"اقتصاد" تُضيء على "سيرة" قدري جميل...ما بين السياسة والبزنس غير المشروع

انتسب إلى عائلة تتنبى الشيوعية كآيدلوجية لكنها تنتهج السياسة وأحياناً البزنس كمنهج حياة
حاز على شبكة علاقات متينة تصل إلى عمق المجمع الصناعي العسكري الروسي
رجل المخابرات السوفيتية سابقاً بقي يلعب ضمن القواعد المحددة من جانب النظام السوري
معارضته انحصرت في انتقاد السياسات الاقتصادية وتوجيه سهام اتهاماته لـ " الدردري "ومن هو دونه
أحد أعضاء شبكة ضخم من المتاجرين بالألماس  تضم متنفذين سوريين ولبنانيين بعضهم مقرّب من حزب الله
يدير الكثير من استثمارات رجال أمن ومتنفذين سوريين في السوق الروسية

أن تكون سليل عائلة إقطاعية لا يمنع أن تكون شيوعياً. وأن تكون ثرياً ولك استثمارات في دولة أو دولتين خارج سوريا، لا يمنع أن تكون ماركسياً، وتنادي باعتماد استراتيجية "الدولة الراعية" للاقتصاد، وضبط القطاع الخاص لصالح التخطيط الاقتصادي العام.

ما سبق أيضاً لا يمنع أن تعزّز علاقاتك بوريث الشيوعية "المترسمل اليوم" - روسيا، أو أن تخيط شبكات متينة من المصالح المتبادلة مع أجهزة أمن ورجال دولة، ناهيك عن حبل صلةٍ ممتدٍ إلى عمق المجمع الصناعي العسكري الروسي، ساعدك في أن تكون مسوّقاً للسلاح الروسي، حسب شهاداتٍ كثيرة.

لكن كل ما سبق، لا يكفي لأن تكون بديلاً عن بشار الأسد....حتى لو كنت أحد الأوراق الروسية "الرابحة" وفق آمال الكرملين ومخططاتها لمستقبل سوريا المحتمل....تلك الرسالة التي بعث بها النظام السوري الحاكم منذ أيام إلى قدري جميل، ومن ورائه موسكو، حسب قراءات أمريكية.

قدري جميل وريث الإقطاع ورجل الاستثمار والدكتور في الاقتصاد السياسي، نجح في أن يحجز لنفسه مكاناً ظاهراً في المشهد السياسي السوري، لكنه دخل حيز المخاطرة، على خلاف نهجه المستقرّ لعقود قبل الثورة، حينما قرر أن يسعى لأن يكون أحد الأحصنة التي يمكن لروسيا أن تراهن عليها في سوريا المحترقة.

سليل العائلة الإقطاعية وقصّة "تكنو إكسبورت"
إحدى الشهادات المُدافعة عن قدري جميل تُذكّر بأن الرجل هو ابن فؤاد جميل باشا، سليل عائلة كردية إقطاعية غنية. ترك قدري الابن ميراث "الباشوية"، ليكتفي بميراثه المالي، مستغنياً عن سيرة أبيه، ومتبنياً الفكر الشيوعي.

لكن موقع "الحقيقة" لصاحبه نزار نيوف، المعارض للنظام وللثورة على حدٍ سواء، يقدم شهادة أخرى عن الخلفية العائلية لـ قدري جميل، فوالده، جميل باشا، كان وكيلاً للصادرات الصناعية من أوربا الشرقية ، لاسيما الاتحاد السوفييتي السابق، إلى سوريا. وهي التي عرفت باسم " تكنو إكسبورت".

خلال التسعينيات، وبينما كانت المافيا الروسية المحلية تنشب مخالبها في جثة الدولة السوفييتية وأشلائها، لم تتأخر "تكنو إكسبورت" السورية عن الوليمة، فأفاد قدري جميل وأخوته من شبكة علاقاتهم العميقة مع رجالات متنفذين في روسيا في عصر يلتسين، وتحول الرجل إلى تاجرٍ للسلاح الروسي في الشرق الأوسط، معتمداً على ما نسجه من خيوط متينة مع متنفذين روس خلال فترة دراسته في موسكو في الثمانينات، ومستفيداً من العاملين لدى والده من "مرابعين"، واصلوا العمل تحت ظل الابن.

