"كلمة السر"....من يموّل "داعش"؟ (2-2)
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 30 تشرين الاول 2013 --
- 4 تعليقات
نظرية "الدعم الخليجي الرسمي" لـ "داعش" ضعيفة جداً، ولا تتمتع بأي أُسس منطقية راسخة، لا مصلحياً، ولا إعلامياً...
"هناك رجال أعمال عرب وخليجيين يؤمنون بتنظيم القاعدة، ويعملون على تمويل التنظيم بطريقة غير مباشرة، وبسرية جداً،...".
"تهديد واختبار خط الساحل السوري - شمال سورية لمعالجة مشكلة تلقي الدعم الخارجي اللازم للمرحلة التالية....".
يبدو أن "داعش" تعمل للسيطرة على أهم المعابر الحدودية مع تركيا والعراق.
تُحكم "داعش" السيطرة على الكثير من حقول نفط في محافظتي الرقة ودير الزور.
استعرضنا في الجزء الأول من هذا التقرير، النظرية الأكثر رواجاً بين معارضي نظام الأسد ومناوئي المحور السوري- الإيراني في المنطقة، والتي تُفيد بأن تنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش"، هو حصان طروادة "الأسدي- الإيراني"، الذي يعتمده نظام الأسد وحلفاؤه لتشويه سمعة الثورة والإجهاز عليها بطرق غير مباشرة، عبر الاختراقات الأمنية للصفوف المتقدمة من قيادة هذا التنظيم، مما يعني أن إيران والأسد وحلفاؤهما في العراق ولبنان، هم المموليين الرئيسيين لـ "داعش".
لكن، رغم القوة المنطقية التي تتمتع بها هذه النظرية، لا يمكن نفي وجود نظريات أخرى تتمتع بقوة منطقية هي الأخرى، تلك المتعلقة بـ "الدعم الخليجي الرسمي وغير الرسمي لتنظيم القاعدة"، والأخرى المتعلقة بـ "استراتيجيات القاعدة لتأمين التمويل الذاتي" وإسقاطات هذه الاستراتيجية الظاهرة حالياً في مساعي "داعش"، للسيطرة على المعابر الحدودية السورية – التركية بالدرجة الأولى، والسورية – العراقية بالدرجة الثانية.
تمييز ضروري
بدايةً نلفت عناية قرائنا بأننا سنميّز بصورة واضحة في هذا الجزء بين "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش"، وبين "جبهة النصرة"، لأسباب عديدة سنبيّن بعضها أثناء سردنا لتفاصيل نظريات تمويل "داعش" الآتية، وأبرز المعطيات المتعلقة بها.
ما سبق يعني، أن ما سيأتي سرده في هذا الجزء، لا ينطبق بصورة دقيقة على تنظيم "جبهة النصرة"، لذا وَجِب التنويه.
التمويل الخليجي الرسمي
من النظريات التي تلقى شيوعاً، خاصةً في أوساط مناصري الأسد وحلفائه الإقليميين، هي تلك التي تقول بأن بعض دول الخليج، وعلى رأسها قطر والسعودية، تموّل بصورة غير مباشرة نشاطات "داعش" في سوريا.
ولا يوجد أية أدلة موثوقة تثبت هذه النظرية، كما أنه لا توجد معطيات منطقية قوية تساندها، وربما يشكّل التركيز على البعدين: المصلحي والإعلامي، سبيلاً أنسب لتقييم هذا الإدعاء – دعم قطر والسعودية لـ "داعش"- من الناحية المنطقية.
يمكن ملاحظة أن وسيلة الإعلام الرئيسية المحسوبة على قطر –شبكة الجزيرة- لا تدعم "داعش"، وتتجاهلها بصورة واضحة، فيما تدعم بصورة غير مباشرة نشاطات "جبهة النصرة" عبر الإشارة إلى إنجازاتها الميدانية، وتحسين صورتها عبر نقل تصريحات لبعض قادتها، من قبيل آخر التصريحات التي نقلتها الجزيرة عن أحد قادة جبهة النصرة، والتي تحدث فيها عن أن الجبهة لا تعتزم التدخل في شكل الدولة بعد إسقاط نظام الأسد.
