"اقتصاد "تفتح الملف الساخن .."غرب كردستان "الاقتصاد والديمغرافيا وسيناريوهات الصراع (3-4)
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 25 تشرين الثاني 2013 --
- 0 تعليقات
مقومات الاقتصاد ونقاط ضعفه
الظلم التنموي لمحافظة الحسكة لم يلحق فقط بالأكراد بل طال العرب والآشوريين والكلدان.
طرق المواصلات لا يمكن أن تشكّل شريان حياة حقيقيا للإقليم المأمول إلا إن حظي بقبول الجيران.
تركيا قادرة على محاصرة منطقتي عفرين وعين العرب "كوباني" بصورة خانقة اقتصادياً
أية مساعٍ لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ستكون عبثية ما لم تُغلّف باستقرار سياسي
تذهب تقديرات الكثير من الباحثين والمختصين من الأكراد وغير الأكراد إلى الإقرار بثراء المناطق ذات الغالبية الكردية بالثروات الطبيعية والمعدنية، خاصة في شمال شرق سوريا، في محافظة الحسكة، التي تُعدّ من أغنى المحافظات السورية.
ويقرّ جميع المختصين على اختلاف خلفياتهم بحقيقة الحيف التاريخي الذي حاق بسكان تلك المحافظة، عرباً وكرداً وآشوريين، جراء التجاهل المقصود لحكومات البعث المتتالية، خاصة في عهدي الأسد الأب والابن، لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك المنطقة من سوريا.
ويُرجع بعض المحللين استراتيجية التجاهل التنموي لمحافظة الحسكة في عهد حكم آل الأسد إلى غايات "شوفينية" عنصرية غايتها كبت أي تطلعات أو نزعات انفصالية مستقبلية لأكراد تلك المنطقة، بينما يعكِس محللون آخرون غايات آل الأسد من تلك الاستراتيجية، ويجعلونها تستهدف تعميق الشعور بالظلم لدى الأكراد تحديداً، بغية خلق الوعي والمشاعر المناسبة للتفكير بالانفصال عن العرب، من منطلق أن الظلم الذي حاق بالكرد في تلك المنطقة، كان من منطلقٍ قومي عربي.
وينسى الكثيرون في غمرة ذلك الجدل، أن الظلم التنموي لمحافظة الحسكة لم يلحق فقط بالأكراد، بل طال العرب وباقي مكونات تلك المنطقة من آشوريين وكلدان، بحيث بات قرابة نصف فقراء سوريا يعيشون في تلك المحافظة، مما يرجّح القراءة الثانية لاستراتيجية آل الأسد في التجاهل التنموي للحسكة، بمعنى أن الأسد الأب ومن بعده الابن، استهدفا نشر بذور الجهل والتطرف والحنق الطائفي والعرقي المتبادل بين مكونات تلك المنطقة، ودفع كل تلك العوامل باتجاه الانفجار.
لكن بعيداً عن التفسيرات المتناقضة لأسباب وغايات استراتيجية آل الأسد في التجاهل التنموي للحسكة تحديداً، يبقى الجدل حول ثروات تلك المنطقة محدوداً، إذ تتفق معظم المراجع على حقيقة ثراء الحسكة الطبيعي، وفقرها البشري.
وجهة نظر كردية حول ثروات "غرب كردستان"
يقدّم الباحث الكردي "خورشيد عليكا" جملة تقديرات رقمية حول ثروات وموارد "غرب كردستان" الطبيعية والاقتصادية، يمكن لنا أن نعتمد معظمها، نظراً لتقاطعها مع الكثير من الأرقام الصادرة عن جهات وخبراء من غير الأكراد:
1- في الموارد الزراعية: يشكّل إنتاج القمح في "غرب كردستان" ما نسبته من 40-45% من نسبة إنتاج القمح في سوريا، والشعير يشكّل ما نسبته 30% من إنتاج الشعير في سوريا، والقطن يشكّل ما نسبته 40% من إنتاج القطن في سوريا، إضافة إلى أن عدد أشجار الزيتون في كردستان سوريا يزيد عن 13 مليون شجرة وهي تشكل ما نسبته 20% من عدد أشجار الزيتون في سوريا.
2- موارد الخامات المعدنية: وأبرزها، -خامات الحديد الرسوبية في منطقة "راجو" بـ"عفرين". –الملح على الضفة اليسرى لنهر الفرات في منجم الهرموشية باحتياطي لا يقل عن 8 مليون طن وعلى عمق 220 م.-الرخام وأحجار الزينة السوداء منها في عفرين. –الغضار وهي المادة الأساسية لصناعة الخزف والبورسلان أهمها في شمال حلب. –الجص في الحسكة كعنصر من عناصر الإسمنت.
