معدلات التضخم تجاوزت 450%..العائلات ترجع إلى الزراعة.. هل يعيش الاقتصاد السوري في مخاضٍ جديد؟

اختارت العائلات السورية الرجوع إلى الحياة الزراعية البسيطة تخوفاً من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية أكثر، كما هجرت العديد من الأسر المدن لتختار العودة إلى الأرياف، والبحث عن الاكتفاء الذاتي، ما يشي بتغيير حاد في واقع المجتمع السوري.

ضاقت الحياة المعيشية على سكان المدن مع ارتفاع الأسعار ووصول معدلات التضخم وفق الاعتراف الرسمي حسب المكتب المركزي للإحصاء إلى حدود 300 %، في حين ذهب المراقبون أبعد من هذه النسبة بكثير، حيث بدأ الحديث عن تضخمٍ تجاوز 450 %، علاوةً عن فقدان العديد من السلع وندرة وجودها، وحالة الفوضى التي تعيشها الأسواق السورية، ليقع نصف السكان في دائرة الفقر مع اشتداد الحاجة، في حالةٍ اقتصادية واجتماعية ستزيد من الصراع الطبقي في المجتمع السوري كما يعتقد مراقبون.

عودة للزراعة
وجد السوريون اليوم اللجوء إلى الأرياف الهادئة الملاذ الآمن، ليس حفاظاً على حياتهم فحسب، وإنما أيضاً لتأمين متطلبات المعيشة، كما يخبرنا رائد الذي اختار الابتعاد عن المدينة، حيث ترك عمله في العاصمة دمشق، مبتعداً إلى الريف، وليستطيع الحصول على قوت يومه قام بزراعة مساحةٍ لا تتجاوز 25 متر مربع، لكنها كافية لتأمين مستلزمات العيش اليومي من الخضار كما أنه بدأ ببيع البعض منها، كالبقدونس التي وصل فيه سعر الجرزة الواحدة إلى 20 ليرة، والبندورة التي وصل سعرها في موسمها إلى 50 ليرة، إلى جانب تخزين القمح خوفاً من اضطراره لتحضير الخبز في المنزل.

كل الأراضي الزراعية التي أهملها أبناء الأرياف عادوا إليها اليوم بعد هجرةٍ استمرت عقوداً من الزمن، حيث بات كل من يملك قطعة أرض حتى لو صغيرة، قادراً على تحقيق اكتفائه الذاتي، وهذا غنى في حد ذاته، بعد الغلاء الذي التهم القدرة الشرائية لجميع السوريين.

بإمكانياتٍ محدودة
والعودة إلى المجتمع الزراعي لا تقتصر فقط على زراعة الأرض، إنما أيضاً تربية الدجاج بشكلٍ خاص مع وصول صحن البيض إلى حدود 750 ليرة، بعد أن كان حتى وقتٍ قريب بحدود 300 ليرة، ولا قدرة لغالبية الناس تربية الأبقار والمواشي لغلاء ثمنها رغم أهمية ذلك، حيث تجاوز سعر كيلو الحليب 125 ليرة، وسعر كيلو لحم العجل 1700 ليرة، لكن غلاء ثمن المواشي يمنع العودة إلى تربيتها فسعر البقرة الواحدة وصل إلى 350 ألف ليرة، لكن مجرد زراعة الأرض وتربية الدجاج خطوة هامة حسب ما يراها أبو لؤي الذي باع كل ما يملكه في المدينة خوفاً مكن تدميره بآلة النظام العسكرية، وعاد إلى قريته حيث اشترى فيها أرضاً صغيرة ودجاج.

ومن لم يلجأ إلى الريف اختار أن يعود إلى الزراعة ويقاطع الأسواق حتى في قلب المدينة، حيث اتجه أبو ثائر إلى زراعة سطح البناء لديه، بعددٍ من الأحواض التي امتلأت بالبندورة والبقلة والبقدونس والنعنع والكوسا والباذنجان، ما جعله بعيداً عن الأسعار والأسواق طيلة فصل الصيف، ولم يتطلب منه الأمر سوى القليل من الاهتمام وبعض الدراية بشؤون الزراعة.

تفريغ البلاد
هل سيعود المجتمع السوري إلى الزراعة ويبتعد عن الصناعة والتجارة والخدمات؟، سؤال يطرحه الخبراء والمراقبون، بعد أن خرج رأس المال المادي والبشري من البلاد، ومن بقي اختار الرجوع إلى الحياة القديمة، حتى لو كان يعيش في قلب العاصمة، وهنا يشير أحد خبراء الاقتصاد الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن البلاد اليوم تمر في حالةٍ حرجة للغاية، حيث خرجت المساحات الزراعية من دائرة الإنتاج، وفي ذات الوقت عادت الناس للزراعة البدائية البسيطة، وإلى جانب ذلك تدمرت الصناعة والبنى التحتية، علاوةً عن ازدياد هجرة العقول إن صح التعبير، أو بمعنى آخر تم تفريغ البلاد من اليد العاملة والمدربة، ورأس المال البشري، وهنا تكمن الكارثة، فما هو القطاع الذي سيعول عليه فيما بعد؟، وهذا هو السؤال الملح الذي يبدو ماثلاً اليوم أمام الاقتصاد السوري.

ويضيف الخبير الاقتصادي أن ملايين السوريين اليوم بين نازح ومهجر فقدوا رؤوس أموالهم وأرزاقهم، فلم يعد هناك وجود للطبقة الوسطى، هناك من استطاع تحصيل ثروات هائلة، وهم نسبة قليلة بطبيعة الحال تزداد غنى بسبب الفساد، ومع تلاشي الطبقة الوسطى اتسعت رقعة الطبقة الفقيرة، التي تحاول البقاء عبر الرجوع إلى الزراعة وتأمين احتياجاتها الاقتصادية ذاتياً، في ظل حالة الترقب التي تعيشها البلاد حيال الضربة الأمريكية المتوقعة.

ترك تعليق

التعليق