عاصمة الأمويين تتحول إلى خلية من اللصوص وقطاع الطرق والمتسلطين

نقلت وكالة "رويترز" صورة عن دمشق التي تحولت إلى ملعب لعصابات النظام وشبيحته، يعيثون فيها فسادا ونهبا وتسلطا على الناس، دون خوف من رقيب أوحسيب.

وكعادتها في كثير من تقاريرها الأخيرة، اعتمدت "رويترز" على مراسل من الداخل حجبت اسمه لأسباب أمنية، الأمر الذي يعطي صورة حقيقية عن واقع الحظر الذي يفرضه نظام بشار على كل وسائل الإعلام لنقل الواقع، ويبين إلى أي مدى باتت كتابة خبر أو تقرير صحفي مصدر خطر على الصحافي، قتلا أو خطفا أو اعتقالا.

تقول رويترز في تقريرها: طرق مسلحون باب منزل بمنطقة ركن الدين في شمال دمشق وأمروا السيدة المسنة التي فتحت بالإفساح لأنهم من جهاز أمن الدولة ويريدون القيام بعملية تفتيش روتينية. ثم استولوا على كل ذي قيمة.

وحين أبلغت السيدة عن الجريمة رفضت الشرطة التحقيق في واقعة وصفها البعض بأنها مؤشر على حصانة قوات الأمن والميليشيات الموالية لبشار الاسد، والتي يتردد أنها وراء موجة من جرائم الخطف والسرقة.
ويقول سكان في العاصمة إن المشكلة تفاقمت في دمشق مع انتشار ما يعرف باللجان الشعبية، التي استعان بها بشار الأسد لقمع الثورة التي دخلت عامها الثالث.

لدى الانضمام لإحدى اللجان الشعبية يحصل العضو الجديد على راتب شهري وبندقية كلاشنيكوف، وتكون مهمته مواجهة كل من يناوئ النظام في منطقته.

ولكن مع كثرة المسلحين الذين يجوبون الشوارع، ومع قلة الإشراف يرى كثيرون في دمشق أن النظام يجيز عمل اللصوص.

وفي حادثة ركن الدين ضرب اللصوص ضربتهم وقت الصلاة.. فهم يعرفون أن الكثير من السكان سيكونون في المسجد. 

قال رجل قريب من الأسرة جاء إلى المنزل بعد السرقة "من الواضح أنهم كانوا يعلمون أنه لا توجد سوى سيدة مسنة في تلك الساعة".

وأضاف "طلبوا منها إحضار كل الأشياء القيمة في المنزل، وأن تضعها على طاولة بالمطبخ لتضمن أن متعلقاتها في أمان أثناء عملية التفتيش".

استجابت السيدة لما طلبوه وأحضرت كل مصوغاتها ومصوغات بناتها وكل النقود الموجودة. لم يكن المبلغ قليلا.. لاسيما أن الناس تدخر المال في بيوتها وتعزف عن التعامل مع البنوك بسبب الحرب.

وقال صديق الأسرة "كانت تعد لهم الشاي حين فروا ومعهم كل شيء. وحين عدنا كانوا قد اختفوا تماما"
حاولت الأسرة تقديم بلاغ للشرطة لكن مسؤول المنطقة رفض متابعته.
وتابع الصديق قائلا "حين أخبرناه أن الجناة عرفوا أنفسهم على أنهم من أمن الدولة شحب وجهه وقال إنه لا يستطيع التدخل، وإنه لن يعبث مع أمن الدولة".
وأضاف: "كلنا مستباحون، لا أحد يهتم بنا".

وقد تم حجب هوية الأشخاص المعنيين حرصا على سلامتهم، كما إن القيود تمنع وسائل الإعلام في سوريا من الاتصال بمسؤولين للتعليق.

الغرب المتوحش
وصفت محامية في دمشق تتعامل بصفة مستمرة مع قضايا المفقودين والاتهامات ضد موظفي الدولة الحياة في كثير من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بـ"الغرب المتوحش" وهو التعبير الذي كان يطلق على مناطق انعدام القانون في الغرب الأمريكي في القرن التاسع عشر. 

وأضافت "في منطقتي (جنوب دمشق) يحصل أعضاء اللجان الشعبية على راتب 15 ألف ليرة (100 دولار) شهريا من النظام".. كما يحصلون على بندقية وتصريح بالاستئساد على بقيتنا وسرقتنا".