إلى الشيوعية...انتساباً ومصاهرة
رغم نسبه الإقطاعي، وانتمائه لعائلة غنية، انتسب قدري جميل في السنين الأولى من مراهقته إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، وذلك عام 1966 حيث كان في الرابعة عشرة من عمره.

وربما كان للمصاهرة دورها في ترقي الرجل في صفوف الحزب العريق، الذي كان أول الأحزاب السياسية في تاريخ سوريا المعاصر، فتزوج قدري جميل من ابنه خالد بكداش، الشيوعي السوري المخضرم، وانتسب إلى عائلة تتبنى الشيوعية كآيدلوجية، لكنها تنتهج السياسة، وأحياناً البزنس، كمنهج حياة، الأمر الذي انعكس في طباع شخصية قدري جميل.

بعد رحيل خالد بكداش، ورثت أرملته، وصال بكداش، قيادة الحزب الذي تعرض للكثير من الانشقاقات كان أحدها انشقاق "الصهر" قدري جميل، الذي انفصل لاحقاً عن زوجته، ابنة خالد بكداش، الناشطة في الحزب أيضاً، ليشكّل منفرداً تكتلاً سياسياً يسارياً في العام 2003، أسماه حينها "منطقية دمشق".

أستاذ أكاديمي...وتاجر سلاح...ورجل سياسة
في الثمانينات، وتحديداً عام 1984 حاز قدري جميل في موسكو على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، في العهد السوفيتي العتيد، وحاز معها على شبكة علاقات متينة، تصل، حسب بعض الشهادات، إلى عمق المجمع الصناعي العسكري الروسي، وازدادت علاقاته متانةً في التسعينات، لينسج شبكة تجارة سلاح يضطلع أخواه فيها بدور بارز، في روسيا وأوروبا.

يصفه البعض بأنه رجل المخابرات السوفيتية سابقاً، لكنه بقي يلعب ضمن القواعد المحددة من جانب النظام السوري، مهما كان هامشها ضيقاً، فتحوّل من "منطقية دمشق" إلى حزب "الإرادة الشعبية" الذي أسسه، والذي بقي صالوناً سياسياً ضيق النطاق والتأثير حتى مطلع العام 2011.

تجربته الإعلامية
دفعته تجربته الإعلامية التي دامت تسع سنوات، حيث ترأس تحرير صحيفة الحزب الشيوعي السوري المركزية "صحيفة الشعب" من عام 1991 حتى عام 2000، لأن يؤسس لتجربته الإعلامية الخاصة بعد انفصاله عن الحزب وعن آل بكداش، فأدار جريدة "قاسيون" التي بقيت مطبوعة دورية ضيقة الانتشار ولا تُباع في المكتبات، حتى نيلها الترخيص الرسمي بعيد دخوله حكومة الأسد التي ترأسها رياض حجاب (رئيس الوزراء المنشق عن النظام) في حزيران 2012.

معهد التخطيط...والتصويب على الدردري
على الصعيد العلمي، عمل قدري جميل محاضراً في معهد تخطيط التنمية الاقتصادية الاجتماعية بدمشق، حتى أقاله عبد الله الدردري، النائب السابق لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وأحد صانعي الاستراتيجية الاقتصادية السورية في العقد الأول من القرن الحالي، بسبب انتقادات جميل اللاذعة له، حسب الشهادات.