وإن اطلعنا على أبرز وسائل الإعلام القطرية، ومنها الورقية تحديداً، لوجدنا أن بعضها يُدين بصورة مباشرة تنظيم "داعش".
إذاً قطر لا تدعم "داعش" إعلامياً، أما من الناحية المصلحية، إن كانت "داعش" حسب التطورات الميدانية في سوريا في الأشهر الأخيرة، أضرت بالثورة، وأفادت الأسد، عبر الاقتتال مع فصائل معارضة مسلحة أخرى، والعمل على السيطرة على المناطق المحررة بقوة السلاح، وعدم الصدام مع قوات الأسد، فهذا يعني أن قطر، التي يظهر للعيان أنها معنية بإسقاط نظام الأسد بالدرجة الأولى، ليس لها مصلحة في دعم هذا التنظيم.
الخلاصة السابقة ذاتها تنطبق على السعودية أيضاً، فالأخيرة تُدين "داعش" عبر الإعلام المحسوب عليها بصورة مباشرة وممنهجة، كما أن لا مصلحة لها في إطالة أمد عمر النظام، وتعزيز وجود قوى متطرفة في سوريا، سرعان ما سترتد عليها بالسلب، كما حصل بعيد نهاية الحرب ضد السوفيت في أفغانستان.
بالنسبة للدول الخليجية الأخرى، يبدو أن أدوار البقية منها، باستثناء قطر والسعودية، هامشي وغير جدّي في الشأن السوري، ولا يبدو أن لأيّ منها استراتيجية خاصة في سوريا، تبتعد كثيراً عن استراتيجيات السعودية بصورة خاصة.
وهكذا، يمكن أن نذهب إلى أن نظرية "الدعم الخليجي الرسمي" لـ "داعش" ضعيفة جداً، ولا تتمتع بأي أُسس منطقية راسخة، لا مصلحياً، ولا إعلامياً، باستثناء الاتهامات التي يمكن لأيّ أحدٍ أن يُطلقها.
التمويل الخليجي غير الرسمي
لكن في مقابل ضعف نظرية "التمويل الخليجي الرسمي" عبر الحكومات، هناك نظرية تتمتع بقوة منطقية أكثر، تلك التي تقول بأن هناك دعم خليجي غير رسمي، عبر رجال أعمال وأثرياء خليجيين، متعاطفين مع تنظيمات القاعدة، ويميلون لفكرهم، يدعمون بقوة تنظيم "داعش"، بالوسائل المالية، وبطرق شتى.
من أبرز من ناصر هذه النظرية الرئيس السابق لتحرير صحيفة القدس العربي، عبد الباري عطوان، الذي أكد أن "هناك رجال أعمال عرب وخليجيين يؤمنون بتنظيم القاعدة، ويعملون على تمويل التنظيم بطريقة غير مباشرة، وبسرية جداً، ويرسلون أموالاً للتنظيم"، من وجهة نظره.
وقد لفت عطوان إلى نقطة هامة في قضية تمويل تنظيمات القاعدة، وهي أن "التنظيم لا يحتاج إلى أموال كثيرة، "فهم يعيشون حياة بسيطة جداً،....وهم يستغلون كل الطرق الممكنة ليكون لديهم اكتفاء ذاتي من الناحية المادية"، وهي النظرية الآتية المتعلقة بمساعي "الاكتفاء الذاتي من ناحية التمويل"، والتي قد تكون مكمّل لنظرية "الدعم الخليجي غير الرسمي".
وبرغم عدم وجود أدلة أيضاً تدعم نظرية دعم بعض أثرياء الخليج لـ "داعش"، إلا أن معطيات متواترة عديدة، تؤكد وجود رجال أعمال خليجيين متعاطفين مع فكر تنظيم القاعدة، لذا يجب الإقرار بأن هذه النظرية تتمتع بقوة منطقية عالية.
