تمويل الكتائب المقاتلة للأسد...تحت مبضع "التشريح" (1-2)

70% من تبرعات مجلس الداعمين للثورة السورية في الكويت يذهب إلى "جيش الإسلام".

تحقّق الإرادة الدولية – الإقليمية بوقف الحرب لن يُنهيها بالضرورة.

كلما أشاع النظام بروباغندا ما كلما تحققت تحذيراته تلك بعد حين

التمويل شريان رئيسي لاستمرار الصراع المسلح

لا تستطيع أنظمة الخليج الحاكمة وقف التمويل غير الرسمي الآتي من بلدانها

في مطلع الشهر الفائت، عقدت قبيلة "العجمان" في الكويت مُلتقىً خُصّص لنُصرة السوريين، وجمع التبرعات لدعم الثورة السورية، اشترى خلاله أحد النواب الكويتين صقراً بـ 6 آلاف دينار كويتي، في مزاد علني تم إعداده لجمع التبرعات نُصرةً للشعب السوري.

المتحدثون في المُلتقى من ساسة وشيوخ قبائل وشخصيات عامة وقيادات تقليدية كويتية، حضّوا على دعم الثوار السوريين بالمال، وأفصح بعضهم أن 70% من تبرعات مجلس الداعمين للثورة السورية في الكويت يذهب إلى "جيش الإسلام" بعد اتحاده مع عدد من الألوية والكتائب قرب دمشق.

قصّة ملتقى "العجمان" القبلي الكويتي مثالٌ من عدّةٍ أمثلةٍ تُشابهه، تُثبت حقيقةً مفادها أن ضبط التمويل الموجّه لبعض الكتائب المعارضة السورية، أمرٌ شبه مستحيل، حتى لو أجمعت عليه أنظمة دول الخليج ذاتها، التي يفدُ منها الجزء الأكبر من هذا التمويل.

فرضية الإجماع الإقليمي...و"استحالة" الخضوع

يُجمع غالبية المراقبين اليوم على أن هناك شبه إجماع دولي يريد إنهاء الحرب في سوريا، والتوصل إلى تسوية سياسية تجمع النظام والمعارضة. ويشكّل التوافق الروسي- الأمريكي، في هذا السياق، القَوامَ الرئيسي لهذا الإجماع.

ويعتقد جزءٌ كبيرٌ من المراقبين أن بعض الدول الإقليمية بدأت تُساير هذا الإجماع الدولي، إما عن قناعة، أو تحت ضغوط، في حين ما تزال دولٌ إقليميةٌ أخرى تسعى لتحسين شروط التسوية السياسية المأمولة لصالح حلفائها في سوريا.

لو افترضنا الفرض الآتي:
أن الإرادة الدولية التقت مع إرادة إقليمية جامعة بأن يتم الضغط على المعارضين للأسد كي يجلسوا معه ويصلون إلى تسوية.....هل يمكن تحقيق ذلك؟، أقصد هل يمكن إجبار كل المعارضين للأسد على الالتزام بالرغبة الخارجية الإقليمية والدولية لوقف الحرب في البلاد؟
بطبيعة الحال، التساؤل السابق ما يزال افتراضيا، ذلك أن الدول الإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، لم تُجمع بعد على السعي لوقف الحرب، لكن لو افترضنا أن هذا الإجماع تحقّق، هل ستخضع كل القوى المعارضة للأسد لتلك الإرادة؟
أفترض في مقالي هذا بأن تحقق الإرادة الدولية – الإقليمية بوقف الحرب، لن يُنهيها بالضرورة، مباشرةً على الأقل، بل قد تستمر الحرب ويستمر الاقتتال، رغماً عن أنف مختلف القوى الدولية والإقليمية، لفترة من الوقت، قد تطول.

كيف وصلت إلى الافتراض الأخير؟

قد تكون من المفارقات الطريفة مع استراتيجيات النظام السوري، أنه كلما أشاع بروباغندا ما، وحذّر من قضية محددة في سياق حربه النفسية والإعلامية ضد الثورة، كلما تحققت تحذيراته تلك بعد حين، رغماً عن إرادته – في معظم الحالات-. أي أن النظام كان يكذب "الكذبة"، لتتحقق لاحقاً، على حسابه، وعلى حساب كل السوريين.