ورغم أن جميل كان يقدّم نفسه على أنه معارض طوال العقد الماضي، إلا أن معارضته انحصرت في انتقاد السياسات الاقتصادية، وتوجيه سهام اتهاماته بالتقصير أو الخطأ لـ عبد الله الدردري ومن هو دونه من وزراء في حكومات الأسد الابن المتتالية.
يتهمه البعض بأنه كان أحد المروجين لفكرةٍ تقول بأن مشكلات سوريا في عهد الأسد الابن هي نتاج السياسات الاقتصادية الخاطئة، وليست نتاج إدارة سياسية أو أمنية خاطئة، وذلك بدفع من المخابرات الجوية تحديداً، لذلك كان أحد أبرز المنتقدين لـ عبد الله الدردري طوال سنوات مسؤوليته خلال العقد الماضي.

سلاح وألماس واستثمارات في دبي وروسيا
بعيداً عن تجارة السلاح، يتهمه الكثيرون بأنه أحد أعضاء شبكة ضخمة من المتاجرين بالألماس في بعض دول إفريقيا، تضم متنفذين سوريين ولبنانيين، بعضهم مقرّب من حزب الله. كما يتهمه البعض بنشاطه في التهريب من سوريا وإليها. وتتمركز مواضع ثروته واستثماراته بين روسيا ودبي. كما يؤكد آخرون بأنه كان أحد أبرز الشركاء الماليين لـ غازي كنعان، المقتول بدمشق عام 2005، ناهيك عن أنه يدير الكثير من استثمارات رجال أمن ومتنفذين سوريين في السوق الروسية.

الحراك الثوري...من القيود إلى البروز
استطاع قدري جميل أن يستغل الحراك الثوري في سوريا عام 2011 والأزمة التي خلقها النظام الحاكم، وتقدم ليحجز لنفسه مكاناً أكثر قوةً في المشهد السياسي السوري مقارنةً بالسنوات التي سبقت الحراك.

وفي العام 2011 أسس قدري جميل حزباً جديداً أسماه "حزب الجبهة الشعبية"، ونال ترخيصاً رسمياً من النظام، وقدّم الحزب نفسه على أنه حزب معارض.
ومن ثم شكّل جميل بالتحالف مع فريق علي حيدر في الحزب السوري القومي الاجتماعي ما أُطلق عليه حزب "الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير"، ليُشارك في صياغة الدستور الذي فُرض على السوريين في "استفتاء" تعرّض لمقاطعة شعبية واسعة عام 2012، ومن ثم شارك تكتل "الجبهة الشعبية" في الانتخابات التشريعية عام 2012، ودخل قدري جميل مجلس الشعب ممثلاً للتكتل المذكور.

ورغم أن قدري جميل طالب بصورة غير مباشرة بحل المجلس وإعادة الانتخابات التشريعية التي قاطعتها شرائح واسعة من الشعب السوري، إلا أنه لاحقاً أوعز لنواب حزبه بتأدية القسم، وقام هو بذلك أيضاً، واصفاً المجلس بـ "الشرعي" ما لم يصدر عن المحكمة الدستورية العليا، "التي يُعيّن قضاتها بقرار من رئيس الجمهورية"، خلاف ذلك.

من سيناريو رئيس حكومة...إلى نائب ووزير "الورطة"
في مطلع العام 2012، تم الحديث كثيراً عن أن قدري جميل مرشح بقوّة لأن يكون رئيس حكومة، باعتباره شخصية "معارضة"، وكان الروس، على ما يبدو، يدفعون لأن يكون الرجل شريكاً فعالاً للأسد في الحكم، لكن الأخير خفّض لاحقاً سقف التوقعات الروسية، وحصر موقع قدري جميل في منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، مع منحه حقيبة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، التي ظهرت وكأنها "توريطة" للرجل، الذي حمل جزءاً ملحوظاً من نقمة السوريين إزاء تردي أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، في ظل تناقض تصريحات جميل مع سياسات الحكومة عامة، ووزارته خاصة، الأمر الذي عزّز الصورة السلبية عن الرجل، بين "كاذب"، أو "عاجز".

يتبع في الحلقة الثانية...

ترك تعليق

التعليق