باب الهوى.. قصة مبنى الجمارك الذي تحول إلى أحد أهم مستشفيات الشمال

نشرت وكالة "أناضول" التركية تقريرا يرصد كيف حول الثوار مبنى الجمارك في معبر باب الهوى إلى واحد من أهم مستشفيات الشمال السوري، قائلة إن مبنى الجمارك الذي يبعد عن المعبر أقل من 300 متر، لم يعد له من مبرر تقريباً، لاسيما أن المعبر لا يرتاده غالباً سوى اللاجئون والإعلاميون ومنظمات الإغاثة والثوار. فعلى البناء الذي كان من قبل "جمارك باب الهوى"، رفعت لافتة باسم "مستشفى باب الهوى"، حيث يعمل فريق من الأطباء مارسوا العمل الطبي الميداني منذ بداية الأحداث في سوريا، وتعرض غالبيتهم لملاحقات أمنية، فقرروا تحويل المبنى إلى مستشفى، يقدم ما لا يستطيع سواه تقديمه من خدمات طبية، نظرا لقربه من الحدود التركية، بحسب قولهم.

كادر من 105 أشخاص
د. أنس نجيب (34 سنة) من قرية "أطمة" القريبة من باب الهوى، والد لخمسة أبناء ومدير المستشفى يقول: "المشفى بعيد عن المناطق السكنية المأهولة، لذا فإن غالبية عمله تتركز على علاج الإصابات الناتجة عن قصف طائرات النظام للمناطق المحررة في إدلب، أو علاج المصابين في جبهة القتال والتي لا تبعد عن هنا 20 كم، حيث يتم إسعاف المصابين بشكل أولي لحين نقلهم إلى هنا".

وعن بداية الفكرة يوضح "نجيب": "معظم الأطباء والعاملين هنا، كانوا يخدمون الثورة طبيا منذ بداية الأحداث في أماكن مختلفة، ومع تحرير المنطقة وسيطرة الثوار عليها، فكرنا أن وجود مستشفى قريب من الحدود التركية سيعطينا مساحة أوسع للعمل وخدمة المرضى، وهو ما قمنا به هنا بالفعل منذ نحو عام ونصف".

ويتابع: "نرتكز على الجانب التركي بشكل كبير، فأي عملية لا نستطيع تدبيرها هنا نحيلها لتركيا لقرب المعبر، حتى لو احتجنا مستلزمات خلال العمليات التي نجريها هنا، نطلبها من تركيا فتأتينا في وقتها"، مضيفا: "تتعاون معنا عدة جهات في ذلك، منها منظمة الإغاثة للحقوق والحريات التركية IHH، والهلال الأحمر التركي، كما إن مديرية الصحة بمحافظة هاطاي (التركية الحدودية مع سوريا) تتعاون معنا بشكل جيد".

ويلفت "نجيب" إلى أن "عدد حالات الإصابات التي تتردد على المستشفى يوميا 30 حالة على الأقل، ولدينا 14 طبيب متخصص، و4 عام، و 18 ممرض، فضلا عن فني الأشعة ومساعدي الأطباء، وفني الجراحة، الخلاصة أن إجمالي فريق المستشفى طبيين وإداريين 105 أشخاص، يتلقون رواتبهم التي تأتي من التبرعات، وتتراوح الرواتب بين 300 إلى ألف دولار شهريا".

"يداوم الأطباء نحو 60 ساعة أسبوعيا"، يقول د.نجيب مستطردا: "بعض الأطباء يقضي هذه الساعات بشكل متواصل حتى ينتقل مرة واحدة في الأسبوع بسبب أزمة المواصلات هنا وخطورة التنقل يوميا، كما أن هناك تخصصات نادرة مثل التخدير، والعصبية، والجراحات الوعائية، يداوم أطباؤها في أكثر من مستشفى ميداني بالإضافة إلى هذا المستشفى، ما يقلل ساعات دوامهم إلى حد ما".

