صفقة النظام الصاروخي لتركيا تظهر تنامي نفوذ الصين في الشرق الاوسط

ربما تكون صفقة الصواريخ المتطورة التي تعتزم تركيا إبرامها مع الصين رغم اعتراضات شركائها في حلف شمال الاطلسي قد أغضبت واشنطن وعواصم أخرى لكنها لم تكن مفاجئة. 

وعندما كانت الولايات المتحدة تنفق مليارات الدولارات وتخسر مئات القتلى في العراق وأفغانستان كانت بكين تواصل بهدوء تعزيز وجودها في الشرق الاوسط. 

ومن الناحية العسكرية تعتبر الولايات المتحدة القوة الإقليمية المهيمنة وبفارق كبير في ظل احتفاظها بحاملة طائرات قرب الخليج وعشرات السفن الحربية الأخرى وقواعد رئيسية في تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة. 

وسعت الصين للسير على خطى روسيا في القيام بدور بارز في الشرق الأوسط وإن كان جرى تهميشه أحيانا في قضايا مثل سوريا. 

لكن النفوذ الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي لبكين ينمو بسرعة. وقالت وزارة التجارة الصينية في الشهر الماضي إن حجم التجارة بين الصين والدول العربية وصل الآن إلى 222 مليار دولار سنويا وهو ما يزيد 12 مرة عن مثيله في عام 2002. ويتفوق هذا على حجم التجارة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط الذي بلغ 193 مليار دولار في عام 2011.

ومن الناحية العسكرية أيضا يزداد وجود الصين رسوخا. وبالإضافة إلى الاحتفاظ بقوة من ثلاث سفن لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي وإرسال سفن إلى البحر المتوسط من حين لآخر نشرت بكين قوات حفظ سلام ضمن قوة الأمم المتحدة في لبنان. 

وقد يكون اختيار تركيا صفقة نظام دفاع صاروخي من طراز إف.دي-2000 بقيمة 3.4 مليار دولار من الصين بدلا من النظم الامريكية أو الاوروبية المنافسة مؤشرا على أشياء ستحدث مستقبلا. 

وقالت كريستينا لين وهي مسؤولة أمريكية سابقة تعمل الآن باحثة بكلية الدراسات الدولية "هذا جرس إنذار... الصين تتطلع لدور أكبر في الشرق الاوسط وهي تحظى بقبول متزايد هناك." 

وأضافت لين أن للصين مصالح متعددة في المنطقة ما بين الطاقة والاستثمار وحتى مكافحة انتشار الفكر المتطرف الذي يمثل مبعث قلق كبير لدى بكين في أقاليمها ذات الأغلبية المسلمة. 

وتخضع الشركة التي تصنع النظام الصاروخي وهي تشاينا بريسيشن ماشيناري ايمبورت اند اكسبورت لعقوبات أمريكية لانتهاكها الحظر المفروض على إيران وكوريا الشمالية وسوريا بموجب قانون حظر انتشار الاسلحة. 

ورغم أن مسؤولين أتراكا قالوا إن الصفقة لم تتم بصورة نهائية حتى الآن إلا أن من المرجح أن تمضي قدما. 

ويشكو مسؤولون أمريكيون وآخرون من دول حلف شمال الأطلسي من أن نظام الدفاع الصاروخي الصيني قد لا يكون متوافقا مع أنظمة الحلف وربما يزيد من مخاطر التعرض لهجمات عن طريق الانترنت. وقالت وزارة الخارجية الصينية إن الدول الغربية تبالغ في رد فعلها تجاه قرار تجاري في الأساس. 

ويقول خبراء إن الخلط بين التجارة والسياسة هو في صميم أسلوب الصين. ويزور مسؤولون صينيون بانتظام كثيرا من دول الشرق الأوسط في حين زار بكين العديد من قادة دول المنطقة مثل رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان والرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله.

ويقول محللون إن تداعيات "الربيع العربي" وتخلي واشنطن عن حلفاء قدامى مثل الرئيس المصري حسني مبارك دفع بعض الحكومات للبحث عن حليف بديل.. حتى أن شركاء للولايات المتحدة لفترات طويلة يشعرون بذلك. 

وقال العاهل الأردني لوسائل إعلام صينية في الشهر الماضي إنه شخصيا لديه علاقات صداقة بزعماء صينيين حاليين وسابقين. وأضاف "نحن مهتمون بالبناء على هذه العلاقة ... لأن الصين تلعب دورا حيويا في دعم السلام والاستقرار العالمي ولها دور مؤثر في القضايا الإقليمية." 

والصين مورد أساسي منذ فترة طويلة للأسلحة الصغيرة إلى المنطقة. وقد أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تقريره هذا الشهر إلى المبيعات في الفترة من 2006 الى 2010 لمصر والاردن ولبنان وقطر. ومع ذلك فإن صفقة الصواريخ الصينية تمثل اختراقا كبيرا بالنسبة لمبيعات الصين من الأسلحة المتقدمة.
وينظر إلى احتياجات الطاقة المتزايدة للصين على انها دافع اساسي. 

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تنمو واردات الصين من نفط الشرق الأوسط من 2.9 مليون برميل يوميا في عام 2011 الى 6.7 مليون برميل يوميا في عام 2035 وهي نسبة يتوقع أن تمثل 54 في المئة من إجمالي واردات الصين من النفط. 

فضلا عن ذلك فقد أصبحت شركات النفط الصينية من بين أكبر الشركات العاملة في العراق وايران وتعد بكين أكبر شريك تجاري للسعودية وأكبر مشتر للخام الايراني. 

ويبدو أن هذه القوة الشرائية أتاحت للصين وقوى اسيوية اخرى تحديد مدى نجاح العقوبات الامريكية والاوروبية المفروضة على ايران بشأن برنامجها النووي. 

ويقول بعض المحللين إن احتياجات الصين النفطية على المدى البعيد يمكن أن تجعلها أقرب إلى الغرب وخاصة بشأن إيران. ويقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن مبيعات الدفاع الصينية لطهران تراجعت بدرجة ملحوظة. 

وقالت أريكا دونز محللة الطاقة السابقة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) في إفادة عن الممارسات التجارية الصينية أمام أعضاء الكونجرس في وقت سابق هذا العام "إذا كانت واشنطن ستخفض وجودها العسكري في المنطقة بدرجة كبيرة فإن المخاوف بشأن أمن النفط قد تجبر بكين على القيام بدور أكبر في خفض التهديد الرئيسي للتدفق الحر للنفط (وهو) إغلاق مضيق هرمز."

ترك تعليق

التعليق

  • مجرد رؤية
    2013-10-18
    اعتقد ان الهيمنة الامريكية في الشرق الاوسط في تراجع خاصة في عهد اوباما