تركيا "جنّة" السوريين...ما بين الممتلئين مالياً واللاجئين...لماذا؟، وإلى متى؟ (1-2)

أردوغان سمى الأتراك بـ"الأنصار" واللاجئين السوريين بـ"المهاجرين"
هجرة رؤوس أموال سورية مُعتَبرة من مصر إلى تركيا
السوريون يدخلون تركيا دون جوازات...وتسهيلات لمرور سياراتهم
تركيا...حلم الكثير من السوريين
"لو أنني أملك تكاليف الانتقال والإقامة والعيش في تركيا لقمت بذلك مباشرة"...هذا ما قاله أبو مصطفى السوريّ الخمسيني المقيم في الغردقة المصرية أثناء حديثه مع مراسل "اقتصاد" هناك....سألناه لماذا؟، فأجاب: "تغيرت معاملة المصريين معنا، ليس جميعاً، لكنك تستطيع أن تستشعر ذلك بوضوح، البعض متهيب منا، والبعض الآخر أصبح سلبياً للغاية، وتحولت الأكثرية المتعاطفة معنا إلى أقلية، ناهيك عن تغير معاملة الجهات الرسمية تجاهنا، فهي في أدنى الأوصاف معقّدة، وفي أقصاها متحيزة وعنصرية".
يتفق الكثير من السوريين الذين التقيناهم في مصر مع ما يقوله أبو مصطفى في الغردقة، رغم أن أوضاع السوريين في هذه المدينة المصرية أفضل بكثير من أوضاع نظرائهم في محافظات أخرى، خاصة في القاهرة، التي يتعرض فيها السوريون لضغط أمنيٍّ كبير.
الطرد العكسي للسوريين من مصر إلى تركيا

منذ نهاية الصيف الماضي تحولت مصر إلى الوجهة الأمثل للسوريين الذين تصاعدت نسب لجوئهم خارج الأراضي السورية، فبالمقارنة مع أوضاع السوريين في لبنان والأردن، كانت مصر أفضل من حيث تعامل السلطات والشعب على حدٍ سواء، ناهيك عن رخص المعيشة في مصر مقارنة بلبنان والأردن، وكذلك تركيا، بطبيعة الحال.

لقي السوريون ترحاباً رسمياً وشعبياً ملحوظاً في مصر خلال سنة، لكن بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، واتهام بعض السوريين بالنشاط الميداني لصالح الإخوان المسلمين، تغير المشهد تماماً، وانقلبت المواقف الرسمية والشعبية، لتصبح في بعض الحالات عدائية، وفي حالات أخرى باردة وغير مُرحبة، وفي حالات أخرى استمرت مشاعر التعاطف والترحاب بالسوريين، وذلك باختلاف المناطق والمدن المصرية ومواقف سكانها السياسية وأوضاعهم الاقتصادية.

أمام هذا المشهد، بدأت ظاهرة الهجرة العكسية للسوريين القادرين مالياً من مصر إلى تركيا، ورغم عدم وجود أرقام دقيقة، إلا أن التقارير الإعلامية اتفقت على أن الطبقة الثرية والطبقة الوسطى، كانت من أبرز المهاجرين السوريين من مصر إلى تركيا، وبقي السوريون الأقل ملاءة مالية، يندبون حظهم العاثر في مصر، ويحاولون التأقلم مع وقائع وظروف المعيشة هنا.

لماذا: "شكراً تركيا"؟
"ستدفع تركيا ثمن دعمها للإرهابيين في سوريا"...هكذا هدّد بشار الأسد الجار التركي مساء الجمعة في مقابلة مع قناة "هالك" وصحيفة "يورت" التركيتين.
قبيل ذلك بساعات، كان بعض السوريين يتظاهرون تحت عنوان "شكراً لتركيا" الذي أُطلق اسماً لجُمعتهم الأخيرة، بناء على الاستفتاء الأسبوعي الذي تطرحه صفحة الثورة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي.

لماذا قرر السوريون رفع ذلك الشعار؟
يجيب ناشطون: "هذه التسمية تأتي كعربون بسيط لشكر الشعب التركي والحكومة التركية على المعاملة الحسنة والتسهيلات الكثيرة التي قدمت للنازحين واللاجئين السوريين على الأراضي التركية".
ويضيف ناشطون على الفيسبوك: "هناك من يتساءل لماذا اسم هذه الجمعة شكرا تركيا!! نعم!! شرفاء الثورة السورية هم من أسموها؟ لماذا شكراً تركيــا؟، وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان شعبه بـ "الأنصــار" واللاجئـين الــســوريين بـ "المـهــاجــريـن" وسمَّاهـم بـالضيــوف ودعا إلى إكرامـهم. 
كما سمحت الحكومة التركية للاجئين السوريين بدخول أراضيها دون فيـزا، وأنشأت لهم مخيمات منظمة ووفق معايير جيدة، سمحت للاجئين السوريين بالعمل في تركيا دون إذن عمل رسمي. قامت بإعفاء الأتراك الذين يقومون بتشغيل اللاجئين السوريين من دفع الضرائب لتشجيعهم على ذلك. لا تأخذ أي نسبة أو ضريبة على المساعدات والتبرعات التي تصل إليهم....".

