادية لا تقلّ كحد أدنى عن 250 مليون دولار، مرشّحة للارتفاع، حسب طبيعة وتكلفة المواقع المُستهدفة.
أما بالنسبة للخسائر البشرية، فالتوقعات الأوليّة، تُرجح ألا تتجاوز 100 قتيل، لكن ذلك يبقى وقفاً على ردات فعل النظام السوري، حيث يتوقع بعض المراقبين أن يستهدف النظام مناطق سكانية مجاورة للمواقع التي ستطالها الصواريخ الأمريكية، كي يُوقع كماً كبيراً من القتلى المدنيين ويسيء للأمريكيين وحلفائهم.

إلى جانب ما يُشاع عن أن النظام وضع معتقلين سوريين في الأبنية والمقار الرسمية العسكرية والمدنية التي من المُتوقع أن تُستهدف من جانب واشنطن، والتي أخلاها النظام بصورة شبه كاملة.
لذا يُخشى أن تكون التكلفة البشرية غير المباشرة للضربات العسكرية الأمريكية، كبيرة على المدنيين السوريين، بعدما قام النظام بنقل معظم جنوده وترسانته إلى مواقع أخرى، تقع في معظمها وسط مناطق سكنية مكتظة بالمدنيين.
أما على الصعيد الاقتصادي، فمن المتوقع أن تنعكس تكلفة إعادة ترميم خسائر النظام في البنى العسكرية والمدنية على خزينة الدولة، وعلى القطع الأجنبي المتبقي في مصرف سوريا المركزي، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على الاقتصاد السوري، وعلى معيشة السوريين، خاصة على صعيد تدهور سعر صرف الليرة السورية بُعيد الضربات، بسبب تراجع قدرة المصرف المركزي على ضخ القطع الأجنبي في السوق السوداء، لصالح تمويل إعادة ترميم ترسانة النظام العسكرية وبناها التحتية.

ترك تعليق

التعليق