الفساد يطالهم حتى في رقادهم الأبدي... الدمشقيون يشترون قبوراً من السوق السوداء

 وصل سعر القبر إلى 600 ألف وسعر التابوت الخشب بين40 ألف و 150 ألف ليرة
يكابد الدمشقيون ليس فقط لتحصيل لقمة عيشهم إنما أيضاً لتأمين القبر الذي سيضم جثامينهم عند الوفاة، حيث وصلت أسعار القبور إلى حدودٍ خيالية، ليس بمقدور العائلات السورية المتواضعة ومعدومة الحال على احتمالها، في ظل اتساع رقعة الموت.

وعلى عكس الحال في المناطق المحررة والريف الدمشقي، نجد المناطق التي مازالت تحت سيطرة النظام ودمشق منها بشكل خاص، تشهد ارتفاعاتٍ حادة في أسعار القبور، في ظل عدد قبور محدود وطلب يتضاعف لا سيما في العامين الفائتين، مع أن القوانين التي لطالما وضعت على الرفوف في سوريا، تتحدث عن أسعار قبور يجب أن لا تتجاوز 20 ألف ليرة في أفضل أحوالها، وسعر القبر العادي هو بحدود 5000 ليرة لكافة هياكل القبور. ووفقاً للأسعار الموضوعة في محافظة دمشق، فإن البلوك مع شاهدة وجرن والقبر الموزاييك تكلفته بحدود 10 آلاف ليرة، وقبر الحجر تكلفته نحو 14 ألف ليرة، وقبر الرخام نحو 16 ألف ليرة.

فساد يلحقنا إلى القبور
وتبقى تلك الأرقام الموضوعة من قبل مكتب دفن الموتى مجرد حبر على ورق، فالسوق السوداء أيضاً تزاحم الإنسان السوري حتى في قبره، فلمتعهدي القبور أسعارهم الخاصة، التي يعلنونها جهاراً نهاراً، ليصل فساد الأجهزة الإدارية في البلاد حتى إلى القبور، فبعد التجارة بلقمة العيش تأتي التجارة أيضاً بالموت. 

الدمشقيون محدودو الدخل لا يجدون مكاناً اليوم لدفن موتاهم، وهذا حال "أبو محمد" الذي يسكن وسط دمشق، وأتت وفاة والدته بشكلٍ مفاجئ ورغم أنها كانت تدخر مبلغاً لوفاتها، لكنه لم يكن كافيا لإيجاد قبر لها، إلى أن رفع السعر من 300 ألف ليرة إلى 600 ألف، علاوةً عن سعر التابوت الخشب الذي تبدأ أسعاره من 40 ألف ليرة إلى 150 ألف ليرة.

ولا تقتصر تكاليف الوفاة على أسعار القبور فقط، فرغم أن مكتب دفن الموتى هو المسؤول عن الدفع لحفاري القبور، لكن أيضاً هؤلاء يستغلون حاجة العائلات المفجوعة، ويسمسرون ويبتزون الناس، دون أي رقابة.

"أبو محمد" يؤكد أن وفاة والدته كلفته ما يقارب المليون ليرة، فمن ناحية تكاليف القبر لم تكن متوقعة، ومن ناحية أخرى طباعة النعاوي وحجز صالة العزاء وما إلى هنالك من تكاليف أخرى، لكن ما يقصم ظهرنا اليوم في الموت هو أسعار القبور أكثر من كل شيء.

تصنيف سياحي
ويطلعنا أبو محمد أن أحد أصدقائه اضطر لشراء قبر لأخيه بسعر 800 ألف ليرة، وهذا سعر خيالي لا يمكن لأحد أن يصدقه، والحجج دائماً عن قبر أفضل من آخر، وكأن هناك تصنيفات سياحية للقبور.

السبب الأساسي الذي سمح بانتشار الفساد في تجارة القبور وابتزاز الناس بأسعارها، هو الأعداد القليلة نسبياً للقبور، بالمقارنة مع ارتفاع عدد السكان وازدياد الوفيات، ما فتح الباب واسعاً على تجارة سبق وحدثت في حلب قبل عدة سنوات، ويبدو أنها تنتقل إلى دمشق، حيث يقوم البعض بإنشاء قبور بدون قيود وسجلات أو يستولون على القديم منها ويعيدون بناءها، لتباع بأسعار خيالية، والدليل على ذلك غياب الرقابة عن هذه التجارة التي تحدث جهاراً نهاراً، ووصول الأسعار إلى أرقام لا تمت للواقع بصلة، فسعر القبر بات مقارباً لسعر المنزل وهذا ما لا يحدث إلا في سوريا، وما خفي كان أعظم.

ترك تعليق

التعليق