3- موارد الطاقة: ويُقدّر الإنتاج اليومي للنفط في "غرب كوردستان"، حسب الباحث الكردي، بحدود 235547 ألف برميل يومياً، أما بالنسبة لإنتاج الغاز الحر والمرافق سنوياً يقدر بحدود 859.2 مليون م3، ويتوقع أن يكون احتياطي النفط في كردستان سوريا بعد أن نستبعد المناطق النفطية خارج الإقليم بحدود 10 مليار برميل، ويتوقع أن يكون احتياطي الغاز في غرب كوردستان بحدود 135 مليار م3.
ويتركز النفط والغاز المرافق والحر في الحقول التالية: -حقل كراتشوك –حقل السويدية –حقل حمزة –حقل عليان –حقل معشوق –حقل ليلاك –حقل رميلان. وتبلغ عدد الآبار في الحقول المذكورة حتى تاريخ 1 كانون الثاني 2010، 1277 بئرا، الآبار المنتجة منها 1235 بينما الآبار المتوقفة لأسباب فنية فهي 42 بئرا.
4- موارد المياه: وهي وافرة نسبياً، مقارنةً بباقي مناطق سوريا، وأبرز الأنهار: الفرات -الخابور -عفرين- جغجغ–دجلة.
أما أبرز الأحواض المائية (الينابيع): حوض دجلة والخابور.
مشكلات على صعيد الثروات البشرية والتواصل اللوجستي
لكن إن كنا نقرّ بمعظم ما أورده الباحث الكردي "خورشيد عليكا" على صعيد الثروات الطبيعية للمناطق التي يتركز فيها الأكراد، فإننا لا نستطيع الاتفاق معه في عرضه لباقي المقومات الاقتصادية في تلك المناطق.
فمن جانب المقومات البشرية، يقدّم الباحث "خورشيد عليكا" تفصيلاً لمزايا القوة البشرية الكردية، لكنه يتجاهل بعض نقاط الضعف البارزة، أهمها نسب التعليم المتدنية في شمال شرق سوريا، وانتشار الأمية، وضعف الاندماج مع التكنولوجيا، الأمر الذي سيعوق أية مساعٍ مستقبلية لتحقيق تنمية اقتصادية سريعة، ويتطلب الكثير من العمل لإعداد اليد العاملة المناسبة لها.
أما على صعيد النقل والمواصلات، وهي الجوانب اللوجستية الحيوية الضرورية لحياة أية دولة، أو حتى إقليم يسعى لتنمية اقتصادية حقيقية، يذكر الباحث "خورشيد عليكا" مزايا شبكات النقل والمواصلات، ويعيد التذكير بوجود مطار دولي في القامشلي (قامشلو)، متجاهلاً حقيقة أن طرق المواصلات لا يمكن أن تشكّل شريان حياة حقيقي للإقليم المأمول، إلا إن حظي الإقليم وشكل الحكم والإدارة فيه، بقبول الجيران، خاصة المحيطين العربي والتركي، وإلا، فلا وجود لمدّ لوجستي للإقليم المأمول.
مفارقات أخرى بين الغنى الطبيعي والفقر البشري
حسب دراسة خاصة بالمناطق النائية في سوريا، صدرت عن إحدى المكاتب التابعة للأمم المتحدة قبيل الثورة بفترة وجيزة، يظهر أن الفقر متفشي بصورة كبيرة في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، فمن أصل 5 ملايين فقير سوري، أي ما نسبته 23% تقريباً من مجموع السوريين، فإن 60% منهم يعيشون في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا، وتحديداً في محافظة الحسكة، حيث بلغت نسبة الذين لا يحصلون على الحاجات الأساسية من الغذاء وغيره أكثر من مليون شخص، مع العلم أن هذه الدراسات بقيت طوال سنوات محط لا مبالاة من الجهات الرسمية السورية.
وهكذا يتضح أن سكان محافظة الحسكة بمختلف قومياتهم الكردية والعربية والكلدانية والآشورية، هم الأكثر فقراً على مستوى سوريا.
وتبلغ مساحة محافظة الحسكة حسب الإحصائيات الرسمية من قبل مديرية زراعة الحسكة 23400 كم2 والتي تشكل حوالي 13% من مساحة سوريا، ويبلغ عدد سكان محافظة الحسكة حوالي المليونين وثلاثمائة ألف نسمة، بعد إضافة الكرد المجردين من الجنسية –سابقاً- إليها، وتندرج الحسكة ضمن المحافظات النامية.
ويبلغ إنتاج شركة رميلان وحدها من النفط 23500 م3 يومياً أي ما مقداره 150000 برميل يومياً، في إحصائية غير رسمية من الشركة السورية للنفط، فيما تبلغ كمية الغاز المنتج في معمل الغاز في السويدية يومياً 24000م3 وحوالي 30 ألف برميل نفط يومياً من مديرية حقول جبسة التي تنتج النفط بشكل رئيسي، والذي ينتج منه بعد التكرير البنزين والكيروسين والغاز المنزلي.