الشعور بالاستياء من اللجان الشعبية سائد حتى بين مؤيدي النظام، الذين يرون أنها شر لابد منه وأنها تحميهم من الثوار التمركزين في الضواحي، ورغم أن هذه اللجان ليست لها سلطة رسمية كبيرة، فإن كلمتها مسموعة لأن الجهات الأعلى تثق في أن "اللجان" تعلم من قد يكون "مثيرا للمشاكل" أو متعاطفا مع الثوار من بين السكان.

ويقول بعض السكان إن النفوذ المتزايد للجان (الشبيحة) أدى إلى هجمات غاشمة، وتسبب في حالات ثأر شخصي؛ ما جعل الآخرين يشعرون بأنهم ليسوا في مأمن.

وروت سيدة تعيش في منطقة قريبة من الجهة إلى الشرق من وسط دمشق، كيف أن لجنة شعبية اختطفت ابنها البالغ من العمر 20 عاما عند نقطة تفتيش قرب المنزل وقالت إنه كان بين أفرادها شبان يعرفون ابنها.

وقالت السيدة التي استخدمت اسم أم حسن: "حتى اليوم لا نعرف لماذا فعلوا هذا. ربما ضايق ابني أحدا في اللجنة، ربما كان مزاجهم سيئا. لا نعلم".

وتم الإفراج عن الشاب بعد نحو 8 أشهر احتجز خلالها دون محاكمة أو إجراءات قانونية. وقالت الأم إن قدميه كانتا "مثل الحوافر متورمتين ومشققتين من الضرب"، ولم يتضح سبب احتجازه وتخشى "أم حسن" من انتقام اللجنة إن هي اشتكت.

وأضافت: "لنحمد الله على ما نحن فيه ولنبتعد عن المشاكل"، في كلمات تعبر عن نبرة عامة تسود بين معظم سكان دمشق.

غض الطرف 
ومن المفارقات أن أجهزة الأمن التي يفترض بها أن توفر الأمن، باتت في دمشق مصدر قلق وخطر، فهو تغض الطرف عما يبدو عنفا عشوائيا وجرائم سطو.

وفي وسط دمشق وقعت عدة جرائم سرقة كبيرة في أحياء قريبة من مباني فروع جهاز أمن الدولة، وهي مناطق يصعب على أي غريب أن يمكث فيها طويلا دون ملاحظته.

وقال شخص يسكن قرب أحد هذه المباني: "لم تكن نملة تستطيع التحرك هنا دون أن يدري بها جهاز أمن الدولة"، ومع هذا وقعت حوادث سرقة ورفض مسؤولو الشرطة في أغلب الأحيان التدخل على حد قول العديد من السكان.
وتكبد البعض في المدينة خسائر من نوع آخر.

ففي حي كفرسوسة الغني في الجنوب الغربي يحتل ضباط من الجيش ومسؤولون بأمن الدولة الكثير من الشقق الفخمة المفروشة التي غادرها أصحابها.

وانتقل هؤلاء الضباط منذ أسابيع إلى تلك الشقق حين اعتقدوا أن هناك ضربة عسكرية أمريكية وشيكة، فهي حسب وجهة نظرهم تشعرهم بقدر من الأمان أكبر من ذلك المتوفر لهم في مكاتبهم العسكرية!
ولا يسلم المتنقلون داخل دمشق من هذه الجرائم. ويتذكر رجل يدعى عصام كيف أنه كان متجها بالحافلة إلى دمشق حين سرق جنود ورجال ميليشيات (شبيحة) أمتعة الركاب عند نقاط التفتيش بالتواطؤ مع السائق فيما يبدو.
وروى آخرون في العاصمة قصصا مشابهة.

حتى في قلب العاصمة الذي يعتبر من أكثر الأماكن أمنا في سوريا ويحكم النظام سيطرته عليه تحولت نقاط التفتيش الى أماكن للسرقة.

وفي أنحاء المدينة خفض أصحاب متاجر البقالة الموجودة قرب نقاط التفتيش مخزوناتهم من الأطعمة الجاهزة، لأن الجنود ورجال الأمن يأخذون ما يحلو لهم من شوكولاته وخبز وجبن وغيره دون أن يدفعوا ثمنه.
قال أبو عبده: "أو أنهم يعطونني خمس ليرات مقابل شيء تكلفته 50 ليرة بالجملة ويعلمون أنني لا أستطيع أن أجادلهم.. الآن لا أترك الا منتجات التنظيف والخضروات الطازجة التي لا يستطيعون تناولها مباشرة.. لا حلوى".

ترك تعليق

التعليق