ويضيف فريق آخر من الناشطين الفيسبوكيين: "ضمن سياسة الباب المفتوح الرسمية التي اتبعتها تركيا مع الشعب السوري، تم تطبيب 1.6 مليون وإجراء 28 ألف عملية جراحية وتوليد 6.100 ضيف سوري من قبل الدولة، وتم إنشاء العيادات داخل المخيمات وتسهيل الخدمات الطبية والسماح للأطباء السوريين بمزاولة مهنة الطب على الأراضي التركية....".
أحد الناشطين السوريين أطلق على تركيا "جنّة" السوريين، متسائلاً: هل من بلدٍ آخر قدّم للسوريين ما قدمته تركيا؟

ويذكّر ناشطون أيضاً بأن تركيا فتحت حدودها لتدفق اللاجئين السوريين، وأقامت مخيمات حدودية حاولت من خلالها تقديم أقصى ما تستطيعه من خدمات.
و بعيداً عن المخيمات، فإن السوريين يستطيعون الدخول إلى تركيا بدون جوازات، كما تساهلت السلطات التركية من خلال الدخول بشكل غير قانوني عبر الحدود، بالإضافة إلى التسهيلات الكبيرة لتواجد السيارات السورية داخل الأراضي التركية.

وتقدم المستشفيات التركية الحكومية معظم الخدمات الطبية مجاناً للسوريين، كما سمحت للأطباء السوريين بمزاولة المهنة داخل المخيمات السورية.
وعلى الصعيد التعليمي، افتتحت تركيا عدة معاهد لتعليم القرآن واللغة التركية للسوريين، كما قدمت تسهيلات كبيرة للطلاب السوريين الراغبين باستكمال تعليمهم في الجامعات التركية.

تضخم ديمغرافي سوري على حساب الأتراك 
أشارت وزارة الخارجية التركية في بيان لها مطلع الشهر الفائت إلى أن عدد اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا يتجاوز 500 ألف لاجئ، منهم 200 ألف لاجئ يقيمون في مخيمات اللاجئين المؤقتة التي أقيمت في 20 مدينة تركية محاذية للحدود السورية.

وأوضحت الوزارة أن 45 ألف طالب سوري يتلقون تعليمهم في تركيا ضمن مختلف المراحل التعليمية، كما أن المخيمات شهدت حتى الآن ولادة أكثر من 5 آلاف و638 طفل جديد، لافتة إلى أن عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في تركيا تجاوز بالفعل عدد السكان الأصليين لـ 41 مدينة تركية.
لكن هل الدعم الرسمي والشعبي التركي هو الوجه الوحيد لعلاقة الأتراك بالسوريين خلال الثورة؟

ينبه مراقبون إلى أن تركيا بدأت تستفيد بصورة غير مباشرة من لجوء الطبقات الوسطى العليا إليها، في الوقت الذي تحظى فيه السلطات التركية بدعم أُممي، وتمويل خليجي واسع النطاق، يغطي الكثير من احتياجات السوريين في المخيمات، رغم أن السلطات الرسمية التركية تتحدث عن إنفاق أكثر من 400 مليون دولار في تقديم الخدمات للاجئين السوريين وعلاج المصابين النازحين إليها.

من جانب آخر، أدت الأوضاع المستجدة في مصر خلال الأشهر الأخيرة إلى هجرة رؤوس أموال سورية مُعتَبرة من مصر إلى تركيا.
أما الجانب الثالث فيتعلق ببعدين، المشكلات الاقتصادية والديمغرافية التي سببها تضخم تجمعات السوريين خاصة في مدن الجنوب التركي حتى فاقت أعداد سكانها الأصليين في 41 مدينة، كما سبق واشرنا، إلى جانب مخاوف بعض السوريين من حراك انقلابي للعلمانيين الأتراك ضد حكومة العدالة والتنمية الإسلامية، وأن تتكرر التجربة المصرية مع السوريين في تركيا، حيث يُظهر العلمانيون الأتراك عداءً واضحاً للسوريين، ورفضاً كبيراً لسياسة رجب طيب أردوغان الداعمة للثورة السورية.

تركيا "جنّة" السوريين...ما بين الممتلئين مالياً واللاجئين...لماذا؟، وإلى متى؟ (1-2)
2013-10-06
أردوغان سمى الأتراك بـ"الأنصار" واللاجئين السوريين بـ"المهاجرين" هجرة رؤوس أموال سورية مُعتَبرة من مصر...

ترك تعليق

التعليق