لكن هذه الثروات لم يحصد منها سكان الحسكة، على اختلاف انتماءاتهم العرقية، سوى تلوث البيئة والسرطانات، ذلك أن حكومات النظام المتتالية لم تكلف نفسها عبء تخصيص ميزانية، ولو بسيطة، لتنظيف المناطق التي يُستخرج منها النفط والغاز، أو حماية المواطنين من الأمراض الفتاكة الناجمة عن عمليات الاستخراج.
استقلال ذاتي اقتصادي للأكراد...بين الممكن والمستحيل
هل يبرر الحيف التاريخي الذي لحق بأكراد الحسكة تنموياً....أية مساعٍ انفصالية أو فرض أمرٍ واقعٍ من قبيل "الإدارة المدنية الانتقالية" المُعلنة أخيراً؟
بطبيعة الحال، يجيب الكثير من الأكراد المتحمسين لسيناريو الحكم الذاتي موسّع الصلاحيات وفق نموذج "كردستان العراق" بالإيجاب، لكن وقائع الديمغرافيا التي استعرضناها في الحلقة السابقة من سلسلتنا، تظهر أن العرب وباقي مكونات تلك المنطقة من كلدان وآشور، هم شركاء للأكراد في البؤس التنموي الناجم عن سياسات حكومات آل الأسد تجاه تلك المنطقة، وأن ما حاق بالأكراد من ظلم، حاق مثيله بأقرانهم من العرب وباقي مكونات سكان المنطقة.
لكن بعيداً عن الجدل الآيدلوجي، أو الأخلاقي، أو حتى شعارات الوحدة الوطنية، يبدو أن السؤال الأدق الذي يجب طرحه هنا هو:
هل تستطيع أية إدارة كردية ذاتية مستقلة عن شركائها العرب في الداخل السوري، وقسرية، من قبيل ما أُعلن عنه أخيراً، أن تستثمر ثروات وموارد "غرب كردستان" لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية لسكان تلك المنطقة؟
هل يمكن للأكراد، بمعزل عن شركائهم العرب في سوريا، أن يحققوا نموذجاً شبيهاً بنموذج "كردستان العراق" التي تعدّ معدلات التنمية وملامح النهوض الاقتصادي فيها مثالية، مقارنةً بحال باقي مناطق العراق؟
يبدو أن الجواب متوقف فعلاً على النموذج الكردي في العراق، فكما أن "كردستان العراق" كانت نتاج توافق عراقي، كردي – عربي، بغض النظر عن مثالبه، وكما أن "كردستان العراق" يعتمد في تصدير نفطه واستيراد وتصدير بضائعه على العمقين العربي –العراقي، والتركي، فإن "غرب كردستان" المأمولة، ينطبق عليها ذات المعادلات، مع المزيد من التعقيد.
من أمثلة ذلك التعقيد: أن معظم المیاه الجاریة فيها تأتي من تركیا، مما يهدد الأمن المائي لتلك المنطقة، كما أن تركيا قادرة على محاصرة منطقتي عفرين، وعين العرب "كوباني" بصورة خانقة اقتصادياً، لو أرادت، وهو ما يتم نسبياً في الوقت الراهن في حالة عفرين، التي تتعرض لتضييق على مساعي التواصل التجاري مع العمق التركي.
وإن كان العراق المحكوم من إدارة متحالفة مع إيران ونظام الأسد بصورة غير معلنة، يشكّل منتفساً اقتصادياً هاماً لمناطق الأكراد في الحسكة، وهو ما يفسّر استشراس الأكراد للسيطرة على معبر اليعربية منذ فترة وجيزة، فإن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العراق، ناهيك عن وجود ديمغرافي عربي من قبيلة "شمّر" في الجانب العراقي من الحدود مع مناطق الأكراد في الحسكة، ولهذه القبيلة امتدادات قوية داخل الجزيرة السورية، يجعلان المتنفس العراقي آنيّا وقابلا للانقطاع في أية لحظة يحصل فيها تمرد عشائري عربي في منطقة الموصل في حال امتدت حساسيات الصراع الكردي -العربي في الجزيرة السورية إلى العمق العراقي المجاور.
أما الصلة البرية بـ"كردستان العراق" المناوئة للإدارة الذاتية المعلنة لأكراد سوريا، فهي تنحصر بحدود قصيرة عند محافظة دهوك العراقية، لا يمكن المراهنة عليها كثيراً في حال حصول صراع مسلح حدودي بين العرب والأكراد.
خاتمة
وهكذا يبقى العمقان العربي –السوري، والتركي، هما الأكثر أماناً واستمرارية لأي نشاط تجاري لـ "غرب كردستان"، الأمر الذي يعني أن أية مساعٍ لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ستكون عبثية ما لم تُغلّف باستقرار سياسي مبنيّ على توافق محلي مع الشركاء العرب في سوريا، وآخر إقليمي مع الجار التركي، والكردي في العراق.
يتبع في الحلقة الرابعة والأخيرة..
|
التعليق