"استراتيجيات القاعدة لتأمين التمويل الذاتي"
ربما تُعدّ نظرية "التمويل الذاتي لتنظيم القاعدة" أقوى النظريات من ناحية المنطق، ومن ناحية الأدلة الموثّقة التي تُؤيدها وقائع على الأرض.
"خط الساحل"
في تقرير نشرته صحيفة الحياة اللندنية مطلع الشهر الجاري، يفصّل إبراهيم حميدي دراسة قال أن "الحياة" اطلعت عليها.
الدراسة المذكورة قدمها "أبو محمد الفاتح الجولاني"، لـ "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم "دولة العراق الإسلامية"، فرع "القاعدة" في العراق، في منتصف العام 2011، بعد جولة قام بها "الجولاني" بتكليف من "البغدادي" في ريف وسط سوريا وشمالها. ساهمت الدراسة في تأسيس "جبهة النصرة"، التي أصبح "الجولاني" قائدها، ومن ثم اختلف "الجولاني" (سوري الجنسية)، مع أميره "البغدادي" (عراقي الجنسية)، وانفصل عنه في "جبهة النصرة"، ليتابع "البغدادي" لوحده لاحقاً تأسيس "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش"، التي ظهرت للعلن خلال العام الجاري.
أبرز ما جاء في الدراسة أن "الجولاني" توقع ألا يحصل أي تدخل أجنبي عسكرياً في سوريا، وان الأخيرة ستتحول لساحة صراع استراتيجي بين الحلفين "الشيعي" و"السنّي".
لكن بعيداً عن باقي التفاصيل الاستراتيجية المهمة الواردة في الدراسة المذكورة، والتي لا تعنينا في تقريرنا الحالي، يبدو أن أبرز ما دعا إليه "الجولاني" لمعالجة قضية التمويل، هو "...تهديد واختبار خط الساحل السوري - شمال سورية لمعالجة مشكلة تلقي الدعم الخارجي اللازم للمرحلة التالية سواء كان ذلك الدعم من خلال الأنظمة في الحلف السنّي أو من خلال شبكات الدعم الجهادية والتي يجب أن نوفر لها منفذاً بحرياً لاستقبال دعمها البشري والمادي".
وهذا ما يفسّر العملية التي قامت بها بعض التنظيمات الإسلامية المعارضة، من بينها "جبهة النصرة"، في الساحل السوري في الصيف المنصرم، وباءت بالفشل، بعد نجاح سريع آنيّ.
"خط المعابر الحدودية"
في مقابل فشل مخطط السيطرة على منافذ بحرية فاعلة لتلقي التمويل، يبدو أن "داعش"، التي خلعت عباءتها عن "الجولاني" وتنظيمه "جبهة النصرة"، تعمل على تنفيذ مخطط آخر، يتعلّق بالسيطرة على أهم المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، بغية تأمين التمويل ودخول المقاتلين، ناهيك عن تجفيف منابع الدعم القادمة لفصائل معارضة أخرى، تنظر إليها "داعش" بعين الريبة باعتبارها ستكون تكراراً لتجربة "الصحوات" في العراق، التي قاتلت، بتمويل ودعم غربي، تنظيم القاعدة في العراق، وألحقت به خسائر فادحة.
فقد ذكر تقرير نشرته سكاي نيوز العربية مطلع الشهر الجاري، أن "....عناصر ما تسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" تقاتل على امتداد قوس كبير في الشمال السوري، يبدأ من الحدود العراقية السورية ويمر في دير الزور والرقة التي باتت تسيطر عليها بشكل كامل، وصولاً إلى جرابلس ومنبج والباب وإعزاز شمالي حلب، بالإضافة إلى شمالي إدلب قرب الحدود التركية".
وكان مشهد الصدام المسلح بين "داعش" و"لواء عاصفة الشمال" في إعزاز، وسيطرة الأولى عليها، أبرز تعبير عن استراتيجية هذا التنظيم –داعش- الساعي لفرض سيطرته المطلقة على المعابر الحدودية مع تركيا، وعزل الفصائل المقاتلة الأخرى عن منطقة الحدود لقطع التمويل القادم إليها من الأراضي التركية.