وقعت رأسيهما في حجري!
وعن قصته الشخصية كطبيب سوري في ظل الأزمة الراهنة، يروي د.نجيب: "منذ عام تقريبا كنت بحلب، قريبا من مستشفى الزرزور الميداني، واستهدفت السيارة التي أستقلها بقذيفة من قبل قوات النظام، فقتل الشابان الجالسان بجواري ووقعت رؤوسهما في حجري، والطبيب الذي كان في الأمام أصيب بشظية في عنقه، وأنا أيضا أصبت بتسعة شظايا، خاصة في ذراعيّ، نقلت على إثرهما إلى مستشفى ميداني بحلب، حيث أجريت لي عدة عمليات، ثم نقلت إلى مستشفى أطباء بلا حدود في أطمة حيث أعيدت العمليات، ثم إلى أنطاكية بتركيا حيث أعيد العمل الجراحي للمرة الثالثة بالمستشفى التعليمي، وبقيت 3 أشهر أعالج، والحمد لله أنا بخير، لكني توقفت عن إجراء العمليات الجراحية فحالتي لم تعد تسمح".
ويردف "اعتقلت أيضا قبل الثورة، عام 1999، لمدة عام، ومع بداية الثورة، بقيت مختفيا لمدة 8 أشهر بحلب حيث كنت مطلوبا للنظام بتهمة قلب نظام الحكم".

أما د.محمد حمادي، طبيب الجراحة العصبية، البالغ من العمر 30 سنة، وأحد أبناء منطقة جبل الزاوية بإدلب، فيقول: "كنت في دمشق لدراسة التخصص، لكن مع بداية الثورة، ومتابعة ما يجري من تعذيب وقتل، وما رأيناه بالمشافي الحكومية من معاملة غير آدمية للجرحى، اضطررنا لأخذ موقف، كان ثمنه الاعتقال والتهديد، فتركت الاختصاص وهربت وليس معي إلا حقيبة صغيرة على كتفي".

ويضيف: "كنا نتحايل لمعالجة المصابين، فنقول إنهم أصيبوا بقصف من قبل "الإرهابيين"، حتى نتمكن من معالجتهم بالمشافي الحكومية، إلى أن انكشف أمري وصرت مطاردا، فخرجت وعملت بعدة نقاط طبية في أماكن المواجهات أو قريبا منها، إلى أن انتقلت لهذا المشفى، الذي أقيم بدعم إخوة سوريين في الخارج، وتتوفر فيه أجهزة أشعة مقطعية، وهو الأمر الذي لم يكن متوفرا بأي من المناطق المحررة منذ نحو شهر".

ويواصل"حمادي": "رغم ذلك لازال المستشفى هنا بحاجة لأمور كثيرة، فلا يوجد به إلا غرفتا عمليات فقط، في حين أننا نحتاج في اليوم لإجراء قرابة 20 عملية، غالبيتها إصابات حربية تحتاج لعمليات تجرى على أكثر من مرحلة، بالإضافة إلى حاجتنا لمعدات جراحية عصبية أكثر تطورا، وأجهزة تثبيت للفقرات، والرأس، وأجهزة الحفار للجمجمة، إعدادات عناية مركزية مناسبة لخطورة الحالات التي نستقبلها".

بنك للدم قريباً
د.عبد الوهاب دعدوش (47 عاما) اختصاصي جراحة عظمية، يعمل في المستشفى منذ بداية 2013، يقول: "منذ بداية الثورة أعمل في نقاط طبية بإدلب، وهذا يعد مستشفى ميداني متطور جدا مقارنة بالأوضاع في غيره من النقاط الطبية الميدانية".

ويتابع "بالنسبة لي كمتخصص جراحات عظمية، لم نبدأ بكل أنواع العلاجات هنا بعد، فقط نقوم بتثبيت خارجي للعظام، حتى مؤخرا صار عندنا نقص في أجهزة التثبيت الخارجي.
 كما يأتينا أطباء سوريون من الخارج يقومون بعمليات نوعية، مثل الطعوم العظمية ونقل الشرائح، والمرضى الذين لا نستطيع معالجتهم نرسلهم للخارج، لكن 90% من العمليات تتم هنا، بيد أنها تكون بهدف استقرار الحالة، ويحتاج المريض بعد التئام الأنسجة لعمليات أخرى مثل زرع الشرائح والطعوم العظمية وغيرها".

ويشير إلى أنه "بالفعل بدأنا في تجهيز مستشفى عمليات تخصصي هنا، تجرى فيه عمليات نوعية متقدمة"، مضيفا "لدينا هنا أيضا جناح للغسيل الكلوي، وقريبا يصبح لدينا بنك دم أيضا".

ترك تعليق

التعليق