في بداية الحراك الثوري ضد الأسد، كان النظام يروّج إلى أن هناك تمويلا للمتظاهرين من دول وقوى خارجية هو ما يدفع الثورة إلى الاستمرار. لكن النظام لم يقدّم أدلة مقنعة يشرح فيها كيف يمكن لمتظاهر أن يخرج إلى الموت مقابل 500 أو 1000 ليرة مثلاً، لذلك لم يكن أحد قادراً على هضم تلك البروباغندا حينها، لأنها غير مقنعة بالفعل، ولو أنها صحت في حالات محدودة، فإنها لا يمكن أن تفسّر اندفاع مئات آلاف السوريين للتظاهر مع أولادهم ونسائهم في بعض المظاهرات الضخمة في مدن وبلدات سورية عديدة. إذ لا يمكن أن يكون كل هؤلاء مدفوعين بمبالغ تافهة نسبياً من قبيل 500 ليرة، ومستعدين للمخاطرة بأرواح أولادهم أمام رصاص الأمن، من أجل 1000 ليرة.

أما اليوم، فالجميع بات يعرف، أو يدرك، أنه: بعد أن دخلت الثورة، بدفعٍ من نظام الأسد، نفق العسكرة، وتجاوزت استراتيجية "التظاهر" بكل ما فيها من عفويّة وسلميّة، وتحوّل المشهد إلى حرب شاملة بكل معنى الكلمة، أصبح التمويل شرياناً رئيسياً لاستمرار الصراع المسلح.

بطبيعة الحال، نحن هنا لا ننكر دور العوامل الأخرى الدافعة للحراك المسلح، والتي اتسع نطاقها بعد دخولنا نفق العسكرة، لتبدأ بإصرار البعض على تحقيق حلم "الثورة" العذري في البدايات، ولو كان ذلك بالسلاح، مروراً بدوافع الانتقام والثأر التي تُحرّك عشرات آلاف المتضررين من أفعال النظام، بالأهل أو بالمال أو بالجسد أو بالنفس، مروراً أيضاً بدوافع عقائدية تفاقم دورها في أطوار متقدمة من الثورة، وليس انتهاءً بمصالح الانتهازيين الذين قرروا ركوب موجة الثورة لتحقيق مكاسب ومصالح شخصية، لا تمتّ لغاية الثورة بصلّة.

لكن من بين كل تلك الدوافع، لا يمكن لأحد أن ينكر دافع التمويل، الذي يُكمّل تركيبة الدفعِ للحراك الثوري المسلح، رغم كل تعقيداته.

هل يمكن تشريح التمويل ومصادره؟

ربما من الصعوبة بمكان الجزم بتشريح حاسم لكل مصادر التمويل وتوزعاته، لكننا نستطيع أن نرسم لوحة أوليّة بسيطة توضح صعوبة ضبطه، وبالتالي استحالة قطعه تماماً.

لطالما طالب بشار الأسد في الكثير من إطلالته الإعلامية بوقف الدعم والتمويل للـ "الإرهاب" من الدول الداعمة، وهو يقصد تحديداً التمويل الآتي للثوار، معتبراً ذلك أهم عنصر لإيقاف الحراك الثوري، الذي يصفه الأسد، عبر التعميم، بأنه "إرهاب".

بشار الأسد محقٌ في ظَاهِر ذلك تماماً، فوقف التمويل هو أبرز عوامل وقف الثورة المسلحة والظواهر الناتجة عنها من فوضى "شبه اقتتال أهلي". لكنه غير محقّ أبداً في المضمون، لأن وقف التمويل يقترب من "الاستحالة"، وضبطه يتميز بصعوبة بالغة للغاية.

ما بين التمويل الرسمي وغير الرسمي

أحد مصادر التمويل الرئيسية دون شك، هي تمويل الحكومات والأنظمة الرسمية في الدول الداعمة للثورة إقليمياً، وهو العنصر الأبرز من التمويل الذي يمكن بالفعل قطعه أو ضبطه.

لكن من مصادر التمويل الهامة الأخرى، يمكن أن نعدّد التمويل الآتي من أثرياء سوريين وعرب ومسلمين داعمين ومتعاطفين مع الثورة.

أثرياء الخليج من أبرز المموّلين غير الرسميين للحراك الثوري، وهذا التمويل تحديداً، هو الذي يصعب وقفه، كما ويصعب ضبطه دون بذل جهود حكومية بالإقناع، وليس القسر.

ولنختم الجزء الأول من مقالنا هذا بخلاصة واضحة، نقول: حتى لو أرادت أنظمة الخليج الحاكمة أن تمنع تمويل الثوار غير الرسمي الآتي من أثرياء الخليج، فإنها لن تتمكّن من ذلك، أو بتعبيرٍ أدّق، هي لا تستطيع ذلك.

أما لماذا لا تستطيع أنظمة الخليج الحاكمة وقف التمويل غير الرسمي الآتي من بلدانها إلى بعض كتائب الثوار في سوريا؟........فسنترك الإجابة على ذلك للحلقة القادمة من مقالنا هذا، إلى جانب تشريح نتائج التمويل غير الرسمي للثوار والصُور المفيدة منه، وتلك المضرّة.

يتبع في الحلقة الثانية

ترك تعليق

التعليق