ومما يُؤكد أن "داعش" لا تحظى برعاية إقليمية من "التحالف السنّي" في أبرز ممثليه، تركيا، أغلقت الأخيرة بعض معابرها رداً على سيطرة "داعش" على المناطق القريبة منها، فيما ذكرت تقارير إعلامية أن القوات التركية قصفت مواقع للتنظيم داخل الأراضي السورية، في الوقت الذي وجهت فيه "داعش" تهديدات علنية لتركيا بتنفيذ تفجيرات انتحارية داخل أراضيها، أتبع ذلك تبني التنظيم للهجوم الذي استهدف مديرية الأمن في أربيل عاصمة كردستان العراق نهاية الشهر الماضي، رداً على تهديدات رئيس الإقليم مسعود برزاني بمقاتلة من سماهم الجهاديين في سوريا.
"ثروة سوريا السوداء"...النفط
قبل أسبوعين تقريباً، أعلنت قيادة دولة العراق والشام الإسلامية أوما يسمى بـ "داعش" قطع الموارد والإمدادات المالية عن مقاتلي تنظيم "جبهة النصرة" بسوريا، في مشهد آخر من مشاهد النفور والافتراق بين التوأمين الآتيين من رحم "القاعدة".
التطور الأخير قد يطيح بشراكة آنية وموضعية بين "داعش" و"جبهة النصرة" في منطقة شمال شرق سوريا تحديداً، حيث يشتبك الطرفان مع "حزب العمال الكردستاني" بنسخته السورية، بغية السيطرة على آبار النفط بصورة رئيسية، حيث سيساهم تهريب النفط في تمويل التنظيمين في حال توقفت التمويلات الحالية.
وقد سيطر مقاتلو داعش وجبهة النصرة على بلدة الصفا بريف الحسكة الجنوبي، بعد مواجهات عنيفة مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني والقوات الحكومية السورية، في تقدم ملحوظ للتنظيمين في الشمال الشرقي من سوريا. بينما تشتبك "داعش" مع الجيش الحر في دير الزور.
وهكذا بدأت ملامح صراع يتشكّل في الجبهة الشمالية الشرقية بين مقاتلي النصرة ومقاتلي داعش.
وتتحكم "داعش" حالياً بإمدادات مصدرها الآبار النفطية التي تسيطر عليها سواء في الأراضي العراقية أو المناطق السورية، حيث تُحكم السيطرة على الكثير من حقول نفط في محافظتي الرقة ودير الزور.
خلاصة "استراتيجيات التمويل الذاتي للقاعدة"
وهكذا يبدو أن لـ "داعش" سبل عديدة للتمويل الذاتي، أبرزها على الإطلاق، السيطرة على المعابر الحدودية، وآبار النفط، ناهيك عن التمويل الذاتي لبعض مقاتليها، إذ يأتي بعض "المجاهدين" للانضمام إليها بأرواحهم وأموالهم، إيماناً منهم بأنهم في حالة "جهاد".
خاتمة
في الختام يمكن لنا تقييم نظريات تمويل "داعش" البارزة على الشكل الآتي:
نظرية "التمويل الأسدي – الإيراني" تتمتع بمقومات منطقية عالية، تدعمها معطيات ميدانية، لكن دون أدلة موثّقة.
نظرية "التمويل الخليجي الرسمي" لا تتمتع لا بمقومات منطقية ولا بمعطيات ميدانية.
نظرية "التمويل الخليجي غير الرسمي" تتمتع بمقومات منطقية عالية، وحوادث سابقة متواترة وعديدة في أفغانستان والبوسنة والعراق واليمن، تدعمها.
أما نظرية "التمويل الذاتي لتنظيم القاعدة" فهي أقوى النظريات من ناحية المنطق، ومن ناحية الأدلة الموثّقة التي تُثبتها وقائع على الأرض، وتجارب تاريخية سابقة ومتواترة أيضاً.
الجزء الأول | ||
|
التعليق
تخلصوا من المقاتلين الأجانب بسـرعه
2014-01-10من يدعم داعش
2014-01-15التمويل الذاتي !!
2014-07-05الى داعش
2015-05-07